الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنسان الحرام...

الإنسان الحرام...
25 ديسمبر 2013 19:24
لا يحمل كتاب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي “الإنسان الحرام: قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” أي إشارة إلى صفته هذه، بل تم التعريف به على الغلاف الخلفي كـ”طبيب وكاتب سياسي” دون الإشارة إلى صفته كرئيس للجمهورية التونسية، وتحت صورة المؤلف في الغلاف الخلفي نشرت قصيدة لمحمود درويش. وإذا كان العنوان على غلاف الكتاب هو “الإنسان الحرام” فإن العنوان داخل الكتاب هو:”الإنسان الحرام: قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. طبعة مزيدة ومنقحة، وقد كتبت مقدمة الكتاب د. فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان، وأكدت فيها أنّ هذا الكتاب يقدّم قراءة نقدية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذه القراءة النقدية التي يقدمها منصف المرزوقي في تفكيك نص بهذا الوزن تؤدي لنزع صفة “القداسة “عنه التي يحب البعض إيلاءها له. كذلك، عمل الكاتب على الإطاحة بعباءة النص الغربية، التي جعلته مشبوهاً عند قرائه العرب، فقد كان الوضع العالمي بين نهاية الحرب العالمية الثانية و1948، سنة خروج الإعلان العالمي للعالم، محملاً بشحنات كبيرة لمناهضة الفاشية والدكتاتورية، ولم يكن يوازيها شيء مشابه في مناهضة الاستعمار، حيث إن البلدان المنتصرة هي المستعمرة (بكسر الميم). لذا نجد غياباً للحقوق الجماعية في نص الإعلان، بالإضافة لعدم التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها لم تكن بعد قد أخذت حجمها في البلدان المستقلة حديثاً وبلدان معسكر وارسو (سابقاً). أسئلة في كتابه، أجاب المؤلف عن أسئلة كثيرة.. أهمها: ما تاريخ نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أي ظروف تبلور، ومن أي المنابع شرب، ما الجداول التي شكّلته، كيف كان قبل أن يصلنا؟ ما موقعه من بقية النصوص الشبيهة لعصره؟ هل هو في تناسق معها أم في قطيعة.. هل هو إضافة لها أم تقليد؟ من هو كاتبه، ماذا نعلم عنه؟ وتنطلق قراءة المؤلف من العنوان إلى شرح المصطلحات ليبين أن الإعلان لا يتجاوز أربع صفحات تحتوي بالضبط على 1365 كلمة. ويروي الكاتب المنصف المرزوقي تفاصيل لقاء جمعه بجون هامفري بصفته شاهد عيان على إعداد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحد المحررين له ومؤلف كتاب عنه، يقول المرزوقي: “يستقبلني Jhon Humphrey باسماً ومرحباً في بيته بمدينة “أوتاوا”. أفاجأ بأن الشيخ المهيب مقطوع الذراع الأيمن نتيجة حادث تعرض له في طفولته! يجيب الرجل اللطيف بهدوء ممزوج بشيء من السخرية على كل أسئلتي ثم يبادرني: بما أنّك قرأت كتابي بمثل هذه الدقّة، فما الّذي تريد معرفته بالضبط؟ يوحي الرجل من خلال كتابه أنه جندي خفاء مهضوم الحق، وأن شخصاً آخر سرق منه جهد عمره”. إن فكرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انطلقت من لجنة قوامها ثلاثة أشخاص، هم: أليانور روزفلت، روني كاسان، وشارل مالك. وادعى البعض أن الفرنسي كاسان هو كاتب النص، ولأجل ذلك نال جائزة نوبل للسلام إلا أن جون هامفري أكد في جوابه عن سؤال للمؤلف أنه استمدّ هيكلية النصّ من التوراة، وأنه ليس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أب كما هو الحال بالنسبة لإعلان استقلال الولايات المتحدة الذي كتبه جفرسون. إنّه ثمرة أعمال عدد لا يحصى من الأشخاص، ومن اللجان، ومن الهيئات المختصة في الوزارات الوطنية، و من المنظمات غير الحكوميّة. ويتبين من شهادة هامفري التي أوردها