الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستخبارات الأميركية··· ومخاطر الخصخصة

الاستخبارات الأميركية··· ومخاطر الخصخصة
26 يونيو 2007 00:03
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بفترة قصيرة، دعا السيناتور ''بوب جراهام'' رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي إلى'' علاقة تكافلية بين مجتمع الاستخبارات والقطاع الخاص''· من الأقوال المأثورة التي يتذكرها المرء ذلك القول الذي يدعو فيه إلى أن يكون الإنسان حذراً عندما يتمنى شيئاً إذ ربما يتبين أن ما تمناه لم يكن في النهاية لصالحه· وهذا بالفعل ما حدث في موضوعنا هذا· ففي السنوات التي انقضت ما بين تلك الدعوة والوقت الراهن، نما مجمع استخباراتي- صناعي هائل، وذلك عندما راح رؤساء أجهزة الاستخبارات الحكومية يستعينون بمصادر خارجية في كل مجال من مجالات الاستخبارات تقريباً· ففي تقرير لصحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' من ''محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية'' جاء أن عدد المقاولين الخصوصيين العاملين في المحطة يفوق عدد الموظفين الحكوميين بنسبة ثلاثة إلى واحد· هنا يتبادر إلى الذهن سؤال: كم من ميزانية الاستخبارات بالضبط يذهب إلى جيوب المقاولين الخصوصيين؟ نظرا لأن ميزانيات الاستخبارات تحظى بدرجة عالية من السرية، وأن العديد من العقود يتم إرساءها من دون إشراف أو مناقصة تنافسية، فإن ما كان يبدو لنا هو أننا لن يتسنى لنا أبداً معرفة إجابة هذا السؤال· وقد استمر ذلك حتى الشهر الماضي، عندما قدم مدير مشتريات في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، عرضاً بالصوت والصورة في مؤتمر عقد في ''كولورادو''، تسربت خلاله معلومة مذهلة، وهي أن ما نسبته 70 % من ميزانية الاستخبارات، تُنفق في الوقت الراهن على المقاولات الخاصة· لقد كان من الأمور المألوفة أثناء الحرب الباردة أن تعتمد أجهزة استخباراتنا دائماً على مقاولين خصوصيين، للاستفادة من خبراتهم·· ولكن الذي حدث أنه بعد انتهاء تلك الحرب، وسقوط حائط برلين تقلصت الميزانية المخصصة للمقاولين الخصوصيين بنسبة 40 في المئة· وبعد الحادي عشر من سبتمبر وجدت وكالاتنا الاستخبارية نفسها تعاني من نقص في الرجال، كما وجدت أن رجالها لا يجيدون اللغات التي يتحدثها الإرهابيون، وأنها غير قادرة على استنباط تقنيات اتصالات جديدة، وأنها قد تخلفت عن الوكالات الأخرى التي تعمل خارج نطاق الحكومة· ومن هنا يمكن القول إن ازدهار عملية الخصخصة في حقل الاستخبارات، قد نبع من حاجة ماسة في الأساس، وهو الأمر الذي عبر عنه شعار كان مكتوباً على إحدى الشرائح الزجاجية (السلايدات) التي تم عرضها في مؤتمر ''كولورادو'' وهو:''لن نستطيع أن نتجسس ما لم نتمكن من شراء الغير''· والذي حدث هو أنه وبعد انفجار فقاعة ''الدوت كوم'' قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير، وجد جيل كامل من العاملين في مجال التقنية الإليكترونية أنفسهم دون عمل· وعندما جاءت الحكومة كي تطلب منهم التعاون معها في مجال تطوير لوغريتمات جديدة للتوصل للبيانات، ومجال البرامج البيوميترية (البيولوجيا الإحصائية) الخاصة بالتعرف على الهوية، فإنه كان من الطبيعي أن يسعدوا بذلك وأن يقبلوا على أنشاء المشروعات الجديدة المشتركة مع الحكومة،التي تكاثرت كالفطر في الضواحي المحيطة بواشنطن· وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المنشآت الخاصة المتعاونة مع وكالة الاستخبارات الوطنية قد ارتفع من 41 منشأة عام 2002 إلى 1265 منشأة عام 2006 وهو ما يجعلنا نقول إن الأمر بدا وكأنه تدافع جديد على الذهب أو فقاعة جديدة ولكن في مجال الأمن القومي هذه المرة· وعندما رأت الشركات التقليدية العملاقة في المجمع الصناعي- العسكري مثل ''بوينج'' و''لوكهيد مارتن'' و''نورثروب جرومان'' هذا النمو في السوق الوليدة، فإن