السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاموع الهرمل خزينة أسرار تسترخي على نهر العاصي

قاموع الهرمل خزينة أسرار تسترخي على نهر العاصي
10 يناير 2009 00:42
إذا ذكرت مدينة الهرمل، فلا بد من أن نتطرق إلى تاريخها، من خلال ''قاموع الهرمل'' الذي يعود إلى عهد الحكام الرومان، فالبلدة التي تحمل هذا الاسم تنتسب إلى الجذر الآرامي القديم الذي يعني هرم الإله أو ''هيروم'' المشتقة من الكلمة الإغريقية ''أروما''، ومعناها ''طيب الله'' أو الرائحة الذكية او واحة الصيادين، نظراً لكثرة الحيوانات في المنطقة المحيطة بها· وكلمة ''الهرمل'' في اللغة العربية تعني ''الناقة الهرمة'' او المرأة المسنة المسترخية· الروايات المتعددة عن هذا الصرح زاخرة بالتكهنات، حيث تناقل الأهالي رواية مفادها أن ابن أحد ملوك الفرس صرعه خنزير بري أثناء قيامه برحلة صيد، وتكريماً لذكراه، أمر الملك ببناء ضريح عند أعلى نقطة من السهل الموجود في المنطقة، أو في المكان الذي قضى فيه الابن، استناداً الى النقوش البادية على الجهات الأربع من النصب والتي ترمز الى المعركة التي دارت بين الفتى والخنزير، عدا عن رواية أخرى تشير إلى أن النصب شيّد فوق قبر ملك روماني كان يدعى ''هرمليوس''· الهرم القابع فوق هذه المنطقة وحيداً وسط الارض القاحلة يبدو للزائر في وضوح كلي، يضاف اليه أن الدولة الفرنسية خلال فترة انتدابها للبنان عام ،1927 أمرت بفتح القاموع لعلمها بأنه يضم كنوزاً وأمتعة وأسلحة من أيام الفرس· وبغض النظر عن صحة هذه الرواية، وعما إذا كان الفرنسيون وجدوا مبتغاهم، فإن علماء آثار فرنسيين أعادوا ترميم الزاوية التي طالها الهدم من الجهة الجنوبية - الغربية من الهرم عام ،1931 مستخدمين حجارة بركانية سوداء ''بازلت'' تبدو للعيان مختلفة عن حجارته الكلسية القديمة· تركيبة البناء الهرم أو القاموع يرتفع 26 متراً عن سطح الارض، وهو عبارة عن كتلة واحدة خالية من أي باب أو نافذة، مؤلف من قاعدة بارتفاع 1,40 متر، وهي عبارة عن ثلاث طبقات من الرخام الأسود، وترتفع فوقها ثلاثة طوابق: سفلي مربع الشكل ارتفاعه 7,80 متر مزّين بالنقوش ومحاطة كل جهة منه بالاعمدة، ووسطي مربع الشكل ارتفاعه 7,20 متر، زيّنت كل جهة منه بأربعة أعمدة متناسقة الشكل بإرتفاع 0,60 متر، وعلوي هرمي الشكل ارتفاعه 9,60 متر، مزين بلوحات فنية محفورة على جدرانه، وببعض النقوش التي تمثل صوراً ووجوهاً لبعض الملوك، كما يرمز بعضها الى مشاهد صيد الخنازير البرية والغزلان، بوجود احد الدببة الذي يحمي صغاره· ولكن ما يوحد كل المشاهد المنقوشة على الهرم هو خلوها من أي أثر للصيادين، والاستعاضة عنهم بعدة الصيد من الرماح والاقواس والعصي الحديدية، وأشياء أخرى يصعب تحديد ما هيتها، إضافة الى الكلاب، الأمر الذي لم يجد له علماء الآثار أي تفسير حتى الآن، كما هو لغز هذا القاموع· آثار مدينة الهرمل تقع مدينة الهرمل في أقصى البقاع الشمالي، في خاصرة أحد جبال السلسلة الغربية، تزنرها الهضاب والوديان وبساتين الجوز والتين والزيتون والكرمة والمشمش، تُسقى سهولها من جداول الينابيع الوافرة، وتحت أقدامها ينساب نهر العاصي، حيث تنتشر المتنزهات والمطاعم والمقاهي في أحضان الطبيعة الخلابة· وتعود تسمية الهرمل نسبة الى ''هرم ايل'' القاموع، ويبلغ عدد سكانها 80 ألفاً ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر 600 متر عند مجرى نهر العاصي، و2100 متر في المناطق الجردية، ومعدل أمطارها السنوي هو 250 ملمتراً، أما معدل الحرارة فهي من 5 درجات تحت الصفر في كانون الثاني ''يناير'' و32 في شهر اغسطس· سكن الانسان القديم مدينة الهرمل لكثرة ينابيعها العذبة، والدلائل تشير إلى ذلك، حيث تنتشر القبور في المغاور حول حافة نهر العاصي، فهناك آثار موجودة حتى الآن في القاموع، السفح الشرقي من الهرمل المسمى بدير مارون