الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مبدأ اللاشيء

2 يوليو 2007 04:15
أدهشني فضولي عندما صممت على الاستماع لحوارٍ دار بين صديقتين لم تجمعهما الأيام لسببين وجيهين لا ثالث لهما، ألا وهما العمل والازدحام· فبعد التحية والعتاب والضحك والتفاعلات المثيرة من أخبار الزواج والطلاق والسفر، قالت إحداهن: أنزين بعد شوه ''مسوّيه''؟ فردت زميلتها بعد تفكير: لاشيء· كيف تقول لاشيء وفي علم الجبر سمى العرب كل مجهول يُقصد البحث عنه بـ (الشيء)، فيصبح بذلك للمبهم قيمة تترتب عليها قيم ومبادئ وحسابات· فعندما جلب الخوارزمي الصِفر (الذي يعتبره أحدهم لاشيء) من الهند وجعل له مكانة مرموقة بين الأعداد و الأرقام، عرفّنا على القيمة الحقيقية للصفر عندما يكون على يمين العدد أو على يساره، وقد أثبتت بعض الأمثلة المصرية المعتمدة على التطبيق العملي صدق تلك المعادلة· أهمية الصِفر تكمن في تحديد مراتب الأعداد كالعشرات والمئات والألوف، وقد سخر بذلك للعالم فهم واستخدام الرياضيات والعمليات الحسابية المصغرة كالجمع والطرح والقسمة والضرب· عندما نقول ''لاشيء'' فإننا نلغي مبادئ ونظريات أقلقت باحثيها إلى أن وُظِفت للخدمات الإنسانية الغير منقطعة النظير؛ فلو قارنّا الصمت بالصوت، أليس كلاهما شيء على حده؟ فعندما قرّب الفارابي علم اللوغاريتم من عناصر متكافئة في معادلات الموسيقى والنغم و الإبداع لم يستو قفة أو تتحداه اللاشيئية، خاصة في غياب الخلفيات السلفية، ولم يتوقف أؤلئك العرب والمسلمون عند ذلك فحسب بل دأبوا على المعالجة والتحقيق في مسائل اللامتناهي الذي اعتمد عليه كل من نيوتن ولايبنز في القرن السابع عشر، هذا الذي نقول عنه لاشيء تقول ''زيغريد هونكه'' عنه في ''شمس العرب تسطع على الغرب'': النور الذي سطع في سماء الغرب المظلمة، آنذاك كان بلا ريب، حدثا عظيم الشأن قويا· فبواسطة العرب، تعرفت أوروبا على أهم آثار القدامى، و بفضل ترجماتهم للمخطوطات اليونانية وتعليقاتهم عليها، و بفضل آثارهم الفكرية الخاصة أدخلت إلى العالم ''الجرماني'' روح التفكير العلمي والبحث اللذين ما كانا بحاجة إلا إلى اليقظة والغذاء''· ويدهشني أن يرسب أطفالنا وبالغنا في اختبارات الرياضيات والحسابات الدقيقة، كتلك التي تعبر عن هويتهم وتلك التي توجب عليهم تجاوزها بنسب لا تثبت الفهم والذكاء أوالمعرفة، بل تخطىٍ لمرحلة دراسية أو حياتية متوقعة فحسب؛ قد أعذر الصغار عندما أرى ملهيات العصر و إغراءاته و ينتابني القلق عندما استشعر أن مستقبلهم سيلعب دورا لا يستهان به في رفع نسب و معدلات القروض والسلف المصرفية وأرباح البنوك وبيع مدخرات العائلة بما في ذلك (صوغ) الأم والأخت والزوجة· لنقف معا ونرى ممن يتعلم الأطفال اللغة والتعبيرات، وما هى ممارسات الشباب الذين يحفظ أغلبهم الأغاني ''اللاش'' (واللاش في العامية صفة تمنح لكل ما تدنى مستواه، فهي بذلك تعبر عن الوضيع و السيئ)، إنهم على وعيٍ تام بأشياء كصرعات الموضة من شعر وملابس و إكسسوارات، وهناك استراتيجيات كثيرة ننتهجها بلا تحليل ولا إصرار على إبقاء قولبتها و استمرارية صبها في بوتقة معارفنا وقيمنا الثقافية والحضارية· افترقت الصديقتان بإيعاز إحديهما: ''اتصلي بي يوم عندك شيء''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©