الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوجة رجل آخر

زوجة رجل آخر
26 ديسمبر 2013 21:17
يقولون: إنني جميلة الملامح ورقيقة الحس، وأعتقد أنني كذلك، في الخامسة والعشرين من عمري، تعتبرني صديقاتي نموذجا لأناقة وحسن الهندام والمظهر، محظوظة دائما لأنني أجد كل ما أريد وكل ما أطلبه يكون بين يدي، أبي ثري عمل واجتهد وسافر وجمع ثروة كبيرة، وليس لي سوى أخ وحيد يعمل طبيبا ولم يتزوج بعد رغم أنه يكبرني بعامين بسبب انشغاله في عمله وطموحاته الكبيرة في مهنته، وأنا محاسبة في شركة كبرى معروفة، أمي كانت تشغل وظيفة مرموقة ولكنها حصلت على إجازة من دون مرتب لتتفرغ لأسرتها، وقد تولت تربيتنا أثناء غياب أبي وفي حضوره، فلكل منهما دور يؤديه على أكمل وجه وهذا لا يعني أن أبي ترك لها هذه المهمة كلها، حياتنا مستقرة وأسرتنا مترابطة متحابة ونعيش في رخاء. لقاء لا ينسى لي مجموعة كبيرة من الصديقات نلتقي باستمرار في النادي الكبير الذي نشترك فيه، بجانب زميلات الدراسة وصديقات العمل، هذا هو المتنفس الوحيد لي وكثيراً ما تكون أمي معي وتصاحبني في معظم الأماكن التي أتوجه إليها، لكن هذه المرة كنت مع عدد من الصديقات وجاء واحد من الشباب أعضاء النادي، يشع حيوية ونشاطا، يبدو الأمل في عينيه، ملابسه تدل على أنه من عائلة ثرية، كان اللقاء جماعيا تحدثنا في أي شيء وفي كل شيء من رياضة وسياسة وفن واقتصاد وقضايا اجتماعية وأسرية وأحوال المجتمع، ولاحظت اهتمامه الخاص بي منذ جلوسه، فكان يحرص على التوجه نحوي بالتساؤلات أو عندما يبدي رأيه يحاول أن يعرف إن كنت أوافقه أم لا، فزاد ذلك من اهتمامي به. كنت أتمنى ألا ينتهي هذا اللقاء الذي كان بالفعل ممتعا بالنسبة لي حتى لو تظاهرت حينها بأن الأمور تسير بشكل طبيعي وأنني لم أبد أي اهتمام ظاهر به يلفت النظر، وعندما عدت إلى البيت فكرت فيه ووجدته يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام، وأتذكر وأستعيد كل ما حدث بيننا اليوم، دخلت إلى غرفتي لأكون وحدي وأطلق لخيالي العنان وكي لا يلاحظ أحد من أسرتي حالة الشرود التي كانت تسيطر عليّ، وبخلاف ذلك وعلى غير العادة أجريت اتصالات بكل صديقاتي اللاتي حضرن اللقاء ولم يكن لي هدف إلا أن يحدثنني عنه، أصبحت شغوفة بمعرفة المزيد عنه وعن شخصيته وظروفه كلها، ولكن لم أصل إلى أي نتيجة تذكر ولم تتفوه أي واحدة منهن ولو بكلمة واحدة عنه، وباءت محاولتي بالفشل، وعدت إلى التفكير فيه وحدي وقد كنت أتمنى أن يحدثني عنه أي شخص. طلب الزيارة رغم أنني لا أذهب إلى النادي إلا مرة كل أسبوع على الأكثر، ذهبت هذا الأسبوع ثلاث مرات ولساعات طويلة كي أراه لكنه لم يأت، إلا في المرة الرابعة التي كانت في نهاية الأسبوع، رفرف قلبي واضطربت ضرباته، وكادت تفضحني وكادت عيناي تكشفان أمري كله، ولكن مع ذلك تجاهلت وجوده وأنا أتمنى أن يأتي نحوي مهرولاً بأقصى سرعة، وحتى عندما فعل تظاهرت بأنني نسيته ولا أتذكره، كلامه يأسرني واهتمامه يذهب بعقلي، ما يحدث لي الآن لم يحدث في أيام المراهقة، فلم يسبق أن حدث لي هذا الضعف أمام أي رجل مهما كان، ومع ذلك فقد