المؤلف أن صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تطلبت 80 حصة ودراسة 186 مقترحاً، وحصل قبل ذلك نقاش معمّق ساهم فيه تسعة وخمسون وفداً، تلاه نقاش آخر مطول حول الإجراءات قبل الشروع في كتابة الصيغة النهائية للإعلان. ومن المعلومات الواردة في شهادة هامفري أن شارل مالك المشارك العربي الوحيد في صياغة النص كان صعب المراس سريع الغضب، دوغمائياً، متحجراً، ذهب في دفاعه عن الحرية الفردية المطلقة إلى حد القول إنه لا يجوز التنصيص على منع العبودية لأن في هذا تعدياً على حق من يريد أن يكون عبداً. ويتخلّل تحليل منصف المرزوقي لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تأملات الكاتب وآرائه. في الوضع في تونس في عهدي الرئيسين بورقيبة وبن علي، كما يورد موقفه الرافض لعقوبة الإعدام وشهادات عن تنفيذ حكم الإعدام في تونس ودول عربية أخرى واستشهد المؤلف في احد فصول كتابه بميكافيللي صاحب كتاب “الأمير”، والذي يقول: “هناك شيء واحد يمكن أن نقوله عن كل البشر. هم لا يعترفون بالجميل، هم متغيرون، منافقون، جبناء، طماعون.. هم معك طالما أحسنت إليهم. يفدونك بدمهم ورزقهم وحياتهم وأطفالهم إذا كان الخطر بعيدا، لكنك لا تجد أحداً منهم في وقت الشدّة”. اجتماع في نيروبي تضمن الكتاب انطباعات المؤلف عن حضوره بنيروبي - بصفته حقوقياً وناشطاً في المجتمع المدني - اجتماعاً نظمه مكتب الأمم المتحدة لإعداد مسودة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. لقد تمّت القراءة الآسيوية والأوروبية في ورشات عمل موازية ولم تبقَ إلا الاستشارة الأفريقية، وبعدها ستتم صياغة الوثيقة النهائية في اللجنة الدولية المختصة لتعرض للمصادقة على الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن بين بنود الاتفاقية: “تتعهّد الدول الموقعة على هذه المعاهدة بضمان حقّ كلّ طفل قادر على تكوين رأيه الخاص والتعبير الحر”، أما الفصل السابع مكرر فهو: “للطفل حق التعبير، ويتضمن هذا الحقّ حرية البحث وتلقي المعلومات والأفكار من كل نوع”. ويروي المرزوقي أن مشاركاً صرخ أثناء مناقشة الاتفاقية كأنه في محفل خطابي لمعركة انتخابية: “أي طفل قادر على تكوين آرائه الخاصّة؟ إن الطفل الأفريقي مطالب بالإنصات إلى الكبار، مطالب باحترامهم. ليست له أفكار خاصة به. ثم هل للطّفل الأفريقي الحقّ في تلقّي المعلومات الجنسية؟ هل هذه مصلحته؟ هل نبيح له البحث عن الأفلام الخليعة ومشاهدتها بحجّة حقه في حرية الرأي؟ لا يا إخواني يجب رفض هذا البند جملة وتفصيلاً. أليس هذا البند إخوتي أخواتي التعبير الصارخ عن المركزية الغربية؟ لا يمكننا نحن الأفارقة أن تقبل هذا التعدّي على ثقافتنا”. وحول طاولة الغداء قالت ممثلة دولة زائير والغضب يكسو ملامحها مخاطبة المؤلف: ـ بربّك هل لاحظت: أعطونا ستين دولاراً فقط بدلاً يومياً. أيعقل هذا؟ يجب ألا نرضى بأقل من مائة. وبعد انتهاء الجلسة المسائية دوّن الكاتب الملاحظات الآتية: “ينهض السادة والسيدات المشاركون بتكاسل من كراسيهم في اتجاه البوفيه الضخم شأنهم في هذا شأن السوّاح القادمين لرحلات “السافاري”. يختارون ما يروق لهم من أنواع السلطة واللحوم والأسماك وجراد البحر والفواكه والمرطبات يعودون بها إلى طاولاتهم الناصعة البياض، مواصلين أحاديثهم المرحة، والخمرة المعتقة أو الجعة المثلجة تملأ الكؤوس ولما ينتهي الذهاب والإياب من وإلى البوفيه، تشعل السجائر الأميركية الصفراء الطويلة. تتكدس على الطاولة أصناف الأسماك وقطع اللحم المتناثرة وما بقي من مختلف المرطبات وبعضها لم يمس”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©