الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معاقبة الأطفال بالضرب «الخفيف» تكتيك تربوي ينقسم حوله الباحثون

معاقبة الأطفال بالضرب «الخفيف» تكتيك تربوي ينقسم حوله الباحثون
1 يناير 2012
تُفيد دراسات أن ضرب الصغار ضرباً خفيفاً غير مبرح على أدبارهم (تلطيش) يؤتي فوائده التربوية المرجوة. بينما تُظهر دراسات أخرى أن ضرب الصغار هو فعل ضار بشخصية الطفل قد تصل آثاره إلى إعاقة حياته لاحقاً. فمن يُصدق الآباء يا ترى؟ هل يصدقون أصحاب الدراسات المؤيدة أم المعارضة؟ أم يتركون القرار لحدسهم واجتهادهم ويستفتون قلوبهم؟ عندما يُصاب طفلك البالغ ثلاث سنوات بنوبة غضب في وسط المركز التجاري ويُطلق عنانه للصراخ والصياح الإرادي، أو يهرق الحليب عمداً على الأرض، أو يقوم بغير ذلك من الأفعال السيئة المستفزة، فإن أي أب وأم قد تعتريهما رغبة قوية في معاقبة الابن الفاعل عبر نهره أو حتى ضربه ضرباً خفيفاً غير مبرح إنْ كان التأنيب الشفهي لا يُؤتي أكله معه. وإذا لم تجد نفسك ذات مرة أو مرات مضطراً إلى ضرب ابنك ضرباً خفيفاً باعتباره الوسيلة التي لا يُجدي غيرُها نفعاً، فاعلم أنك لست الوحيد، بل هذا يحدث مع معظم الآباء، إذ كشفت دراسة حديثة أن 90? من الآباء يلجؤون أحياناً إلى «تلطيش» أبنائهم (ضربهم ضرباً خفيفاً غير مبرح على أدبارهم). لكن السؤال المطروح هو هل تنفع هذه الوسيلة تربوياً؟ والسؤال الأهم من هذا هو هل لهذه الطريقة أي أضرار جانبية؟ معارضون ومؤيدون يقول مؤيدو «التلطيش» إنه وسيلة تربوية فعالة لم يروا لها أي أضرار بعيدة المدى على شخصية الطفل. أما معارضو عقاب الطفل بدنياً جملةً وتفصيلاً، فَيَرَوْن أن «التلطيش» يمكن أن يجعل الطفل عنيفاً عندما يكبر، وأن ذلك يزيد مخاطر إصابته بالقلق والكآبة. ويُضيفون أن وجود طرق أخرى أفضل للتعاطي مع أفعال الطفل السيئة يُحتم على الآباء عدم اللجوء إلى الضرب نهائياً. هما فسطاطان إذن يُناقض كل منهما الآخر، أحدهما مع تجويز الضرب الخفيف للطفل، والآخر مع تجريمه مهما كان شكله. وتعتبر الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال والجمعية الأميركية لعلم النفس هذا النوع من العقاب السائد في صفوف الآباء الأميركيين فعلاً غير تربوي وتستنكران ممارسته، فأعضاؤها يرون أن هناك بدائل عقابيةً تربويةً أخرى غير الضرب، وينظرون إلى القوانين التي تتبعها 31 دولةً من مختلف القارات من بينها إسبانيا وكينيا وكوستاريكا لتجريم ممارسة الآباء للتلطيش ضد أبنائهم في البيت، لكنهم يأسفون أن مثل هذا القانون غير موجود في الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن له أضراراً جانبية، يقول موراي ستراوس، أستاذ علم الاجتماع والمدير بالشراكة لمختبر البحوث الأسرية في جامعة نيوهامبشاير في مدينة دورهام شرقي إنجلترا، «تلطيش الأطفال يمكن أن يُسبب لهم مشكلات صحية ونفسية عندما يكبرون، كما أنه ليس أكثر فعاليةً من باقي الوسائل التربوية الأخرى». وإذا كانت هناك قائمة بالأفعال المذمومة التي ينبغي للآباء تجنبها مع أطفالهم- حسب موراي- فإن الضرب الخفيف سيكون حتماً ضمن هذه القائمة