الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وقفة تأمل بين عام يرحل وآخر يأتي

وقفة تأمل بين عام يرحل وآخر يأتي
26 ديسمبر 2013 21:19
نعيش في هذه الأيام نهاية عام ميلاديّ، وهكذا ينقضي عام من أعمارنا، شهدَ علينا بما فعلنا من خيرٍ أو شرٍ، ربح فيه مَنْ ربح، وخَسِر فيه من خسر، وإذا كنّا قد نسينا ما فعلناه في هذا العام من حسنات وسيئات، فإن ربِّي لا يضلّ ولا ينسى، كما في قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، «سورة الكهف، الآية 49». كما ونستعد لاستقبال عامٍ ميلادي جديد يوم الأربعاء المقبل، ومن المعلوم أننا استقبلنا عاماً هجرياً جديداً قبل شهرين، وهكذا تمرّ الشهور بعد الشهور، فعلينا أن نأخذ العبرة من مرور الأيام والشهور والأعوام. فكم من إخوةٍ كرامٍ كانوا معنا خلال هذا العام، أين هم الآن؟! لقد رحلوا عن الدنيا، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، «سورة الرحمن الآيتان 26 - 27»، فأعمار الأمة الإسلامية كما قال - عليه الصلاة والسلام-: بين الستين والسبعين، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلَّهم مَنْ يجوزُ ذلك»، (أخرجه الترمذي)، كما وبين - عليه الصلاة والسلام - فضل من طال عمره وحسن عمله، كما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَنِتفُوا الشَّيْبَ فإنه نُورٌ يوم القيامة، ومَن شابَ شَيْبةً في الإسلام كُتِبَ له بها حسنة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، ورُفع له بها درجة»، (أخرجه ابن حبان)، كما ورد أن رجلاً قال: «يا رسول الله أيُّ الناس خير؟ قال: «مَنْ طَال عمره وحَسُنَ عمله»، قال: فأيُّ الناسِ شرٌ؟ قال: «من طال عُمره وَسَاءَ عمله»، (أخرجه الترمذي). إنَّ الدنيا مزرعة الآخرة، ونحن لم نُخلق إلا للعمل الصالح والعبادة الحقة، كما قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، «سورة الذاريات، الآية 56»، لذلك نرى بأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد اغتنم كلّ لحظة من حياته في طاعة الله، وعلَّم أصحابه ذلك، فما مضى قرنٌ من الزمان حتى رأينا دولاً عديدة ومساحات شاسعة من قارات العالم قد سطع عليها نور الإسلام، ودخل أهلها في دين الله أفواجاً بفضل الله أولاً، ثم بجهدهم وعملهم وإخلاصهم. ومن الجدير بالذكر أنَّ عمر الإنسان قصير، وأنَّ حياته أثمن من أن تضيع فيما لا ينفع، وأنَّ الواجبات أكثر من الأوقات، فأعمار الأمة الإسلامية ما بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز، فعلينا أن نعمر أوقات حياتنا بالباقيات الصالحات من الأقوال والأفعال، فتعاقب الزمن يفرض علينا الحرص على الوقت، وأن يأخذ الإنسان من دنياه لآخرته، ومن حياته قبل موته، فظروف المستقبل ليست ملكاً لأحد، وأمرها إلى الله تعالى، لذا ينبغي اغتنام الفرصة التي بين أيدينا، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «اغتنم خمساً قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، (أخرجه الحاكم في المستدرك). إنَّ الأمم تستغل وقتها أحسن الاستغلال في الخير وفي المخترعات العلمية، التي تعود بالخير على أبناء البشرية، وفي سبيل النهوض بحياة الأمم والشعوب. إنَّ الفرد مطالب باستغلال الوقت في طاعة الله، فالصلوات موزعة على خمسة أوقات، والصوم والحج والزكاة مقسمة على أشهر السنة، ونحن مسؤولون عن أعمارنا فلماذا نُضيعها سُدىً هكذا؟! كم من إخواننا يقضون أوقاتهم في اللهو، والمقاهي، ولعبة النرد، والغيبة والنميمة، ومشاهدة الأفلام الهابطة والمسلسلات الهدامة، أما آن لهم أن يتوبوا إلى رشدهم وأن يعودوا إلى طريق الصواب؟! إنّك إن طالبت أحدهم بالصلاة، قال: غداً أبلغ من الكبر عِتِيّا، وأتوب وأصلي، ونسي قوله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا)، «سورة لقمان، الآية 34». لذلك فإنّنا مطالبون أفراداً وجماعات، ومؤسسات، ودولاً، أن نتّقي الله في أعمارنا، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)، «سورة الأعراف، الآية 34»، كما علينا أن نعلن الصلح مع الله، وأن نكثر من أفعال الخير، وننأى بأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا عن طريق الشَّرِّ عسى أن تُدْركنا رحمة الله، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بأَنْفُسِهِمْ)، «سورة الرعد، الآية 11». ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن فتح باب الأمل والرجاء أمام المذنبين، ليتوب مسيئهم ويثوب إلى رشده شاردهم، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تعالى يبسُطُ يدهُ بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسُطُ يدهُ بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»، (أخرجه مسلم)، وعندئذ يغفر الله لهم ما اقترفوا من إثمٍ أو معصية، كما جاء في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، «سورة الزمر، الآية 53»، وكما جاء في الحديث القدسي، قال الله تعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذُنُوبُكَ عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبَالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركْ بي شيئاً لأَتَيْتُكَ بقُرابهَا مغفرةً)، «أخرجه الترمذي». ومن المعلوم أن حياة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كلّها كانت ذكراً لله سبحانه وتعالى، وطاعةً له، كما جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كنّا نعدّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة: «ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم»، (أخرجه أبو داود)، وكذلك ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: «سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»، (أخرجه البخاري). إِنَّ يَدَ الله عز وجل مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار، تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه، وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول. إذاً المعنى الحقيقي للتوبة، أن ينتقل المرء المسرف على نفسه من ظلمات الباطل والمعصية والهوى، إلى نور الإيمان وكمال الطاعة وعزّ التقوى، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا)، «سورة التحريم، الآية 8»، ومن مقتضياتها هجر الذنوب أصلاً، وتوطين النفس على عدم العودة إلى المعاصي، والشعور بالخوف من الله عز وجل، والندم على ماجنته الأيدي. ‎الدكتور يوسف جمعة سلامة ‎خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©