السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محسن سليمان يقدم تقنية سردية وصياغة فنية مختلفة

محسن سليمان يقدم تقنية سردية وصياغة فنية مختلفة
15 ديسمبر 2012
(دبي) - عندما يرغب القارئ في متابعة القاص محسن سليمان الذي يحضر بهدوء لافت في الساحة الثقافية، بالتزامن مع إبداعات كثيرة من أبناء الجيل الجديد من مبدعينا الشباب في مجال الشعر والرواية يبدو الأمر كالمسألة الحسابية، إذ يشكل مبدعونا الجدد من الذكور، غالبية منتجي الإبداع الشعري والروائي وحتى المسرحي، مقابل أصوات قليلة في مجال القصة القصيرة. فيما يغطي الحضور الإبداعي الأنثوي المساحة الأكبر من الإنتاج القصصي. إلا أن تسليط الضوء على أعمال محسن سليمان لا يقف بقارئه عند هذه المقاربات، بل يتجاوزها إلى صوت ثقافي إبداعي لديه القدرة على المحافظة على التفرد، وربما أكثر على البحث لمواصلة المشروع الذي بدأه حتى قبل سنوات من نشره لأول مجموعة قصصية. وبالتالي فإن ثمة ما يلفت الانتباه إلى تجربته، خاصة مع قرب صدور مجموعته القصصية الثانية. البدايات التقيت به - قبل سنوات- وفي لقاء خاطف، بالتزامن مع صدور باكورة أعماله القصصية، وهي مجموعة “خلف الستائر المعلقة “سنة 2004 الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع. وأثناء الحوار معه، تتبين أن “النفس” القصصي لديه هو نتاج اثنين، نضج فكري ولغوي. وكقارئ يعترف محسن سليمان بأن تجربته النوعية في القراءة، كانت من أهم روافد صياغته القصصية. كما يعترف بأنه رغم قراءاته الكثيرة والمتعددة، إلا أنه لاينسى تجارب كتاب عرب وإماراتيين في مجال القصة القصيرة والرواية. تجارب كتاب مرحلة منتصف السبعينيات والثمانينيات وحتى الستينيات ألهمته وأمدته بالوعي الفني والعام. والأكثر تأثيراً كانت إبداعات عبدالحميد أحمد ومحمد المر. ومن جيل المؤسسين للقصة العربية الحديثة استوقفه الكاتب الكبير زكريا تامر الذي تضرب تجربته الحداثية بجذورها عميقاً في أواخر الخمسينيات والستينيات. الآن، وبعد مضي ثمانية أعوام تقريباً على نشره مجموعته “خلف الستائر المعلقة” في طبعتها الأولى، يبدو محسن سليمان كمن وضع قدميه على طريق رحلة الألف ميل. تسأل عن جديده، فتعرف أنه بصدد التحضير لنشر مجموعته القصصية الثانية. وبينما يراودك الفضول، تجد بين يديك نماذج من هذا الجديد إضافة إلى بعض قديمه. القصص بعضها بالحجم الذي اعتاده قارئ القصة القصيرة وبعضها قصير جداً ومكثف، وبينها القصة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة القصة على مستوى جامعة الدول العربية في ملتقى شباب العرب بالإسكندرية سنة 2008 “جونو”، ومثلما تسمح لك هذه القصص بالتوغل في مناخاتها، يبدو الوضع مهيأ لأن تطرح حولها أسئلة، ولو كانت قليلة. «نسمة من الشمال» ويجيب محسن سليمان عن سؤال طرحته عليه حول تفسيره بشأن تسليطه الضوء على أحداث شهدها لبنان عبر مراقبته لشخصيته الرئيسية في قصته “نسمة من الشمال” الفائزة بجائزة جمعة الفيروز 2012. إن “المشهد في القصة بين شاب متأزم بسبب الازدحام، يعجب بفتاة يلتقيها بشكل يومي عند المخرج إلى الشارع العام. ويعجب بها ولا يكاد يرى سواها وهي