نظراً لأعراضه الجانبية الضارة. فمثلاً، سبق لبعض الدراسات أن أشارت إلى أنه كلما كثُر عدد مرات تلطيش أحد الأبوين للطفل، زادت رغبة الطفل في الانتقام من أبويه أو ضربهما. كما أن الأطفال الذين يتعرضون للتلطيش صغاراً يكونون أكثر عُرضةً لارتكاب أفعال منحرفة والمشاركة في أعمال إجرامية ومهاجمة الأطفال الآخرين عندما يكبرون بسبب معاناتهم من الكآبة جراء ما تعرضوا له خلال فترة طفولتهم، كما أنهم يميلون أكثر إلى ضرب شريكات حياتهم بعد الزواج. ومن بين التبريرات الأخرى التي يستدل بها المعارضون للتلطيش أن الطفل يتخذ من أحد أبويه أو كليهما مثله الأعلى ويتأثر شعورياً ولاشعورياً بكثير من أفعاله، بما فيها الطرق العقابية والتأديبية التي يتبعها تُجاهه، ناهيك عن أن المسارعة إلى العقاب بالضرب الخفيف يُفوت على الطفل فرصة معرفة كيفية حل المربي للمشكلة دون اللجوء إلى العنف، وهو مايحرمه من اكتساب مهارات حل المشكلات وتطويرها. أقوياء ومستضعفون من بين المساوئ الأخرى التي يسوقها معارضو التلطيش أنه يُضعف حميمية العلاقة بين الأبوين والطفل. وإذا كانت الثقافة الشعبية في المجتمع الأميركي لا تعتبر هذه الممارسة شيئاً هيناً، بل تنظر إليه كأحد الأساليب التربوية التي تنفع أكثر مما تضر، فإن النتائج التي توصل إليها الباحثون المعارضون تُفيد أنه حتى وإنْ كان بعض الأطفال يروْن أن من حق آبائهم تلطيشهم، فإنهم يُقرون في الوقت نفسه أن معاقبتهم على فعل سيئ بالضرب الخفيف يبقى تجربة سيئةً لا تُشعرهم بالأذى البدني فقط، وإنما بالأذى النفسي أيضاً. ويعتبر المعارضون لتلطيش الطفل أن هذه الممارسة تنتهك حق الطفل في حقه في أن ينشأ ويكبُر في جو حر وخال من كل أشكال التعنيف الموجه من راشد قوي ضد طفل مستضعف. فالأمر بالنسبة للطفل يكون «اعتداءً» من شخص يفوقه قوةً في الجسم مرتين أو ثلاث مرات ويبعث في نفسه الخوف قبل أي شعور آخر. وقد أظهرت بعض الدراسات أن الأطفال الأكثر تعرضاً للتلطيش هم الأكثر عُرضةً للإصابة بالقلق والتوتر. ويبدو أن معظم الناس يُصرون على كون التلطيش أو الضرب الخفيف أمراً ضرورياً ليس لأنهم يريدون ضرب فلذات أكبادهم، بل لأنهم يعتقدون أنه ينفع ويُجدي أكثر من الطرق العقابية الأخرى، وهو الاعتقاد الذي يُعارضه الباحثون بالقول إن التلطيش لا يؤدي إلى ثَنْي الطفل عن الإتيان بالسيئ من الأفعال بشكل أكثر فاعليةً، مما تؤدي إليه طرق التأديب الأخرى، مثل أن يشرح المربي للطفل أن ما قام به فعل خاطئ، أو أن ينأى به عن الوقوع في وضعية خاطئة أو غير سوية. وقد كشفت إحدى الدراسات أن 73% من الأمهات اعترفن أن أطفالهن يكررون الأفعال السيئة ذاتها حتى بعد معاقبتهم عليها بالتلطيش- الضرب الخفيف على الدبر. نُدوب نفسية لا يعاني الأطفال جميعهم من العواقب السيئة للتلطيش بنفس القدر، بل إن الضرر قد يكون استجابةً على شكل جرعات متفاوتة. إذ تكون النتائج طفيفةً عندما يُمارس المربي أباً كان أو أُماً الضرب الخفيف مرات قليلة ونادرة. ولذلك فإن التلطيش حينما يكون الاستثناء النادر، فإن تأثيره السلبي على شخصية الطفل يكاد يكون محدوداً في العادة، لكنه قد