السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

اللغة العربية وقضايا العصر-2

27 يونيو 2007 01:04
تبقى النقطة التي أريد أن أؤكدها أيضا، في قضية اللغة العربية والعصر، وهي توازي الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام وتتداخل معه، وأعني به ضرورة الحرص على السلامة اللغوية في خطاب الإعلام، وفي خطاب القيادات السياسية والفكرية والثقافية· والغريب أن أغلب المسؤولين السياسيين والزعماء لا يحرصون على سلامة اللغة التي ينطقونها، بل هي لغة محطَّمة مكسَّرة لا تعرف السلامة ولا الفصاحة بحال من الأحوال· أذكر جيدا أن الأستاذ طاهر أبو زيد - مد الله في عمره - دعاني مع الأستاذ فهمي عمر إلى أن نحضر في مجلس الشعب جلسة خاصة لمناقشة موضوع اللغة العربية، وبعد أن ألحَّ علينا ذهبنا إلى هذه الجلسة، وأخذ النواب يتحدثون عن أهمية اللغة العربية، وعن ضرورة الارتقاء بها، وعن ضرورة الحفاظ عليها· ولم يكن في ذهني، وأنا أستمع إلى ما قيل من أحاديث وما قيل من خطب، سوى أن أُحصي الأخطاء اللغوية في النطق وفي التراكيب وفي النحو لهؤلاء الذين يمثلون الشعب، والذين يدافعون عن لغته وهم لا يعرفون هذه اللغة وعلاقتهم بها أشبه بعلاقتي باللغة الهيروغليفية مثلا أو بما لا أعرفه من لغات العالم· هذا أمر بالغ الأهمية، لأن الإعلام يمثل نموذجا قابلا للاحتذاء، سواء بالمعنى اللغوي أو بالمعني المعنوي· فالشابات والشبان يقلدون الأزياء التي يرونها في أجهزة الإعلام، بالطبع دون أن يدركوا طبيعة اللغة التي يستخدمها من يتحدث في الإعلام· هناك بالطبع برامج تعليمية وتثقيفية للمذيعين والمذيعات، لكن هذه البرامج فيما يبدو لا تستطيع أن تُحدِث تأثيرا كبيرا، فنرى إلى الآن مساوئ النطق، بالإضافة إلى ما يمكن أن أسمّيه نوعًا من التخنيث - إذا جاز استخدام هذه الكلمة - أو الدلال في استخدام اللغة العربية عند المذيعات اللائي لا يُحسنّ النطق، ويتخيلن أن الخطأ في النطق هو نوع من الرقة أو الدلال الذي ينبغي أن يحرصن عليه· أعتقد أننا لو حرصنا على مثل هذه الوسائل لسرنا في الطريق السليم لإصلاح أوضاع اللغة العربية· وبالتأكيد لا يمكن أن نمضي في هذا الطريق بواسطة مؤسسة واحدة أو وزارة واحدة، لأن النهوض باللغة العربية في نهاية الأمر مسألة ثقافية، ولا يمكن أن نُصلح أي معضلة ثقافية إلا بتضافر الجهود والوزارات المعنية· لا أعني وزارة التربية والتعليم فقط، رغم جسامة دورها، وإنما أعني وزارة التعليم العالي ووزارة الأوقاف والإعلام والوزارات الأخري، التي لابد أن تتضافر للارتقاء باللغة العربية· ففي وزارة الأوقاف مثلا ينبغي الارتقاء بلغة وعّاظ المساجد الذين يؤثرون في أحيان كثيرة الحديث باللغة العامية لكي يقتربوا من الجماهير أكثر وأكثر في ظنهم· وفي الإعلام تضيع اللغة العربية، كما تضيع في أماكن أخري ووزارات أخري· وهذا يعني أنه لا فائدة من الحفاظ علي اللغة العربية في مستوياتها الراقية، والمضي في تطويرها دون تضافر وتعاون كل الوزارات والمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي والمعنية باللغة علي السواء· أذكر، مثلا، أن هناك مظاهرات قام بها طلبة الأزهر، وكانت هذه المظاهرات احتجاجا على نشر رواية ''وليمة لأعشاب البحر'' التي نشرتها وزارة الثقافة واتُّهِمت بأنها تُشجع على الكفر والإلحاد· وقد دافعت وزارة الثقافة عن نفسها في ذلك الوقت وأوضحت حقيقة الأمر، لكن ما كان يشغلني أكثر ويلفت اهتمامي هو اللغة التي كُتِبت بها البيانات التي وزعها الطلاب· لأنها كانت بالغة الركاكة والغرابة، ولا يليق بطلاب الجامعة الأزهرية الذين ينبغي أن يُحسنوا من شؤون الدين وعلومه ما يحسنونه من علوم اللغة وأصولها· إن انهيار التعليم اللغوي في الأزهر علامة بالغة الأهمية علي انهيار اللغة وتعليمها، ومؤشر قوي على ضرورة أن نرتقي، وأن نبدأ فورا في إصلاح أوضاع اللغة العربية عند تحديث برامجها· وهنا أختم بملاحظتين: أولاهما أن هناك مسافة موجودة باستمرار بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، وهذا أمر شائع وموجود في كل لغات العالم، وهو الازدواج اللغوي الذي نسميه عندنا الثنائية اللغوية التي تتعارض فيها الفصحي مع العامية، أقصد إلى العامية من حيث هي لغة منطوقة يتحدثها الناس في الشوارع، والفصحى من حيث هي لغة مكتوبة· هذا الازدواج موجود في كل لغات العالم، الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وغير ذلك من اللغات، وليست المسافة بين طرفي الازدواج بالغة الاتساع على نحو ما هي موجودة في اللغة العربية، حيث يزداد اتساعا عاما بعد عام ويوما بعد يوم، ولا نستطيع أن نواجهه· والقضاء عليه - بالمناسبة - فكرة غير عملية ولن تتحقق، لأنه ظاهرة لغوية موجودة في كل لغات العالم، وينبغي بقدر ما نستطيع أن نقلل من هوة المسافة المتسعة بين طرفي الثنائية وأن نُقرِّب ما بين اللغة العامية واللغة الفصحي، اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة· هناك محاولات - بالمناسبة - لبعض الأدباء، محاولة توفيق الحكيم مثلا في تأسيس ما يسميه باللغة الثالثة، ومحاولة يوسف إدريس مثلاً في الكتابة بلغة تبدو عامية لكنها عندما تُشكّل تتحول إلى فصحى وتصبح لغة فصحى على مستوى النطق· هذه الهوة أو هذه الازدواجية ينبغي أن نعالجها بما يقضي على الاتساع المستمر والمتزايد للمسافة بين الطرفين· فإذا استطعنا ذلك، أظن أننا نستطيع أن نواجه أمرا آخر وهو تأكيد حضور اللغة العربية الذي لا يزال ناقصا والذي ينبغي أن نواجهه بحدة وجسارة وعلى نحو جذري خصوصا في عصر العولمة التي تفرض لغة الدولة القوية والسائدة · ولذلك، فلا غرابة أن تكون اللغ الإنجليزي هي اللغة لمسيطرة حتى في الأقطار التي كانت تعتز تقليديا بلغتها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©