نجحت في السيطرة على كل تصرفاتي وتحكمت في انفعالاتي، وكان اللقاء الثاني وتحدثنا أيضا وتبادلنا الآراء واكتشفت المزيد من مميزات شخصيته، وزاد إعجابي به سرا حيث يمنعني حياء الأنثى من البوح أو الاعتراف بذلك ولو ضمنا. قبل أن ينتهي اللقاء كان يحدد موعدا للقاء التالي هنا بعد يومين، ومع أنني لا أريده أن يرحل وأن يكون اللقاء غدا تعللت بالانشغال، وترك الأمر للظروف فأعرب عن أمنيته بأن تكون الظروف خيراً ومواتية، جئت في الموعد متأخرة عن عمد حتى لا يشعر باهتمامي به وليكون هو صاحب المبادرة نحوي، وبالفعل نجحت خطتي كما توقعت وأردت، فحدثني عن نفسه قال إنه رجل أعمال يمارس تجارة محدودة بمساعدة أبيه الذي هو الآخر رجل أعمال، هذه المرة حدثني عن نفسه كثيرا، وأنه يحب السفر والرحلات، ومع أن ملامحه جادة لكنه مرح وجذاب، وجاءت اللحظة والكلمات التي كنت أنتظرها على أحر من الجمر لكن مدخله كان طويلا ومبالغا فيه وفهمت من ذلك أنه يخشى أن يفاجئني بما يريد، تحدث عن جمالي وأبدى إعجابه بشخصيتي صراحة ومدح كل شيء فيّ من ملابسي إلى حجابي الأنيق وحتى حذائي وحقيبة يدي نالهما نصيب من الإطراء وكلمات الغزل، وأخيراً قال: إنه يريد أن يزورنا في البيت، فسألته وأنا أدعي الغباء أو عدم فهم مقصده، فقال لا تفهميني خطأ فأنا أريد أن ألتقي الأسرة وأتعرف على كل أفرادها لأطلب يدك. ادعيت أيضاً أنه فاجأني بطلبه ولا بد من المزيد من الوقت والتعارف بيننا، فقال: إنه لا يطيق صبرا ويتعجل الثواني على هذه الخطوة ولي أن أسأل عما أعرف عنه وسأجد الإجابة حاضرة، لكنني لم أوجه له أي سؤال. وعدت إلى البيت لأخبر أمي بكافة التفاصيل وبدورها أخبرت أبي وأخي وجاء إلى بيتنا، ونال من البداية الموافقة منهما، ولكن أمي على عكس ما كنت أتوقع كانت حائرة في إبداء رأيها فقد أبدت تخوفها من شخصيته، لم تذكر فيه عيبا واحدا، لكنها فقط تسير وراء إحساس خفي بأنها غير مرتاحة له، ولأنها لم تذكر أسباباً واضحة للرفض فقد لاذت بعد ذلك بالصمت وتمت الموافقة على الخطبة، وهي راضية مع مخاوف كثيرة وتتمنى ألا تتم ودفعتني إلى ذلك، واعتبرت هذا نوعا من حبها لي وأنها لا تريد أن تفقدني أو أفارقها، تعارفت الأسرتان وتم إعلان الخطبة رسمياً في حفل محدود وكان في مكان فاخر جدا وتم تأجيل الاحتفال الكبير إلى الزفاف. في النادي كان الوضع مختلفا فلم أجد بين من يعرفوننا من شباب وشابات أي شخص يوافق على هذا الارتباط، والطبيعي أن رأيهم هنا ليس مطلوباً، فهذا أمر يخصني ويخص خطيبي وأسرتينا، ووجدت عاصفة من الرفض والنقد لخطيبي، الفتيات يهمسن في أذني بالنصيحة للابتعاد والتحذير من هذا الرجل، لكن بلا إبداء مبرر واضح أو سبب يمكن الاستناد عليه، فكان كلامهن مجردا لا يمكنني أن أتبعه، وللأمانة في العرض فقد اعتبرت ذلك كله نوعا من الغيرة، فمعظم هؤلاء مثلي في العمر أو يكبرنني وقليلات منهن يصغرنني، واعرف حقد البنات في ذلك، فالفتاة لا تريد أن تتزوج أختها قبلها وإن كانت أكبر منها، فما بالك بهؤلاء وقد جاء خطيبي من معارفهن واختارني وفضلني عليهن. تطور الأمر أكثر وانهالت النصائح من صديقات