الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القطب الشمالي: تنافس دولي وتأخر أميركي!

القطب الشمالي: تنافس دولي وتأخر أميركي!
25 ديسمبر 2011 21:07
في أبريل الماضي، وقّع أوباما على مخطط قيادة جديد يمنح "قيادة الدفاع الفضائي لأميركا الشمالية" و"القيادة الشمالية الأميركية" مسؤوليةً أكبر في حماية القطب الشمالي والأراضي القطبية الأميركية. غير أن المنطقة القطبية -التي تغطي أكثر من 30 مليون كيلومتر مربع وتمتد حول الحدود الترابية لكندا والدانمارك (من خلال جرينلاند) والنرويج وروسيا والولايات المتحدة (عن طريق الخط الساحلي لألاسكا)- أخذت تتحول أمام أعيننا، ليس فقط لأن الجليد بدأ يذوب، بل لأنها أخذت تتحول تدريجياً إلى موقع للاستعراض العسكري، والولايات المتحدة لا تواكب بقية العالم. ففي 2009، قامت النرويج بنقل قيادة عملياتها إلى الأراضي الشمالية فوق الدائرة القطبية، بينما تعتزم روسيا إنشاء كتيبة مجهزة لخوض حرب عسكرية في ظروف قطبية. وفي هذه الأثناء، جعلت الدانمارك تشكل قيادة قطبية أولوية استراتيجية لها، وتبدو كندا عاقدة العزم على إعادة إحياء أسطولها القطبي، ويشمل ذلك إنفاق 33 مليار دولار لبناء 28 سفينة خلال الثلاثين عاماً المقبلة. وحتى الصين دخلت السباق القطبي، حيث أنشأت أكبر كاسحة جليد غير نووية في العالم للقيام بأبحاث علمية في القطب الشمالي. وسجل شهر سبتمبر أدنى مستويات للجليد البحري في منطقة القطب الشمالي، إذ يعتبر غطاء الجليد القطبي حالياً أصغر بـ40 في المئة مما كان عليه عام 1979. وفي صيف 2007 فقط، ذاب مليون ميل مربع إضافية من الجليد فوق المعدل المتوسط، مما عرى منطقة من المياه المفتوحة يعادل حجمها ولاية كاليفورنيا ست مرات. وكلما انحسر الغطاء الجليدي القطبي بسرعة، ازدادت الفرص التجارية في القطب الشمالي الغني بالموارد. ويذكر هنا أن القطب الشمالي محكوم باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مما يسمح لدولة ساحلية بأن تكون لديها سيطرة اقتصادية حصرية بطول 200 ميل من سواحلها، ويمكن تمديدها إلى 600 ميل إضافية. في القرن الحادي والعشرين، تخوض الشركات والبلدان الكبيرة تنافساً محموماً في القطب الشمالي لبلوغ واستغلال النفط والغاز القطبيين إضافة إلى خام الحديد والنيكل والنحاس والبلاديوم ومعادن ثمينة أخرى. وتقدر "إدارة المعلومات الطاقية" أن القطب الشمالي يحتوي على 13 في المئة من الموارد النفطية غير المكتشفة في العالم و30 في المئة من موارده الغازية. هذا مع العلم بأنه مع ذوبان الجليد، فإن نقل البضائع يمكن أن يزداد من 111 ألف طن في 2010 إلى أكثر من مليون طن في 2012، حسب التقديرات الروسية. ثم إنه ليس سباقاً على الموارد الطبيعية فحسب، وذلك أن السفن السياحية تقوم بنقل "السياح البيئيين" من أجل رؤية القطب الشمالي، ومناظره الطبيعية الخلابة، والأنواع المهددة بالانقراض مثل حيتان بيلوجا والدببة القطبية مقابل 24 ألف دولار للشخص الواحد. غير أن الاستراتيجيات والسياسات الأميركية حول السباق القطبي لا يمكن أن تكون بديلا لعدم التحرك في القطب الشمالي. وهنا تسجل الولايات المتحدة تأخراً كبيراً، فقوات خفر السواحل