الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة في موقع العرب في دليل السلام العالمي

26 يونيو 2007 00:41
لا شك أن التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين من تغييرات في المناخ وتوفير مياه الشرب وخفض معدلات الإنفاق العسكري والتعامل مع الانفجار السكاني وغيرها من التحديات تستدعي وجود تعاون دولي للتوصل إلى حلول عالمية· لكن في ظل غياب توازن القوى العالمي وتفشي الخلافات والصراعات والتوترات السياسية الدولية، وتعطل لغة الحوار بين كثير من اللاعبين الرئيسيين في المسرح السياسي، كيف يمكن للبشرية أن تتوصل لحلول بشأن قضاياها المصيرية؟ هذه الإشكالية دفعت واحدة من أعرق جماعات البحث في العالم، وهي وحدة الاستقصاء في مجلة ''الإيكونوميست'' البريطانية، إلى وضع معايير لقياس مستويات الأمن والسلام واحترام حقوق الإنسان لدى دول العالم، ليكون بمثابة تنبيه للقادة وحثهم على دفع تروس السلم والتنمية الداخلية وتعميق جذور التعايش والتعاون الخارجية· وفي أواخر شهر مايو الماضي صدر دليل السلام العالمي، وهو تقرير سنوي مفصل يصدر للمرة الأولى ويشرف عليه عدد من الباحثين والأكاديميين والخبراء في مراكز أبحاث عالمية للسلام، بالإضافة إلى مركز دراسات السلام و النزاعات في جامعة سيدني الاسترالية· يحدد الدليل موقع 121 دولة في قائمة السلام العالمي، وذلك بناء على 24 معيارا، من بينها سيادة النظام والوضع الأمني والاستقرار السياسي ومستويات العنف والجريمة المنظمة ومعدل الإنفاق العسكري واحترام حقوق الإنسان وعلاقات الجوار· وكانت أول عشر دول الأكثر أمنا في العالم هي النرويج ونيوزيلندا والدنمارك وايرلندا واليابان وفنلندا والسويد وكندا والبرتغال والنمسا، أما الدول العشرة الأقل أمنا فهي أنجولا وساحل العاج ولبنان وباكستان وكولومبيا ونيجيريا وروسيا وإسرائيل والسودان والعراق· في قراءة تحليلية لمواقع الدول العربية من دليل السلام العالمي، لا يسعنا إلا أن نتوقف أولا، عند القاسم المشترك الذي دفع بوجود ثلاث دول عربية في ذيل قائمة الدول الأكثر خطورة في العالم، وهي حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي منيت بها لبنان والسودان والعراق في الآونة الأخيرة· فكيف لنا أن نستوعب أن لبنان يكون في المرتبة 114 وهو البلد العربي الذي تتنفس رئتيه من الجذب السياحي أصبح بلدا طاردا محفوفا بمخاطر التفجيرات والاقتتال والصراعات الداخلية، حتى أن دولا مثل سريلانكا وأنجولا وساحل العلاج صنفت أكثر منه أمنا واستقرارا··؟! وكيف دفع تدهور الوضع السياسي في السودان والاقتتال الدامي في دارفور والحصار الاقتصادي والأزمات الداخلية إلى وضع السودان في المرتبة 120 وتصنيفها أكثر الدول اضطرابا على مستوى القارة الإفريقية· ولا يخفى على أحد ما حل بالعراق بعد الغزو، وما انتهى إليه الحال بأنها باتت أخطر مكان على وجه الأرض طبقا لمعايير الدراسة التي بين أيدينا· وإذا كانت فلسطين غابت عن الذكر في دليل السلام العالمي، فما يحدث في الأراضي الفلسطينية لم يغب عن بال الباحثين، بل فرض ثقله على موقع إسرائيل بوجودها في المرتبة ،119 أي البلد الأخطر في العالم قبل السودان والعراق، والأعلى في مجال انتهاك حقوق الإنسان وتوتر العلاقة بين دول الجوار والأعلى في نسبة الإنفاق العسكري وغياب الشفافية· مما يجعل هذه الدراسة بمثابة كابوس لكيان اعتاد أن يتشدق بأكاذيب حول ما ينعم به من ديمقراطية وحقوق إنسان وازدهار اقتصادي واستقرار سياسي· مجلس التعاون لقد ساهم دليل السلام العالمي في توسيع مدارك العالم بشأن معايير السلام· فلم يعد السلام كلمة مرادفة لغياب الحرب، بل هي مجموعة القواعد والأنظمة التي تضمن للناس مواجهة التحديات الأساسية وحماية الحقوق والعيش في استقرار والشعور بالمساواة وحق العيش في أمان· وبنظرة تأملية لمكانة العرب من لائحة السلام العالمي نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي احتلت مراكز متقدمة من اللائحة· فتصدرت سلطنة عمان الدول العربية بوجودها في المرتبة ،22 ثم دولة قطر في المرتبة ،30 تليها دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 38 وجاءت الكويت في المرتبة 46 وتلتها مملكة البحرين في المرتبة 62 واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة ·90 وعزز ذلك حالة الرخاء والتقدم والاستقرار، ومن ثم حالة الحراك الاجتماعي والسياسي التي شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات القليلة الماضية· ساهم كذلك في ارتفاع درجات التقييم، انخفاض معدلات البطالة في عمان وقطر والإمارات، وكذلك انخفاض معدلات الجريمة، وارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية· بالإضافة إلى معايير أخرى اشترك فيها العديد من دول مجلس التعاون منها وجود علاقات جيدة على المستوى الدولي وعلاقات أخوة وتعاون على مستوى دول الجوار، وعلاقات طيبة ملؤها الوضوح والمصداقية على المستوى الشعبي، بالإضافة إلى تعدد مبادرات الوساطة والمواقف الإنسانية