الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد علي شمس الدين: الشعراء حراس الثقافة

محمد علي شمس الدين: الشعراء حراس الثقافة
25 ديسمبر 2013 19:23
الشاعر محمد علي شمس الدين، حائز على دكتوراه دولة في التاريخ، واجازة في الحقوق، ولكن موهبته الشعرية طوحت به بعيداً عن دراساته، فبات من طليعة شعراء الحداثة في العالم العربي منذ مطالع السبعينيات الماضية. وهو من الشعراء القلائل الذين حجزت قصيدتهم مكاناً وسط النخبة المنبرية منذ انطلاقتها الأولى، فكانت قصائد شمس الدين في البدايات تنشر في مجلة “الآداب” حاز شمس الدين في العام 2012 جائزة العويس الشعرية. وترجمت أشعاره إلى أكثر من لغة منها الإسبانية والفرنسية والإنجليزية. صدرت له 18 مجموعة شعرية وثلاثة كتب هي: “قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا” و”غيم لأحلام الملك المخلوع” و”أناديك يا ملكي وحبيبي” و”الشوكة البنفسجية” و”طيور إلى الشمس المرّة” و”أما آن للرقص أن ينتهي” و”أميرال الطيور” و”يحرث في آبار” و”منازل النرد” و”ممالك عالية” و”رياح حجرية” و”كتاب الطواف” و”حلقات العزلة” و”اليأس من الوردة” و”غرباء في مكانهم” و”الغيوم التي في الضواحي” و”شيرازيات”. كما صدرت اعماله الكاملة بجزئين. وأصدر مجموعتين قصصيتين للأطفال: “غنوا غنوا” و”قصة ملونة”، بالاضافة إلى بحث تاريخي بعنوان “الاصلاح الهادئ”، هذا فضلاً عن مئات المقالات والدراسات حول الشعر والثقافة عموماً في الصحف والمجلات اللبنانية والعربية. كتب عن شعره الكثير من النقاد العرب والغربيين، ومن بينهم المستشرق الإسباني بدرو مونتابيث حيث قال: “يبدو لي أن محمد علي شمس الدين هو الاسم الأكثر أهمية، والأكثر وعدا في آخر ما كتب من الشعر اللبناني الحديث، في هذا الشاعر شيء من المجازفة مكثف وصعب؛ شيء ما يبعث على المجرد المطلق، المتحد الجوهر، اللاصق بالشعر في أثر شمس الدين. وقلة هم الشعراء الذين ينتصرون على مغامرة التخيل، ويتجاوزون إطار ما هو عام وعادي، وهؤلاء يعرفون أن مغامرتهم مجازفة كبرى، ولكنهم يتقدمون في طريقها”. “ الاتحاد الثقافي” التقت الشاعر محمد علي شمس الدين على هامش معرض الكتاب الدولي في الشارقة وأجرت معه الحوار التالي. روح الشعر ? الشعر بتعريف أرسطو، هو ما لم يقله أحد من قبل، وبتعريف الصوفيين، يفترض أن يغادر الذات إلى الموضوع. فأين تقع قصيدة محمد مهدي شمس الدين بعد أربعين عاماً ونيف من المغامرة مع القول الشعري؟ ?? أنا أجمع القولين، الذات في الموضوع أو الموضوع في الذات، مع ملاحظة تفيد أنه بالقصيدة يتحدان. يعني أني لست مع ثنائية المعنى والمبنى، ولا مع التعريفات الألسنية للشعر، التي أطلقها بول فاليري حينما قال إن الشعر هو التردد اللانهائي بين الصوت والمعنى، (son صوت و sens معنى) بمعنى أن الألسنيين واللغويين اعتمدوا هذا التعريف وأسسوا عليه. ولكن بالنسبة لي، القصيدة هي المعطى اللغوي