الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش روح الأمّة ·· أين هـو الآن؟

الجيش روح الأمّة ·· أين هـو الآن؟
29 يونيو 2007 00:27
كل شيء يشير إلى أن تركيا أمام حدث كبير· التعقيدات الداخلية تتفاعل دراماتيكياً مع المحيط، لاسيما في شمال العراق· والجنرالات الذين ظُنَّ أنهم تراجعوا بعد وصول حزب ''العدالة والتنمية'' إلى السلطة، يظهرون مجدداً ببزّتهم الاتاتوركية العالية، حتى إن البعض يتحدث عن ''انقلاب عسكري افتراضي'' تعيشه البلاد حالياً· ''أتاتورك'' هو مَن وصف الجيش بـ''روح الأمّة''· إنه الساهر على الدولة الذي أضحى دولة داخل الدولة· ما هو الحدث الكبير؟ وماذا يحدث في المشهد التركي؟ الفصام التركي قال لنا وزير خارجية عربي: ''حين التقيت رجب طيب اردوجان، شعرت بأن أربعة قرون سقطت، للتو من الذاكرة· إنه الرجل الذي يبتسم للمستقبل··· فقط''! لا أحد في المشرق العربي يستخدم الآن ذلك التعبير الذي طالما استخدم في مدارس المنطقة ''النير العثماني''، حتى إن رجل دين لبنانياً بارزاً هو الشيخ ''محمد مهدي شمس الدين'' (رحل منذ سنوات) لم يتورع عن القول إن أكبر نكبة لحقت بالعرب كانت يوم انهيار السلطنة العثمانية·· لم يكن يقصد فقط موقف السلطان ''عبدالحميد'' من العرض الصهيوني الخاص بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في مقابل تغطية الديون التي على السلطنة، حتى إن ''تيودور هرتزل'' فكر بتفجير قصر ''يلدز'' بهجوم بالزوارق المفخخة· هناك أشياء كثيرة حدثت· الأتراك حققوا إنجازات كبيرة في الاقتصاد، والعمران، ولكن هناك أيضاً أكثر من باحث سياسي، ومعلق، يتحدثون عن ''الشيزوفرينيا'' التركية أو عن الفصام التركي· ازدواجية آسيوية - أوروبية، العلمانية والتديّن، الجنرالات والساسة، الشرق والغرب، ناهيك عن الفجوة الهائلة بين المدن وبعض المناطق الريفية· ولكن تبقى الشيزوفرينيا الاثنية هي المشكلة: الأتراك والأكراد· الدبابات المقدّسة هنا عين العاصفة· ''مصطفى كمال أتاتورك'' الذي أنشأ الدولة الحديثة عام ،1923 اعتبر أن الجيش هو الذي يحلّ كل المشاكل· وصفه بأنه ''روح الأمّة''· الأولوية للخوذة، وبعدما حقق الجيش التركي في الثلاثينات من القرن الفائت، انتصارات رائعة، وكان الجنرال ''جمال جورسيل'' الذي قام بالانقلاب الأول عام 1960 قد استخدم تعبيراً مثيراً: ''الدبابات المقدّسة''· هي وحدها التي تحمي تركيا من الانزلاق إلى الماضي· ''عصمت اينونو'' الذي كان رفيق ''أتاتورك''، وقد أخذ اسم عائلته من اسم النهر الذي دحر فيه اليونانيين، قال: ''أنظروا إلى بلادنا أين تقع؟ تدركون لماذا الجيش كل شيء هنا''· هل حقاً أن الجنرالات هم الذين حموا تركيا من الطوفان الشيوعي؟ قد يكون هذا ممكناُ· لو دخلت الشيوعية إلى تركيا لأضحى الشرق الأوسط برمته داخل ''المعسكر الاشتراكي''· يعترفون في أنقرة واسطنبول بأنه، عقب زوال الإمبراطورية السوفييتية، انحسرت كثيراً الفاعلية الجيوبوليتيكية· بدأ الأتراك يفكرون بطريقة مختلفة: 70 بالمائة مع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي· القرار، بحدّ ذاته، جريء، فالأوروبيون ما زالوا يكتبون حتى الآن عن الخيول العثمانية وهي تطرق أبواب فيينا· بعض الخرافات تقول إن الصهيل لا يزال يُسمع، في أوقات معينة في نهر الدانوب· ثم انقلاب مدني في عام ،1950 وبعد 27 عاماً من حكم الحزب الواحد، انتقلت السلطة، وعبر صناديق الاقتراع، إلى الحزب الديموقراطي القريب من المتدينين· على مدى عشر سنوات، شهدت مظاهر للانفتاح السياسي والاقتصادي مع دخول البلاد في حلف شمال الأطلسي، كان للشيزوفرينيا أن تعبّر عن نفسها