والتمسك بتحقيق التنمية والاهتمام برفاهية المواطن والانفتاح الاقتصادي في العديد من دول مجلس التعاون· من المتوقع أن تستمر هذه المواقع في التحسن في السنوات القادمة، مع الاستمرار بتنفيذ خطط التنمية الشاملة وتفعيل العملية الديمقراطية، وتعزيز مشاركة المرأة في العمل السياسي والارتقاء بمعايير حقوق الإنسان، ووضع اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك موضع التنفيذ الفعلي· خلصت الدراسة في هذا الجانب إلى أنه لا ازدهار من دون استقرار داخلي· وربما هذا ما أثر على ترتيب كل من الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية في دليل السلام العالمي بسبب التحديات السياسية والأمنية والتفجيرات الإرهابية التي واجهتها في الفترة ما بين 2004 و،2006 وهي فترة البحث التي بنيت عليها الدراسة· معايير الأمن والاستقرار في هذه الدراسة التي نشرت على الموقع الإلكتروني ''فيجين أوف هيومانيتي'' أو (رؤية للإنسانية) غابت كثير من التفاصيل التي تساعدنا على استخلاص معلومات حول أسس القياس، إذ اعتمدت على درجة من خمس درجات لمستوى الأمن الداخلي وثقة المواطن في حكومته ومعدل الفساد الإداري وسهولة حصول المدنيين على السلاح ومستويات الجريمة المنظمة وغيرها· لكنها حددت نسبة مئوية لحرية الصحافة وعدد السكان المهجرين لكل مائة ألف شخص، ومعدلات التعليم لمن هم فوق 15 سنة ومعدل البطالة· وفي الوقت الذي غابت فيه بعض الدول العربية عن الذكر في الدراسة وهي فلسطين والصومال وموريتانيا وجيبوتي وجمهورية القمر، نجد أن التصنيف الإقليمي للدراسة اتبع العامل الجغرافي وتجنب التصنيفات اللغوية أو العرقية أو الدينية· فدخلت معظم الدول العربية مع إسرائيل تحت مسمى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أما السودان فالوحيدة التي دخل تصنيفها مع دول أفريقيا· وبتأمل وضع دول المغرب العربي نجد أنها - باستثناء الجزائر التي احتلت المرتبة 107- كانت أوفر حظا بين العديد من دول المشرق العربي في ترتيبها في دليل السلام العالمي فلقد حازت تونس على الترتيب 39 والمغرب 48 ثم ليبيا ·58 بينما سبب تراجع الجزائر كثيرا عن دول المغرب العربي، فساهم فيه واقعة تعطيل الانتخابات وما ترتب عليها من أعمال عنف وتفجيرات وعدم استقرار داخلي، بالإضافة إلى النزاع بين الجزائر والمغرب فيما يتعلق بصراع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة بوليساريو· الدول الكبرى تشير نتائج الدراسة إلى أن هناك علاقة بين الاستقرار وصغر حجم الدولة وثرائها· وهذا ما يفسر أيضا سبب تراجع الدول العربية الكبرى في ترتيب قائمة السلام العالمي عن العديد من الدول الصغرى الأقل تعقيدا من الناحية السياسية والديمجرافية· كما أن انعدام وجود نظام أمني عربي مشترك في ظل تفاقم حالة التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي ساهم في ارتفاع معدلات الإنفاق العسكري لتعزيز السياسات الدفاعية، الأمر الذي أضعف مكانة العديد من الدول العربية الكبرى في الدليل· فلقد تباينت مواقع هذه الدول في قائمة السلام العالمي فكان ترتيب الأردن 63 ومصر 73 وسوريا 77 واليمن ·95 ويعزو انخفاض ترتيبها أيضا إلى تقارير دولية عديدة تشير إلى ضعف مستويات الشفافية والديمقراطية وانخفاض معدلات التعليم وزيادة معدلات المواليد وانخفاض دخل الفرد وارتفاع معدلات البطالة قياسا بتعداد السكان· قد يبدو غريبا لكثير من المراقبين أن دولا عربية حديثة العهد بالديمقراطية صنفت أكثر أمنا واستقرارا من ديمقراطيات عربية عريقة، إلا أن دليل السلام العالمي لم يخلُ من المفارقات الغريبة، ومنها أن تتجاوز هذه الديموقراطيات الحديثة كلا من الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في الدليل اللتين تشغلان على التوالي المرتبتين 95 و96 رغم التقارير الدولية العديدة التي تشيد بملف الأمن والاستقرار وحقوق الإنسان في الأولى وتشهر بكل ذلك في الثانية· ولا شك أن التوسع العسكري وزيادة معدل الإنفاق فيه أضرا بترتيب الولايات المتحدة· تضفي هذه المفارقات مزيدا من المصداقية على الدراسة لالتزامها بالمبادئ العلمية والإنسانية بلا انحياز، ولذلك حازت على ثقة العديد من الهيئات الأكاديمية ومراكز البحث العلمية المرموقة، كونها استندت على تقارير نشرت في الفترة ما بين 2004 و،2006 بنيت على معلومات من مصادر موثوق فيها، من بينها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والبنك الدولي ومكاتب الأمم المتحدة ومعاهد السلام العالمية ومئات الجمعيات الأهلية والهيئات المدنية والمراكز المحلية، الراصدة للممارسات الفعلية داخل الدول، وليست الشعارات التي تروج له الحكومات· كما أن كل الخبراء والباحثين العاكفين على هذه الدراسة هم من ذوي الثقل العلمي، المتمتعين بقدر وافر من النزاهة والحيادية والمهنية التي تكفيهم الانزلاق في رؤى سياسية سطحية على حساب الاعتبارات الدولية والمعايير الإنسانية التي وضعوها للدراسة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©