للشعر. الشعر إيقاع نفسي ووجودي في الذات البشرية، تحققه إذا تم في اللغة يسمى القصيدة، ويمكن أن يتحقق الشعر في المسرحية، ولكن لا تكون القصيدة، إنما هو الشعر، ولأن الشعر روح الشاعر، يستحيل ضبطه وتأطيره، وإنما يمكن أن يتجلى في الوجود، وإذا تجلى باللغة صحيح أيضا، إن الشعر لا يقوله إلا صاحبه الشاعر. أظن أنني مع هذا لثلاث نواحٍ، زمنيا ابتدأت من ديوان “قصائد مهربة إلى حبيبتي” (75 دار الآداب) حيث القصيدة لحظة إمتلاك العالم باللغات، أي بالمتعة اللغوية، مثل قولي: سأقص دم الأمطار أفض دم الأشجار أشق ضريح النار بخنجري سيكون من المهم القول إن الصورة المركبة وإيحاءاتها في المعنى تذهب في اتجاهات شتى، كأن لا موضوع يوجد في القصيدة، إنما وحدة القصيدة تتجلى في إيقاعها اللغوي محمولة على هودج إنشادي لغوي بالمعنى الصوتي القوي. انتقلت إلى ظلال الكلمات، بمعنى الصمت الموحي، الذي هو أصل الكلام، وهنا افتراقي عن الآخرين، كأن أقول في “أناديك يا ملكي وحبيبي”، الديوان الرابع في الثمانينيات، في ذكر ما حصل للتي أحب. كان يلزمني كي أفسر هذا العذاب قليل من الشعر لكني لم أكن شاعرا. ما الذي كان يفعله الشعراء كي يصلوا؟ هذه حالتي، أرى لا أقول. هذا نقلني إلى لحظتي المعاصرة في الشعر وهي قريبة من الإشراق الشعري بالمعنى الصوفي كالقول: أعليت دموعي كي تبصرها يا الله وقلت أعيد لك الأمطار فلتنشر غيمك حيث تشاء فإن الغوث يعود إليك والحزن يعود إلي وأنا حين ربطت الريح بخيمة أوجاعي جمعت ينابيع الأرض ففاضت من ألمي هذا ألمي: قرباني لجمالك لا تغضب فأنا لست قويا كي ما تنهرني بالموت. يكفي أن ترسل في طلبي نسمة صيف فأوافيك وتحرك أوتار الموسيقى وأحيا فيك. هذا ألمي.. هذا ألمي خفق من وقع جمالك فوق فمي. لكي تدخل مباشرة عليك أن تقطع مسافات كثيرة، فهذا الدخول المباشر إلى قلب الشعر الذي سماه القيرواني، أحد أهم الدارسين القدماء، معنى المعنى. كأن تريد أن تدخل على السلطان، ولنفترض أن السلطان هنا هو الشعر، فهناك من يدخلون على مراحل، وهناك من يدخلون بلا استئذان، كأن أقول: كلما حززت هذي البرتقالة تتبسم ربما علمها الحب وأعطاها جماله الشعر ليس غائياً ? أين هو دور الشعر في هذه المرحلة، التي تتميز بسيولة لا ضبط لها على كل المستويات الثقافية؟ ?? الشعر العربي أسس في الجاهلية معنى الحضارة العربية وحده، حيث جاء الإسلام والقرآن بلغة هذا الشعر، أي لغة قريش، أو لغة الشعر القديم. إذن القرآن لناحية اللغة تبنى المنجز الحضاري العربي السابق عليه، المتمثل بالشعر، وأطلق قيمه بهذه اللغة، وتطورت الشخصية العربية وصعدت إلى أماكن عالية جدا من خلال لغة الشعر. والشعراء على امتداد الأزمنة العربية وحتى اليوم، هم حراس الشخصية العربية من خلال قصائدهم. ? لم تجب على السؤال، أين هو دور الشعر في الوقت الراهن؟ ?? الشعر بطبيعته ليس غائياً، لأن الشعر الغائي ضعيف، مثل الشعراء الملتزمون بالأيديولوجيا كيفما كانت، أنا لا أعرف أن الأيديولوجيا الماركسية أعطت شاعرا جيدا بالمعنى الأيديولوجي،كذلك الحال بالنسبة إلى جميع الأيديولوجيات. يبقى أن الشعر بعد أن يصبح منتجا إبداعيا مكتملا، أو منسجماً مع شروطه الإبداعية الفنية، وهي شروط خاصة ودقيقة، يستطيع أن يفعل فعله بالنفس. لكأنما هو مكتف بذاته. ? أتعتقد أن القصيدة ماتزال تقوم بدورها على مستوى إنتاج الوعي الجديد؟ ??نعم بشكل تلقائي، ولكن هذا الأمر يقتصر على قصائد شعراء مبدعين بعينهم. مثلا بعض قصائد الماغوط تصنع الوعي، لأنه من الشعراء الذين إنعكس الصراع العربي تاريخيا وفي فترة محدودة بقصائدهم. وأكاد أصغي لصراخه الوحشي يتردد في أرجاء سوريا اليوم. ? أين بات مشروع الحداثة العربية، الذي جرى التبشير به قبل قرن ونصف على أقل تقدير؟ ?? نتكلم عن الثقافة بحكم كونها الصيرورة العربية، بمعنى الانتقال من مكان لآخر، أي الانتقال من كان إلى صار، كان تصنع الماضي وترتبط بالأصول، وصار تصنع الطريق. ينضوي السجال حول الحداثة في هذا الإطار، منذ سقوط بغداد على يد التتار حتى اليوم، الثقافة العربية الإسلامية في طور متماد من الانتهاكات، أو الغيبوبة، أو التهميش المقصود، أو أن تكون ثقافة خادمة، وتحاول أن تنهض وتستعيد سيادتها، وهناك دم كثير يراق، المسألة برأيي صعبة جدا، ولكنها ليست مستحيلة. إن مشاريع الحركات الثورية العربية “الربيع العربي وسواه” محاولات دامية لكي يستعيد الإنسان العربي السيادة على نفسه وزمنه، وإنكساراتها قوية بل سوريالية، ولكن أنا أرى إلى الصيرورة التاريخية. الآن يؤرقني شخصيا كشاعر عربي من الجنوب اللبناني ميزان العدل المكسور. الصيرورة التاريخية العربية، أو “الحداثة” تحتاج إلى مراحل ومشاريع ورجال رؤية من بينهم الشعراء، بل لعل الشعر هو الأهم بالمعنى الحضاري، لأنني كما سبقت الإشارة أعتقد أن الشاعر قائد من ناحية تجسد اللغة التي هي الأمة فيه. عطب تاريخي ? أتعتقد أن الشخصية العربية معطوبة في المرحلة الراهنة؟ ?? العطب تاريخي وطويل المدى، العصب العربي مضروب من مئات السنين. وما زالت تتراكم خيباته حتى اليوم، لكنه يقاوم. ويعود السبب إلى ميزان العدل المكسور الذي يمسك به أصحاب السلطة على مدى التاريخ العربي. والسلطة ينتجها المجتمع، والمجتمع حَدّدَ العطب بشكل أدق، فالبحث طويل ويمكن كتابة كتاب حوله، ولكن أختزل الموضوع بقصيدة قصيرة كتبتها: لعل قاتلي بداخلي. ? إلى أين يمضي العرب في الوقت الراهن؟ ?? لماذا نتكلم عن أنفسنا فقط، وكأننا وحدنا على هذه الكرة الأرضية، الآن الولايات المتحدة غيرها من أسبوع، ومثلنا العالم بكامله، نحن نتحرك، أي أننا لم نمت، حركتنا صعبة معقدة قد تتطلب جيلا أو جيلين على الأكثر. من العلامات الطيبة الحراك العربي الثوري ضد الظلم والاستبداد ووحدانية السلطة والتوريث في السلطة. العلامة الثانية قدرتنا على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©