الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عشوائيات فضائية

30 يونيو 2007 02:19
من حق كل إنسان أن يقتني ما يشاء، وبالنوعية التي يفضلها والكمية التي يريدها· لا يحد من رغبتك في اقتناء سيارتين، مثلا، أو ثلاثة موبايلات، أو خمسة أجهزة تلفزيون، إلا قدرتك الشرائية وسلوكك الاستهلاكي· هذه القاعدة الاقتصادية السلوكية تبقى في إطارها الفردي إلى أن تصبح بشكل أو آخر ذات طابع عام· أكتب ذلك وفي ذهني خبر قرأته عن مواطن مصري أطلق قناة تلفزيونية محدودة تبث داخل قريته فقط عن طريق أسلاك تم مدها بالقرية وعرض من خلالها مواد أعدها بنفسه حول مشكلات القرية وسبل التغلب عليها· ومبادرة المواطن المصري، وهو مهندس اتصالات ينتمي إلى إحدى قرى محافظة الغربية شمال القاهرة، أثارت ضجة في الأوساط الرسمية والإعلامية المصرية، وخصص لها برنامج ''البيت بيتك'' في التلفزيون المصري، حلقة ناقش خلالها مع صاحب القناة وعدد من المسؤولين أبعاد التجربة· ويمكن وصف المبادرة بأنها ''جريمة متكاملة قد تعرض صاحبها لعقوبات مختلفة'' كما قال أحدهم، كما يمكن تصنيفها تحت بند ''العشوائيات'' الفضائية بحسب تعبير وزير الإعلام المصري أنس الفقي، لكن هل يجوز التوقف عند المسألة في إطارها القانوني فقط؟ أليس الإعلام والحصول على المعلومات بندين من بنود شرعة ''حقوق الإنسان'' في صيغتها الغربية؟ الجواب بـ ''نعم'' على هذا السؤال هو تبسيط مخل للمسألة، وكذلك هي الإجابة بـ ''لا''· والقاعدة البسيطة هنا، أنه لا يمكن التعامل مع المشكلات العامة بجهود فردية أو خاصة· وحتى اللحظة، لم تجعل التجارب الليبرالية الغربية من مسألة البث الإعلامي أو التلفزيوني حقاً مطلقاً لكل مواطن، يتمتع به ساعة يشاء، ويمتنع عنه حينما تصده القدرة أو تعوزه الرغبة· والقاعدة نفسها يمكن تطبيقها على تجارب توزيع حقوق البث باعتبارها ''إقطاعيات'' على من يملكون القدرة المادية والمعرفة التكنولوجية· في الغرب تعبر هذه القاعدة عن نفسها بشكل فج، من خلال الإمبراطوريات الإعلامية الأخطبوطية المملوكة لأثرياء أو لشركات الصناعة والتجارة عابرة القارات· فيصبح الإعلام في هذه الحالة خاضعاً لاستراتيجيات تلك الجهات التي تتشابه مع استراتيجيات القوى الاستعمارية القديمة· وفي العالم العربي نعايش نموذجين، الأول هو تقليد قريب للإعلام الغربي من خلال امتلاك جهات مالية لشبكات تلفزيونية خاصة، والثاني في لبنان حيث أصبحت التلفزيونات إقطاعيات فعلية للمذاهب والطوائف، فباتت أدوات ضارية في صراعاتها الميليشيوية· أخشى ما أخشاه أن تبقى الأمور على انفلاتها، فنتفاجأ بعد حين بفضائيات تستخدم كوقود في صراعات الجيران أو الخناقات الزوجية أو النكد الدائم بين الزوجة وحماتها··· عند ذلك يصبح تشبيه ''العشوائيات'' الفضائية الذي أطلقه وزير الإعلام المصري ذا بلاغة استثنائية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©