بأحداث فوضوية انتهت بانقلاب عام 1960 الذي أعاد المؤسسة العسكرية إلى الواجهة· الجنرالات وضعوا دستوراً جديداً، وتم أنشأ مجلس للأمن القومي، وهو نوع من الغرفة العسكرية التي تحكم من الظل· المهمة: حماية الجمهورية وفقاً لما هو منصوص عليه في الدستور· وفي عام 1971 عادت الفوضى ليتسلم الجيش الحكم أيضاً إلى أن كان الانقلاب الكبير عام 1980 بقيادة الجنرال ''كنغان ايفرين''· شيء ما يشبه الحرب الأهلية التي كلفت البلاد نحو 5 آلاف قتيل، وثلاث سنوات من الديكتاتورية العسكرية المطلقة، مع إدخال العناصر الأكثر تعصباً من الناحية القومية في جميع مؤسسات الدولة· الانقلابيون وضعوا، أيضاً، دستوراً جديداً للدولة· وكان مجلس الأمن القومي يتدخّل في كل شيء· الشاعر ''يشار كمال'' قال: ''آنذاك تغيّرت حتى زقزقة العصافير''، إلى أن كان عام ·2003 حزب ''العدالة والتنمية'' يتقدم، وبعدما كان الجنرالات قد طاردوا رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب ''الفضيلة'' حتى ''لم يبق منه سوى هيكله العظمي''· انقلاب مدني ضد الجنرالات الذين تحول بعضهم إلى سلاطين فعلاً: قصور ومزارع شاسعة، وسيارات ''رولز رويس'' فيما نجد الكثيرين في المناطق الريفية حفاة· ''يشار كمال'' تحدث عن الظاهرة: ''ضعوا أقدامكم العارية جانباً إنهم يمرّون''· وفي مقالة له كتب: ''في اللغة التركية هذه الأيام تترجم الدبابة هكذا: رولز رويس''· الجنرالات لا يحبونه الجنرالات لا يحبون ''رجب طيب اردوجان'' الذي فرض مدنياً أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي، فيما تم خفض عدد العاملين فيه من 700 إلى نحو النصف تقريباً، مع انعقاد المجلس كل شهرين بدل كل أسبوعين· العسكر يعرفون كيف، ومتى، يتحرّكون· لا رئيس للدولة من الشعب· قطعوا الطريق على ''عبدالله غول'' تحت قبّة البرلمان ويقطعون عليه الطريق تحت قبب المساجد، فيما شكلت عودة حزب ''العمال الكردستاني'' إلى الظهور سبباً آخر لكي يرفع الجنرالات أصواتهم أكثر فأكثر· صحيح ان زعيم الحزب ''عبدالله أوجلان'' يقبع، ومنذ عام ،1999 في أحد السجون في جزيرة وسط بحر مرمرة، لكن الحزب الذي يدعو إلى الانفصال عاد بزخم لافت·· المشهد ضبابي جداً· أنقرة تتهم الأميركيين بأنهم منحوا متمرّدي الحزب مأوى في الشمال العراقي· الجيش التركي يعزز وجوده عند الحدود، فيما كان مثيراً أن يحتج الأتراك، وبلهجة قوية، على انتهاك طائرات أميركية لمجالها الجوّي، مع أن الشراكة الأطلسية تجمع بين أنقرة وواشنطن· ما هو ذاك الشيء الذي يحدث، وراء الأضواء، في تركيا· معلقون يتحدثون عن ''انقلاب عسكري افتراضي''، فيما الجنرالات يضغطون لاجتياح شمال العراق ربما وصولاً إلى الموصل التي طالما دعا ''أتاتورك'' لـ''إعادتها'' إلى الدولة التركية، فيما كركوك تشكل هدفاً استراتيجياً (وتاريخياً أيضاً)، حتى إن أنقرة هدّدت بإجراء ما إذا ما جرى الاستفتاء حول المدينة التي تقطنها أقلية تركمانية كبيرة (التركمان يعتبرونها بمثابة مدينتهم المقدسة)، العالم كله يتغير·· لماذا لا يتغير ''أتاتورك''، حسبما يسأل أحد أعضاء حزب ''العدالة والتنمية''· لكن ''رجب طيب اردوجان'' ليس ''نجم الدين اربكان''· إنه يملك الأكثرية على الأرض، حتى ولو حشد العلمانيون ما حشدوا· كل التعليقات في اسطنبول وغيرها تشير إلى أن تركيا على أبواب حدث كبير· هذا له تداعياته، بطبيعة الحال، على ذلك الشرق الأوسط المسكين الذي طالما وصفه فيلسوف التاريخ البريطاني ''ارنولد توينبي'' بأنه ''حوض البدايات والنهايات''· هل بدأت النهايات؟ ''أورينت برس''
المصدر: أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©