الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بعد أن حاز جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي

بعد أن حاز جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي
29 يونيو 2007 00:21
يعد الدكتور عبد الرحيم مؤدن أحد الباحثين المتخصِّصين في أدب الرحلة، فهو صاحب كتب كثيرة في هذا المجال، نذكر منها: ''مغامرات ابن بطوطة''، ''رحلة ابن بطوطة الجديدة''، ''رحلات مغربية وعربية''، و''الرحلة الأدبية''، وصدر له مؤخراً كتاب ''الرحلة في الأدب المغربي''· وحاز خلال حياته العلمية إحدى ''جوائز ابن بطوطة للأدب الجغرافي''، وذلك عن تحقيقه لكتاب ''الرحلة التتويجية إلى الديار الإنجليزية'' للرحالة الحسن الغسال· التقيناه في الرباط بالمغرب وكان لنا معه هذا الحوار: ؟؟ من خلال مقروئكم في فن الرحلة العربية عموماً، هل يمكن الحديث عن خطاب رحلي يمكن اعتباره جنساً أدبياً قائم الذات، له بنياته ومكوناته الخطابية، أم أنه عبارة عن ملتقى أجناس أدبية وحقول تعبيرية متعددة، رواية، سيرة ذاتية، مقالات؟ ؟ من الخصائص الأدبية في النَّص الرحلي، أنه ملتقى أجناس أدبية وغير أدبية، فإلى جانب الشعر والمحكيات والقول ''الأوتوبيوغرافي''، توجد الفتوى، والمسح الجغرافي، وعلم الأطوال، والعروض، وكتب الخطط، وبجانب النقد الأدبي يوجد النقد الاجتماعي، وبجانب البلاغة، يوجد ''التقرير''، وبجانب النقد السردي الأدبي يوجد السردان التاريخي، والشفهي بجانب المكتوب، وهناك الماضي والحاضر، المعرفة والمتعة·· إلخ· هذه الثنائيات تتصادى في بنية الرحلة تحت هيمنة بنية أكبر، هي بنية السفر، دون أن أقول موضوعة السفر؛ لأن هذه الأخيرة قد تتوافر في الرواية والمسرحية والملحمة والقصيدة·· إلخ، دون أن تصل إلى مستوى البنية ما دام السفر في الرواية يخضع لـ ''الراوي''، والسفر في المسرحية يخضع لـ ''المسرحي''، وفي الملحمة لـ ''الملحمي''، أما في الرحلة، فالسفر ليس موضوعاً فقط، بل هو موضوع مركزي وبنية في آن واحد· ومن ثم تصبح ''بنية السفر'' هي البنية المهيمنة، من البداية إلى النهاية، سواء في حالتي الذهاب أوالعودة· كما أن هذه البنية هي التي تفرز خصائص فكرية وجمالية نصية منها السارد الجوال/ السرد الطوبونيمي الذي لا يكتفي برصد علامات المكان وأسمائه، بل يعيد بناء معجم جديد في الاسم والمسمى، الوصف الخادم للسارد، السيرة المزدوجة، أي سيرة الشخص وسيرة المكان، والوصف المقارن، ما دام الرحالة يحمل معه مكانه في كل مكان: المعرفة والفائدة، المعجم الخاص·· إلخ، بالإضافة إلى هذا وذاك، تتجاوز الرحلة ـ كما هو الشأن في السير الذاتية ـ طابعها المرجعي لتقدم تجربةً خاصةً أثناء تعاملها مع المكان والإنسان والزمان، ملايين الناس حجّوا، وسيحجّون إلى ما شاء الله، ولكنهم ـ إذا كتبوا رحلاتهم ـ في الوقت ذاته اختلفوا في تجاربهم وأحاسيسهم بالرغم من ارتحالهم إلى المكان المشترك ''الحج أو الحجاز''· تكمن أدبية الرحلة إذن في هذا التوليف بين مختلف الخطابات والأجناس تحت هيمنة ما هو رحلي أو رحلاتي الذي لا يقتصر على دوره المركزي، موضوعاً، بل إنه يصبح بنية فارزة، كما سبقت الإشارة بين الرحلة وغيرها من نصوص السفر، ويصبح، أيضاً، بنية مؤسسة للخصائص الفنية والجمالية المشار إلى البعض منها أعلاه· الرحلة خطاب أدبي يقوم على محكي السفر ''حكاية السفر''، موازيا، لسرود أدبية وغير أدبية، ومتقاطعا معها في آن واحد· وفي الحالتين يظل مستقلاً ببنائه ومنفتحاً، في الآن ذاته، على كل التجارب أو الخطابات التي تستمتع بإثرائها أو إخصابها المستمر· ؟؟ ما هي الصورة المهيمنة التي يكونها الرحالة العربي عن الآخر، الأوروبي والأميركي عموماً، في السابق، وهل تغيرت هذه الصورة في الأزمنة المعاصرة؟· ؟ العلاقة ـمن خلال النص الرحلي ـ مع الآخر، هي علاقة المد والجزر بين العالمين، تبعاً لأوضاعها التاريخية في كل مرحلة من المراحل· في مرحلة ''المركزية الإسلامية''، على سبيل المثال، كان الارتحال نحو ''الآخر''، مسنوداً بالرغبة في الإفادة والاستفادة، وكان ''ابن بطوطة''، في القرون الوسطى تقريباً، منطلقاً في رحلته من إحساسه الخاص بالإسلام كحضارة ومعرفة وتنوير وكانت المغارب مغرباً واحداً، والإسلام فضاءً مشتركاً من المحيط إلى بحر الصين· إنها علاقة الند للند، وهذا يقتضي التعرف والاعتراف، في مرحلة انهيار الدولة العثمانية، وما تلاها، ستنتقل المركزية إلى الآخر مع اختلاف المسلكيات· الآخر هنا، أصبح منطلقاً من مفهوم السيادة، وأصبح الآخر مسوداً، وعوض أن تتحول الرحلة إلى أداة للتعارف والحوار، أصبحت أداة للهيمنة والاحتكار سواء تعلق ذلك بالرحلة من الأنا إلى الآخر، أو من الآخر إلى الأنا· من هنا جاءت صوره ''الكافر'' و''العلج'' و''الذاعر''، و''الظالم''، وما يقابلها من مفاهيم عديدة مثل: ''المدنس'' و''الشيطاني''·· إلخ، عوضا عن أن تكون صورة ''المختلف'' التي تجسد عصب الرحلة وعمودها· فالشعار الذي ترفعه الرحلة هو كالتالي: ''خلقنا مختلفين لنتعارف ونتحاور''·· إلخ· هل تغيرت الصورة الآن؟ لا أظن فـ ''الأنا''، خاصة في زمن ''فوبيا الإسلام'' يزداد توجسه اليومي بشكل متصاعد، من الآخر، والعولمة تنادي بـ ''النمطي'' و''المعلَّب'' رفضاً للخصوصية والاختلاف، والآخر يزداد تجبراً دون أن تتوقف رحلته في المكان - مكان الأنا- بشكل مباشر أو غير مباشر، في الفضاء والذاكرة والوجدان، إنها صورة قد تقوم على الاعتراف - من قبل الأنا- بما أنجزه الآخر، دون أن يغادرها النفور والتوجس الذي أنتج صوراً جديدةً مازالت تحمل بعض ملامح الصور السابقة مثل: ''الانهيار التدريجي''، و''الخواء الروحي''، و''الغرب الموبوء''·· إلخ· ؟؟ أين تتجلى كل من مظاهر التوجس من الآخر من جهة، ومظاهر الإشادة بهذا الآخر من جهة أخرى لدى الرحالة العربي···؟· ؟ هذا السؤال يرتبط بالسابق، فمظاهر التوجس أو الإشادة بالآخر توجد في مظاهر كثيرة، خاصة أن الرحلة، نص بصري سواء تعلق بالتقدم الآلي أو في العمران وأساليب العيش مادامت تخدم الإنسان، أما السلبي فيكمن في الجانب الديني ''التثليث، مثلاً، في المعتقد المسيحي''، وتناول الخمر، ومظاهر التهتك، والإسراف والتبذير· والواقع أن الرحالة العربي، خاصة بعد انهيار المركزية العربية، قد توزع بين مستويات أربعة، هي: الإعجاب، والاندهاش، والنفور، والإدانة· ظل التقدم الصناعي، في مجال الصناعة عامة، وصناعة الأسلحة خاصة ''ق''19 من أهم مظاهر الإعجاب لدى الرحالة العربي· كما أن الجانب الأخلاقي ''السلوكي'' بالمعنى الواسع ظل، أيضاً، من أهم مظاهر النقد والاستهجان، إن لم يكن أقرب إلى النفور والإدانة· ؟؟ إلى أي حد يمكن اعتبار مجال الرحلة مجالاً غنياً لتصادي الصور الثقافية والحضارية بصفة عامة····؟· ؟ ربما أجبت عن هذا السؤال، في السؤال الأول· وفي كل الأحوال، وجد علـم ''الصورلوجيا'' نصه النموذجي في الرحلة التي تعد ميدانا غنياً لتبادل الصور، علماً بأن تقديم الرحالة لصورته، هو تقديم في الوقت ذاته لصورة الآخر سلباً أو إيجابا· ولهذا اعتبر البعض الرحلة ''جنساً حوارياً'' يقوم على ''التهجين'' بالمفهوم الباختيني· إن المتأمل في النصوص الرحلية، سيلمس، عن قرب، رؤيات وصوراً ومواقف من الإنسان والعالم· لا غرابة إذا اعتبر البعض الرحلة نصاً ''تسجيلياً'' بامتياز يوثق في الرحالة لمرحلة ما بكل حمولتها المعرفية والحضارية كشاهد إثبات، واستطاعت العديد من الرحلات أن تعيد بناء ''عصر'' أو مرحلة تاريخية متكاملة من حيث الذائقة والملبس والمأكل والنمو الحضاري، ونوعية اللغة أو اللغات·· إلخ· ؟؟ تعرفنا في السابق على عبد الرحيم مؤدن بصفته كاتب قصة بامتياز، ومهتماً بأدب الأطفال كذلك من خلال مجموعة من كتاباته في هذا المجال، غير أننا في الآونة الأخيرة نجده منشغلاً أيما انشغال بأدب الرحلة بالدرجة الأولى، فهل يفرض البحث العلمي الأكاديمي على المبدع أولويات في مجال أنشطته الإبداعية أم أن الأمر تلقائي؟· ؟ الإبداع لا زمن له، فهو قد يخرج من صلب البحث أو الاشتغال المعرفي الأكاديمي، أما بالنسبة لهذا الأخير، فهو مشروط بالزمن وبالقرارات البيروقراطية وإكراهات العمل وميزانية الدولة·· إلخ· ومع ذلك، فالعلاقة بينهما قد لا تصل إلى حد التنافر أو القطيعة، فاشتغالي بدبلوم ''الدراسات العليا/ ،''1987 على الشكل القصصي هو الذي أوحى لي بالبحث في الرحلة، بعد أن بدت لي الرواية أو السرد القصصي المغربي هو ''رحلة مجهضة'' بسبب طبيعة المجتمع المغربي ''ق''19 الذي كان يعاني من إجهاض واسع في ميادين متعددة، وقبل هذا وذاك، كان الإبداع القصصي الذي مارسته منذ السبعينات من القرن الماضي، هو الذي أوحى لي بالبحث في الشكل القصصي، وهذا أوحى، كما سبقت الإشارة، البحث في الرحلة، وهذه سمحت لي بكتابة حكايات رحلية، موجهة للفتيان ''19 كتيباً'' مستوحاة من رحلات عربية مغربية، كما أن البحث في الرحلة من خلال أطروحتي للحصول على ''دكتوراه الدولة'' حول مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن ،19 هو الذي سمح لي، أيضاً، بتعميق علاقتي بالسرد وخصائصه بحثاً عن خصوصية سردية عربية ضاعت وسط ''مختبر'' المناهج الذي أضاع المنهج وأضاع الرواية أو السرد في آن واحد· العلاقة، إذن، بين البحث الأكاديمي والإبداع، بالنسبة إلي لا تخضع لقصدية مباشرة، علماً بأن إكراهات ما ـ كما سبقت الإشارة ـ تفرض نفسها عند اختيار هذا أو ذاك، ولكن، مع ذلك، تظل هذه العلاقة مزيجاً من القصدية والعفوية، مزيجاً من الهواية والواجب، مزيجاً من ''المزاج'' والتخطيط المعقلن، مزيجاً من الإثارة و الأثرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©