النادي، وتحول الأمر إلى تشويه لصورة خطيبي بلا دليل واضح أو الحديث عن عيب ظاهر، وقالت أكثر من واحدة منهن أنهن رفضنه من قبل، ولم يكن هذه كله يزيدني إلا ارتباطا به، وأنا أراه يحسن معاملتي ويفعل المستحيل من أجل إرضائي وسعادتي ويستجيب لكل مطالبي، يغدق عليّ بالهدايا الثمينة ويدعوني على الغداء في أفخم المطاعم، وعندما بدأنا تجهيز وإعداد عش الزوجية رفضت الشقة التي كان يقيم فيها مع أنها جديدة وقررت أن يشتري شقة أخرى اخترتها في نفس المنطقة التي تقيم فيها أسرتي لأكون قريبة منهم، ولم يمانع أو يناقش وخلال أسابيع معدودة كان عقد الشقة بين يدي وجاء بشركة متخصصة في الديكور لتتولى التأثيث من الألف إلى الياء، وعشت في هذه الفترة أجمل أيام عمري على الإطلاق مع أنني لم اكن من قبل أعاني أي مشكلة أو أشعر بنقص في أي شيء في حياتي وعشت طفولة سعيدة وشباباً مستقراً. الحلم الجميل مصدر السعادة هو الحلم الجميل بالفستان الأبيض وهو حلم كل واحدة، وما بالكم وأنا أرى أحلامي كلها تتحقق بأكثر مما أريد مع رجل تتمناه كل فتاة؟ ورغم مميزاتي الواضحة والتي يشهد بها القاصي والداني فإنني أرى أنني محظوظة، وقد تم الزفاف في حفل أسطوري بمعنى الكلمة، كنت اشعر خلاله بأنني عصفورة أكاد أطير في الجو، وانتقلت إلى عش الزوجية الذي لم يكن أبدا سعيدا ولا هادئا، كانت الصدمة أكبر مني فأول ما وقعت عليه عيناي هو كؤوس وزجاجات غريبة لم أرها في حياتي كلها من قبل إلا في أفلام السينما وفهمت أنها خمور فبادرت بسؤاله فقال إنها مشروبات روحية، واستنكرت انه يشرب الخمر فقال: إنها لزوم الاحتفال بالعرس ليس إلا، وصدقته حتى الصباح الذي وجدته فيه يتعاطى المخدرات وهو غير قادر على فتح عينيه، عصبي المزاج على خلاف ما اعتدته فيه خلال الفترة الماضية، فاستنكرت أيضاً وحاولت منعه ففوجئت به ينهرني بشده. وجدتني زوجة لرجل آخر غير الذي عرفته مختلف تماما، فكانت المشاكل والخلافات قد سبقت إلى منزلنا قبل أن ندخله، وددت من أول يوم أن أتركه ولكن فقط خشيت كلام الناس ومن الطبيعي أنهم سيكيلون لي الاتهامات وأولها الخوض في الأعراض بلا دليل بجانب الشماتة لأنهم حذروني منه، وخاصة أمي وصديقات النادي، وحاولت أن أناقشه من البداية فوعدني بالتوقف عن هذا كله، وما أن مضت ساعات معدودة حتى وجدته يعاود الكرة فغضبت وثرت ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أعنفه وأتهمه بالغش والخداع، فما كان منه إلا انه ألقى بجبل من الصخر على رأسي ليس فقط وهو يعترف بأنه يدمن المخدرات وإنما أيضا يتاجر فيها وأنه لم يكن رجل أعمال ولا يحزنون. كانت هذه هي كلمة النهاية التي كتبها مبكرا لحياتنا الزوجية، وفي اليوم الثاني عدت لبيت أبي أطلب الطلاق وكلنا نلوم أنفسنا على أننا صدقنا الكلمة المطاطة بأنه «رجل أعمال» ولم نكلف أنفسنا بالسؤال عنه ولا عن الأعمال التي يقوم بها، خدعنا بمظهره وبأمواله وشقينا بحسن الظن، ها أنا أدفع الثمن ولا أذكر ذلك من أجل الشكوى، ولكن من أجل تحذير كل الفتيات والآباء والأمهات من الوقوع فيما وقعنا فيه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©