يترك لديه بعض الندوب النفسية أحياناً. ولذا يصعُب على المربين التنبؤ بحجم تأثير اللجوء إلى الضرب الخفيف نادراً على شخصية الطفل لاحقاً، وهو ما يدفع إلى الجزم بأن أفضل طريقة لتفادي المحذور هو تجنُب ما قد يُفضي إليه، وتعويضه ببدائل أخرى ذات فعالية مماثلة تقوم على تبيان الخطأ وتصحيحه ومتابعة الطفل لتصويب سُلوكاته بطرق تربوية شتى قد تشمل وسائل عدة، لكنها تستثني الضرب حتى لو كان خفيفاً غير مبرح. طريقة آمنة وفعالة على الجانب الآخر من المشهد، يقول روبرت لارزيليري، أستاذ الإحصاء ومناهج البحث بقسم التنمية الإنسانية والعلوم الأُسرية في جامعة أوكلاهوما ستيت في مدينة ستيلووتر، «إن تلطيش الآباء للأبناء يُعتبر طريقةً تربويةً آمنةً ووسيلةً مناسبةً وفعالةً عند ممارستها بشكل سليم». وعند الاطلاع على خُلاصات البحوث التي تُقارن بين أشكال متعددة من العقاب، يقوم الباحثون بتقييم نجاعة كل منها بالنظر إلى مخرجاتها، فيجدون أن الضرب الخفيف يُساعد على التقليل من عدم الثقة والحد من عُدوانية الطفل، وهو ما يجعلهم يصفون استخدام الضرب غير المبرح أحياناً «تلطيشاً مُساعداً احتياطياً» لايُلجأ إليه إلا عند فشل جميع الوسائل التربوية الأخرى. ضربتان خفيفتان يقول المدافعون عن «تلطيش» الطفل عند اللزوم كأحد الوسائل التأديبية إنه يتعين على الآباء أن يقوموا بكل ما في وُسعهم من أجل التعامل برفق ورقة وحلم مع أبنائهم في المقام الأول. إذ ينبغي عليهم في البدء أن يُحاولوا فهم الطفل، والتأكد من أنه يفهم ما يتوقعه أبواه منه، ويستخدموا المنطق ويُحكموا العقل في البحث عن الوسيلة المناسبة الخالية من إحداث أية أضرار بدنية، مثل حرمان الطفل من التمتع ببعض الامتيازات التي اعتادها أو من الخروج في نزهة نهاية الأسبوع. لكنهم يُردفون أنه في حال أبدى الطفل عدم تجاوبه مع هذا النوع من العقوبات وأصر على القيام بالأفعال السيئة عينها، فآنذاك فقط يمكن للآباء أن يُجربوا «التلطيش»، وهو ما يعني أن حتى المدافعين عن «التلطيش» يدعون إلى اللجوء إليه عند الضرورة القصوى، وليس كوسيلة تربوية منتظمة. بل والأكثر من ذلك أنهم يوصون بأن لا يتجاوز «التلطيش» ضربتين خفيفتين على آخر الدبر براحة يد مفتوحة، وشرط أن يُواصل الآباء لاحقاً الإغداق على الطفل الذي عاقبوه من حنانهم حتى يفهم هذا الأخير أن العقاب يستهدف فعلته وليس شخصه. ويقول الباحثون الذين يتبنون هذه المقاربة التربوية إن هذه الطريقة تُثبت فعاليتها أكثر في صفوف الأطفال المتراوحة أعمارهم بين سنتين وست سنوات. إغداق الحب والحنان أظهرت دراسات عديدة أن الأطفال الذين يستخدم آباؤهم أسلوباً تربوياً يُوازن بين إغداق الحب والحنان من جهة، وتبيان الحدود والخطأ من الصواب من جهة أخرى- ولو كان ذلك يشمل استخدام «التلطيش» كملاذ احتياطي تربوي أخير- يُحصلون نتائج خلال السنوات العشر اللاحقة التي يعيش فيها أطفالهم مرحلة مراهقتهم أفضل بكثير مما يُحصله الأطفال الذين اتبع آباؤهم أساليب عقابية وتأديبية تصاحبت مع حرمانهم من الحنان والحب بأشكال مختلفة، وأنهم كانوا أفضل كذلك من الأطفال الذين يتبع آباؤهم طُرُقاً