لا تتوافر على قواعد أو محطات جاهزة للعمل فوق الدائرة القطبية في ألاسكا، ما يعني أن أي عملية بحث وإنقاذ أو نشر بحري في البحر القطبي الأميركي لا تتوافر لها سوى كاسحة جليد واحدة مخصصة للمهام المتوسطة، وهي كاسحة الجليد "هيل". وتشمل القائمة الكاملة لقوات خفر السواحل على كاسحتي جليد للمهام الكبيرة، هما "بولر سي" و"بولر ستار"، غير أن كليهما غير جاهزتين للعمل. والواقع أن الكلفة الأمنية لقدرات الولايات المتحدة المحدودة في القطب الشمالي أصبحت واضحة هذا الشهر. فقد احتاج المسؤولون في مدينة نُوم، ألاسكا، إلى ناقلة نفط روسية من أجل توصيل شحنة عاجلة من الوقود عندما كانت المدينة محاصرة بالجليد البحري الذي نقلته عاصفة شتائية قوية. ومن أجل مرافقة السفينة، اضطرت السلطات لتعليق مشاركة كاسحة الجليد "هيل" في إحدى المهمات العلمية، حيث من المرتقب أن تقوم بفتح قناة جليدية لمرور ناقلة النفط ودخولها ميناء المدينة ثم تسهيل عودتها إلى المياه المفتوحة. وفي الصيف الماضي، قررت السويد استدعاء كاسحة جليد كانت قد أجرتها للحكومة الأميركية، ما يترك الولايات المتحدة غير قادرة على الوصول إلى محطتها العلمية في المنطقة القطبية الأخرى (القارة القطبية الجنوبية) وإعادة تموينها. وفي هذا الإطار، قال حاكم ألاسكا مؤخراً "إذا لم يتم القيام بأي شيء، فإن أميركا ستعرض أمنها القومي للخطر، وسنضيع الفرص التي يقدمها القطب الشمالي في وقت تحقق فيه الدول الأخرى تقدماً هناك". والواقع أن حاكم ألاسكا لا يبالغ في إظهار الخطر. فقبل خمس سنوات، قامت روسيا بإطلاق صواريخ كروز فوق القطب الشمالي في إطار مناورات عسكرية صيفية، واستأنفت دوريات بحرية سطحية في المياه القطبية الشمالية في 2008، وعززت القوات النووية الاستراتيجية في الشمال، وهي اليوم بصدد بناء ثماني غواصات صواريخ باليستية من المرتقب أن تنتهي أشغال بنائها بحلول 2015. والعام الماضي، نفذت اثنتان من قاذفات القنابل الاستراتيجية مهمةً دورية روتينية فوق المحيطين القطبي والأطلسي، يعقبهما عدد ضخم من مقاتلات الناتو، وكانت تلك المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يصدر فيها مثل هذا الرد القوي عن قبل الناتو. إن القطب الشمالي في القرن الحادي والعشرين يتطلب تنسيقاً كبيراً بين الدول الساحلية القطبية، ودول أخرى على مقربة من القطب الشمالي مثل السويد وآيسلندا وفنلندا، والسكان المحليين للمناطق القطبية. ولهذا السبب، أنشأت هذه البلدان "المجلس القطبي" عام 1996 لتعزيز التعاون الدولي حول الحماية البيئية والتنمية المستدامة. غير أن تفويض المجلس يمنعه من مناقشة المسائل العسكرية أو الأمنية. ولئن كان أربع من أصل خمس دول ساحلية هي أعضاء في الناتو، فإن تلك آخر منظمة ترغب روسيا في رؤيتها تقوم بتحسين وجودها في القطب الشمالي. غير أنه كلما كانت هناك مقاربة ارتجالية للأمن القطبي، كلما ازداد خطر حدوث سوء فهم، أو سوء تواصل، أو حوادث في هذه المنطقة الجليدية المظلمة والصعبة من العالم. هيذر كونلي مديرة برنامج أوروبا في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقاً ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©