كل واحدة منها كانت حريصة على إنشاء أقسام استخبارات وأمن داخلي بها، وهو ما أدى إلى نشأة ''مجتمع استخبارات ظل'' كما يقول أحد خبراء الاستخبارات· ليس هناك خطأ في ذلك، فنحن نرغب في أن يتمكن رجال استخباراتنا من الوصول إلى أحدث التقنيات والحصول على أفضل الخبرات في مجال الاستخبارات، حتى لو أدى ذلك إلى التعاون مع جهات خارج الحكومة، ودفع رواتب خيالية·· ولكن المشكلة تكمن في أن العلاقة التكافلية التي سبق أن أشرنا إليها في بداية هذا المقال، قد تحولت إلى علاقة معيبة وظيفيا، أن لم تكن علاقة استغلال صريح· فالذي يحدث في الوقت الراهن، هو أن وكالاتنا الإستخباراتية تتعاقد مع مقاولين خصوصيين لتنفيذ برامج معينة بتكلفة معينة، ولكننا نفاجأ بأن تلك التكاليف قد تضاعفت عدة مرات حتى قبل أن ينطلق المشروع ذاته· وعندما يتم ذلك، نجد أن هناك من يأتي في النهاية ليقول إن المشروع كان خطأً وأنه ما كان يجب أن يتم من الأساس· حدث هذا في مشروع لوكالة الاستخبارات الوطنية هو مشروع''تريلبليزر'' Trailblazer الذي كان يهدف لتطوير منظومات الوكالة المتعلقة بمراجعة وتدقيق تدفق المعلومات التي ترد إليها··· كما حدث في مشروع آخر، كان يهدف إلى تطوير جيل جديد من أقمار التجسس القادرة على تصوير الأهداف من الفضاء، وهو المشروع الذي زادت تكلفته الفعلية عن تكلفته المقدرة بمقدار الضعف، وتم تنفيذه خمس سنوات متأخراً عن الموعد المحدد· ليس هذا فحسب، بل إنه يحدث أن يفشل مشروع معين أو يحدث به خلل ما، فيتم تكليف شركة جديدة لإصلاح ذلك الخلل، ثم يتبين أنها تابعة للشركة التي أنشأت المشروع الفاشل الأول· وليت الأمر يقتصر على ذلك، بل إننا نجد أحيانا أن الشركات الخاصة التي تتعاون مع وكالاتنا الاستخباراتية تقنع بعض خبرائنا الاستخباراتيين، الذين أنفقت الحكومة أموالاً طائلاً على تدريبهم بترك الحكومة مقابل إعطائهم رواتب ضخمة تفوق بكثير الرواتب، التي كانوا يتقاضونها في الحكومة، و الأدهى من ذلك أنه تعيد إعارتهم للحكومة بمرتبات أضخم من ذلك بكثير· وقد أدت هذه الممارسة إلى عملية نزيف عقول كبيرة يمكن لنا أن نتبين مدى فداحتها إذا ما عرفنا أن ثلثي عدد المسؤولين الكبار والخبراء في وزارة الأمن الداخلي، قد استقالوا والتحقوا بالقطاع الخاص لدرجة دفعت ''مايكل هايدن'' مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ''السي·آي·إيه''، للقول إنه يخشى أن تكون وكالته قد تحولت إلى''مزرعة لتوريد الخبراء للمقاولين الخصوصيين''، الشيء الذي يبعث على بعض الاطمئنان هو أن الكونجرس قد تنبه أخيراً إلى خطورة هذه المشكلة· فمشروع قانون التفويض الاستخباراتي، الذي تم تمريره في مجلس النواب الشهر الماضي، تضمن تعديلاً، ينص على مطالبة مدير الاستخبارات الوطنية بتقديم تقرير عن الوظائف التي يتم إنجازها بواسطة المقاولين، والأساليب التي يتم إتباعها في التدقيق على المقاولات، والتكاليف المالية لعملية الاستعانة بمصادر خارجية· ويُشار في هذا السياق أيضاً إلى أن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، قد انتقدت وكالات الاستخبارات في تاريخ سابق من هذا الشهر بسبب اعتمادها المتزايد على المقاولين، وكرد فعل على ذلك الانتقاد أعلنت وكالة ''السي·آي·إيه'' أنها ستخفض من عدد المقاولين، الذين تتعامل معهم بنسبة 10 في المئة· هذه خطوات واعدة، ولكن الأمر يستلزم اتخاذ خطوات أخرى أكثر جسارة، تتعلق بإجراء تعديلات على الطريقة التي يتم بها إرساء العقود، وإيقاف الزيادة في التكلفة قبل استفحالها، والحد من انتقال الخبراء إلى شركات القطاع الخاص، من خلال إيقاف التعاملات مع الشركات التي تقوم بتوظيف أعدادا كبيرة من الموظفين الإستخباراتيين السابقين، ومعاقبة الشركات التي تتأخر في تنفيذ المشروعات المكلفة بها أو التي تتجاوز الميزانيات المحددة لتلك المشروعات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©