تربويةً تتسم بالتساهُل مع الأفعال السيئة للطفل حرصاً من أن يكون لذلك عواقب سلبية على شخصيته على الأمدين المتوسط أو البعيد. تكتيك تربوي يؤكد مؤيدو «التلطيش» أن هذه الممارسة لا تعدو كونها تكتيكاً تأديبياً كغيره من التكتيكات التربوية التي لا يُحدد نجاحها ونجاعتها إلا طريقة استخدامها. ومن المهم أن يفهم الطفل أن أبويه يقومان بمعاقبته بدافع القلق عليه ومن أجله، وليس بدافع الغضب أو الإحباط أو استعراض العضلات الأبوية والسلطة التربوية. ويُحذر الباحثون الآباء من اللجوء إلى «التلطيش» نتيجة فقدان السيطرة على أعصابهم، فالتلطيش يغدو في هذه الحال ممارسةً غير محمودة العواقب. .. ويستمر الجدل يدعو المعارضون للتلطيش إلى تجريمه نظراً للعواقب السلبية التي يُسببها للطفل على المدى الطويل مثل نزوحه إلى القيام بسلوكات غير اجتماعية. غير أن دراسات أخرى تُفيد أن هذه السلوكات نفسها قد تصدر عن الأطفال الذين تربوا وفق أساليب تربوية مختلفة غير شاملة للعقاب البدني. وفي بعض الدراسات المقارنة، يبدو «التلطيش» لا أفضل ولا أسوأ من معاقبة الطفل بمنعه من مغادرة غرفته أو الاستعانة على تقويم سلوكاته بأخصائية اجتماعية. وبصرف النظر عن النتائج المتضاربة التي يتوصل إليها الباحثون، فإنه من الغباء الادعاء بأن ممارسة الضرب الخفيف غير المبرح كتكتيك تربوي احتياطي استثنائي يجعل الطفل أكثر عُدوانية، ففرضية كهذه لم تجد إلى الآن ما يؤكدها ويدعمها بالدليل العلمي القاطع. فالذي يحدد بدقة شرعية التلطيش ونجاعته من عدمه هو المربي المعاقب والطفل المعاقَب وسبب العقاب، وليس تبني التحليل الأفلاطوني المثالي الداعي إلى تجريم الضرب بجميع أشكاله حتى لو كان خفيفاً ونادراً. غير أنه يُحسَب للتكتيكات العقابية غير البدنية أنها تُفسح المجال أكثر لإصلاح الأمر إذا ثبت فيما بعد أن الطفل كان بريئاً من الفعلة التي عُوقب عليها، أو أن المربي تسرع في تقدير خطأ فعل الطفل أو قوله. آخر الدواء «تلطيش» كشفت إحدى الدراسات التي نُشرت ضمن تقرير «علم النفس الأُسري والطفولي» سنة 2005 أن استخدام الآباء الضرب الخفيف بشكل سليم لمعاقبة الأبناء يُقلل عُدوانية الطفل ويتفوق على ما بين 10 و 13 وسيلة تربوية أخرى من حيث فاعليته ونجاعته التربوية. ولذلك يبقى التحدي بالنسبة للآباء والمربين كامناً في استخدام هذا التكتيك التربوي بشكل سليم وحَسَن وعند الضرورة فقط، فالآباء ينبغي أن يُركزوا في المقام الأول على حل جميع المشكلات بالطرق اللفظية الشفهية المنطقية التي تميز الخبيث من الطيب وتنقشه في ذهن الطفل. ويؤكد الباحثون أيضاً أن التكتيكات التربوية المتبعة من الآباء يجب أن تُواكب مراحلهم العمرية، فالتلطيش مثلاً لا ينفع في جميع المراحل العمرية، بل إن المربي ينبغي أن يستعيض عنه عندما يكبر الطفل بتكتيكات تربوية أخرى مثل الحرمان من الامتيازات الممنوحة والتدرج معه إلى غاية الوصول إلى مرحلة تصويب أفعاله السيئة بشكل ودي عن طريق التحاور الشفهي فقط، مع إظهار الصواب وإنكار الخطأ. هشام أحناش عن موقع «لوس أنجلوس تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©