حالياً، والأثر الأول هو قناة والأثر الثاني هو قصر البناة لجر مياه العاصي إلى مملكة تدمر، والأثر الثالث والرابع غربي الهرمل في بريصا، حيث يوجد عدد من الكنائس البيزنطية، والأثر الخامس صخرتا نبوخذ نصر الثاني، أما الحدث الثقافي الأهم فهو تأكيد الناس ولادة جبران خليل جبران في جرود الهرمل، أي في وادي الرطل، حيث أمضى طفولته هناك· قاموع الهرمل يبلغ ارتفاعه حوالي 26 متراً، أي 45 ''مدماكاً'' من الحجر الصخري، ارتفاع كل مدماك 60 سم، ويبلغ عرض كل واجهة من الناحية السفلية للهرم 950 سم، بحيث يتلاشى هذا القياس حتى أعلى الهرم، وينقسم الهرم إلى ثلاثة اقسام، القسم السفلي يتألف من 11 مدماكا ويعلوه كورنيش بشكل خطوط أفقية متوازية الأضلاع، تلتف حول الهرم وبارزة حوالي 30 سم من واجهة الهرم، ويحتوي هذا الجزء بجهاته الأربع على لوحات منقوشة وبارزة تمثل الصيد البري والغزلان التي تطاردها الكلاب وصور لبعض الملوك التي كانت تهوى هذا النوع من الصيد· أما الجزء الثاني فيتألف من ثمانية مداميك، وتبرز من كل جهة اربعة أعمدة ملتصقة وبارزة عن بطن الهرم، وتعلو هذه الأعمدة تيجان وكورنيش بعدة أضلاع متساوية وبارزة عن الهرم· والجزء الأعلى من الهرم تبدأ قاعدته بشكل نصف دائري، ويلتف أفقياً على جوانب الهرم بشكل هندسي رائع، ومنه تنطلق قاعدة الهرم النهائية بحيث تشبه رأس المسلة، ويجعلنا نفكر بأن هذا الهرم متأثر بالحضارة الفرعونية، لكن هذا لا يعني أن هذا البناء فرعوني، فهذا النمط من البناء له طابع خاص ومميز بين الآثار الرومانية والأوروبية وفي بعض الأحيان كانت تمتزج الحضارات ببعضها البعض من حيث ''التحالف الروماني'' الذي يمتد من مصر حتى سوريا، لكن من دون أن يضيّع الرومان أحرفهم الأصلية التي حملوها معهم من روما، حيث السياسة الموحدة التي كانت روما تفرضها على العالم، ويتولد هذا التوحيد من تأثرها بالحضارة اليونانية، حيث تولدت فيما بعد الحضارة البيزنطية· أهداف البناء الهدف من بناء القاموع هو مراقبة المنطقة ترقباً للجيوش الغازية، وأيضاً نقطة دليل للقوافل التجارية والعسكرية، التي كانت تصل من جبيل مروراً بقلعة فقرا وأفقا وقلعة بعلبك واللبوة ثم الهرمل وحمص ومملكة تدمر، وكانت تصدر من هذا الهرم إشارات ضوئية تصل مدينة بعلبك بمملكة تدمر لتعلن وصول الملوك والجيوش أو الغزاة· وفي ملاحظة لكيفية بناء هذا الهرم وكم هي الاسرار التي تكمن في داخله وخارجه وشكله واتجاه واجهاته الاربع، نرى أن الواجهة الجنوبية تتجه بشكل مباشر نحو بعلبك والواجهة الشمالية نحو حمص ومملكة تدمر، أما الجنوبية فنحو سلسلة الجبال التي تطل على البحر المتوسط من أجل مراقبة الغزاة، أما الواجهة الشرقية التي تطل عليها سلسلة الجبال الشرقية، حيث توجد أسفل هذه السلسلة القنوات التي كانت تغذي مملكة تدمر بالمياه· أما السهل الذي يحيط بالهرم، فكان يزرع بالقمح الذي كان يغذي الجيوش الرومانية، ولقد سميت هذه المنطقة بإهراءات روما، وكانت الألوان الذهبية تتلألأ في هذا السهل عند يباس الحصاد في شهر يونيو، وكان يعج بالحيوانات خاصة الغزلان، وهذا ما تؤكده رسوم الصيد الموجودة على واجهات الهرم الأربع· يشير احد المراجع عن تاريخ وهدف بناء هذا الهرم، حيث يقول إنه كانت له ميزة سابقة تختلف عن الميزة التي هي عليه الآن، ففي بداية الامر كانت أهداف بنائه كمعبد دُفن فيه أحد الملوك وتم ردمه، حيث يقع المدفن في الأسفل· ومن أجل هذا الأمر فإن جزءاً منه هدم وسلب ما في داخله ثم أُعيد ترميمه، وهذا ملاحظ من أشكال الحجارة الجديدة التي رُمم بها· فليس هناك أي اعتقاد بأن هذا الهرم هدم بفعل العوامل الطبيعية اي الزلازل· إن بناءه وشكله الهندسي لا يسمحان له بـ''التهدم'' بسهولة، ذلك لأنه في الداخل مملوء بالردم وحجارته متشابكة بمواد وأتربة قوية·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©