الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حلم غويا

1 يوليو 2007 03:26
يقول الكاتب والأكاديمي الإيطالي الشهير أنتونيو تابوكي إنه كان دائماً مأخوذاً بالرغبة في معرفة أحلام أولئك الكتاب والفنانين الذين يحبهم، لكن فئة كبيرة منهم رحلت دون أن تترك خلفها ما يدلّ على مساراتها الليلية وعوالم نومها· هنا، داعبت تابوكي فكرة إشباع هذه الرغبة باختلاق أحلام لأولئك الأحباب الراحلين مع الاستعانة بما خلّفوه ورائهم من إبداع، غير أن الكاتب يستدرك في مقدمة كتابه الصغير ''أحلام الأحلام '' Dreams of Dreams قائلاً بأن تلك الأحلام التي اختلقها نيابة عن أولئك الراحلين قد تكون فقيرة إذا ما قورنت بما كان يدور في رؤوس أصحابها ·· أولئك الذين رحلوا دون أن يتركوا لنا - نحن معشر القراء - حلماً من أحلامهم الليلية الغزيرة، وهل تكون ليالي المبدعين إلا غزيرة الأحلام؟! لقد اختار تابوكي عشرين شخصية راحلة من الكتاب والفنانين والمفكرين الذين أحبهم مثل كارافاجيو، غويا، كوليردج، بيسوّا، فرويد، تشيخوف، ماياكوفسكي، ستيفنسون ·· الخ، ورسم لكل منهم حلماً· هنا الحلم المختلق للرسام الأسباني الشهير غويا كما رآه تابوكي: '' في الليلة الأولى من شهر مايو عام ،1820 أثناء واحدة من نوبات الجنون التي تزوره، رأى الرسام فرانشيسكو غويا في منامه أنه كان تحت شجرة مع حبيبة صباه· كان ذلك في ريف أراجون البسيط، تحت الشمس اللاهبة فيما حبيبته على أرجوحة يدفعها كلّما جاءت يده على خصرها· كانت تحمل مظلة مزركشة وتضحك بين فينة وأخرى ضحكات صغيرة متوترة· ثم انزلقت من الأرجوحة إلى المرج، فتبعها وتدحرجا معاً على جانب التل حتى انتهيا إلى جدار أصفر· واجها الجدار فشاهدا جنوداً يطلقون الرصاص على بعض الرجال وكان المشهد مضاء بفانوس يتعارض وجوده مع تلك الطبيعة المشمسة· انطلق رصاص الجنود وسبح الرجال في بركة دمائهم· آنذاك، سحب غويا فرشاة الرسم التي يتمنطق بها دوماً وتقدّم ملوحاً بها ومتوعداً· وكما لو أنهم تحت وطأة السحر، اختفى الجنود وحلّ محلهم عملاق مهيب له شعر قذر ووجه شاحب وكان يلوك ساقاً آدمية بنهم وقد سال من زاويتي شفتيه خيطان من الدم بينما هو آخذ في الضحك· سأله غويا: من أنت؟ فمسح العملاق شفتيه وأجاب: أنا الطبيعة البهيمية التي تحكم البشرية، والتاريخ هو أمي· تقدّم غويا خطوة ولوّح بفرشاته فتلاشى العملاق وحلّت مكانه عجوز شمطاء بلا أسنان وببشرة متآكلة وعينين صفراوين· سألها غويا: من تكونين؟ فأجابت: أنا محرّرة العالم من الوهم، وأنا التي أتعهّد أحلام الناس إذ هي ليست إلا أحلاماً عابرة· تقدّم غويا خطوة أخرى ولوّح بفرشاته، فاختفت العجوز واستوى في مكانها كلب صغير مدفون في الرمل ولا يبدو منه إلا رأسه· سأله غويا: من أنت؟ رفع الكلب رأسه أكثر وقال: أنا اليأس الذي يهزأ بمعاناتكم· تقدّم منه غويا ولوح له بفرشاته، فتلاشى وحلّ محله رجل سمين بوجه مترهل وحزين بعض الشيء· سأله غويا: من أنت؟ ابتسم الرجل ابتسامة مضجرة وقال: أنا فرانشيسكو غويا، وأمامي ليس بوسعك أن تفعل شيئاً· في هذه اللحظة، نهض غويا من نومه ووجد نفسه في الفراش وحيداً· ''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©