غير مبالية، أو هي في عالمها، غير ملتفتة له وهو يجاريها بأغنيات فيروز. وبالتوازي تظهر أحداث سياسية في بيروت. ومن أزمة مرورية صغيرة تتضح أزمة سياسية كبيرة من خلال الراديو وتأثير الفتاة. تداعيات القصة بدأت محلية رومانسية وتأزمت من خلال أحداث فرضت نفسها على الفتاة وعلى مجريات القصة. أنا أصور بيروت كأنها فتاة جميلة يعجب الجميع بجمالها، وهي تريد أن تتعافى من جراحاتها المتتالية داخلياً وخارجياً (أحبها هادئة، أحبها تكسر الحاجز المتدلي أمامها، السبحة والصليب). وبين الاختلاف في تفكير الشاب والفتاة يظهر الفارق بين البيئات والمجتمعات والأهواء”. والواقع أن قصص سليمان ومنها “نسمة من الشمال” و”حلم وحقيقة” و”جنون العظمة” تحرك مشاعرك، مشيرة كذلك إلى مرحلة باتجاه الخصوصية في المزاج السردي. وهناك ما يفصلها عن سابقاتها في التجربة الأولى “خلف الستائر المعلقة”. وربما كنا أمام تقنية سردية وصياغة فنية جمالية مختلفة في طريقها إلى النضج على ـ نار هادئة- حيث على الرغم من المحافظة على مضامينها، إلا أنها تتمرد على الجماليات القصصية السابقة. فهناك لغة إيحائية ذكية، تقوم وبشكل غير مباشر، بالتعبير عما يريد أن يقوله محسن”. موضوع السرد وعن طرحه موضوعات ليست جديدة على المجتمع، لكنها تدور حول واقع يحتاج إلى المكاشفة، بينما هو يعبر عنه بلغة إيحائية؟ يقول محسن سليمان “في كثير من الأحيان تفرض على القصة أو الموضوعات المواربة. لا أدري، هكذا تأخذني بعض الأحداث إلى عدم التصريح. ولا أخفي أنها تكون الأقرب إلي، بحيث تتباعد الآراء، وتختلف التفسيرات حولها. وقد تحدث لبساً لدى المتلقي بحسب فهمه. أعتقد أن الإيحاء مطلوب دون التمادي فيه، حتى لا أسقط في بحر من الأسرار والغموض”. وهنالك أيضاً، تعدد المستوى اللغوي. والمؤلف في الغالب، وفي النصوص الثلاثة التي ذكرناها على وجه التحديد، يضيف إلى لغته نكهة شعرية. لغة شاعرية، مكثفة وموحية تتواصل مع العالم الداخلي للقصة، تنبش دواخل الشخصيات وهكذا تتواصل مع المتلقي. وربما كانت لوحدها تكفي لإنتاج الوعي بالنص وتطوره. نقتطف من قصة جنون العظمة مثلاً “رواسب قديمة أوصلتني إليك جثة تضرب الأرض بلا ملامح.. بدأت الشمس تشرد مني.. حتى أنت بدأت في الشرود... من يومها وصورتك لم تكتمل.. تزورني أطيافك في الخاطر.. تطوف حولي.. أغمض عيني بقوة.. أمد يدي.. أحاول الوصول إليك.. أقترب منك تبتعد.. وتظل صورتك ناقصة..”. وعلى مسافة قريبة من تلك الصورة، يعرض سليمان للقارئ في قصة “حلم وحقيقة”، صورة لاتقل في إيحاءاتها وسخريتها ومساهمتها في صياغة تجربة جديدة. حيث يقول سليمان “أنا قارئ أتأثر بالشعر وبالسرد وبأشخاص التقيتهم في الحياة منهم من يؤثر في. وهناك قصة تأسرني ولا أكاد أستطيع الخلاص منها إلا بالشعرية.. وقصة تشعرني بالألفة حتى أدخل إلى أعماق شخوصها، ولا أتركها حتى أتعرف عليها أكثر من خلال نبش دواخلها.. ويثيرني حنين ما وأكون أكثر وصفاً للأحداث.. أنا أحتاج إلى هذا التنوع لأشبع رغبتي أولاً، ثم أدفع القارئ إلى هذا المزيج المتفاوت في طريقة السرد والطرح، وحتى لا أكرر نفسي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©