الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي منصور آل شهاب: التاريخ يضيء لنا عتمة الآخر

علي منصور آل شهاب: التاريخ يضيء لنا عتمة الآخر
1 ابريل 2009 23:01
يدعو الباحث البحريني الدكتور علي منصور آل شهاب رئيس جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نائب رئيس جامعة البحرين للتخطيط وخدمة المجتمع، إلى إدراك أهمية التاريخ وإيلائه عناية قصوى في الراهن، وتفعيل أقسام التاريخ في الجامعات والمدارس، والتركيز على المناهج التي تدرس التاريخ الوطني والعربي والإسلامي، والعمل على تربية المؤرخ الباحث منذ الصغر، وإشاعة روح البحث العلمي في المجالات التاريخية المختلفة، وإعادة كتابة تاريخ المنطقة بأقلام خليجية وقراءة الوثائق الغربية قراءة نقدية معاصرة تصحح الصورة المغلوطة عن العرب والمسلمين، ويرى في ذلك وسيلة مثلى لتحقيق التقارب بين الثقافتين العربية والغربية وإزالة سوء الفهم وأسباب الصراع الذي اشتدت حدته بينهما في السنوات الأخيرة··· والتفاصيل في ثنايا هذا الحوار: علاوة على جهودك على المستوى الأكاديمي وبحثك في المجال التاريخي تترأس جمعية التاريخ والآثار في دول مجلس التعاون، كيف تنظر إلى جهود الجمعية وما حققته خلال السنوات الماضية؟ ؟؟ تأسست جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون عام ،1997 وجاءت كاستجابة لطموحات ورغبات مؤرخي الخليج وآثارييه· عقدنا الاجتماع التأسيسي في دبي ثم رأت هذه الجمعية النور بقرار سياسي من قادة دول مجلس التعاون· وبناء على قرار ملكي من خادم الحرمين الشريفين ''رحمه الله'' تستضيف دارة الملك عبد العزيز الجمعية في مقرها بالرياض· بيد أن هذا لا يمنع من تأسيس فروع أخرى للجمعية وهذا ما نعمل عليه حالياً، حيث بدأنا في تأسيس فرع في البحرين· وأعتقد أن الجمعية تمثل إضافة لمؤسسات المجتمع المدني، وتتبنى خطين في خدمة المواطن الخليجي الأول يتمثل في تعميق وترسيخ البحث التاريخي الذي يقدم خدمات كبيرة لتاريخ المنطقة، وزيادة اللحمة بين أبناء أهل الخليج من الباحثين المشتغلين في نفس التخصص· وقد استطعنا خلال السنوات الماضية بناء جسر من التعاضد والمحبة والتواصل بين مؤرخي الخليج والمشتغلين في البحث التاريخي، وما الملتقى الأخير إلا واحداً من اشكال هذا التواصل الذي يعكس العلاقات المتينة بين اعضاء الجمعية، وانعكاساً لرقي العلاقات بينهم· أما الخط الثاني فهو الحرص على إقامة الملتقيات التي تعمق البحث العلمي، وفي هذا الإطار نحرص على تعميق البحث العلمي وترسيخه عبر ''مجلة الخليج للتاريخ والآثار'' التي تقوم عليها لجنة من المحكمين تعنى بالتوثيق وتوخي المعايير العلمية في الدراسات التاريخية· موجهات تاريخية ؟ من الواضح ان الجمعية تمكنت من تقوية وتوطيد الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الباحثين لكن ماذا عن المستوى العلمي، هل تقوم الجمعية بدور الموجه او الناظم لحركة البحث التاريخي بحيث تضع الجهود البحثية في مسارب ومحددات تمنع التكرار؟ ؟؟ هذا واحد من الغايات التي نسعى إليها، فالباحثين يقدمون لنا بحوثهم ضمن المحور العام للملتقى، ثم يتم اختيار ما يتسق معه· في المؤتمر الأخير اخترنا 23 بحثاً من مجموع 35 بحثاً تقدمت للمشاركة تفادياً للتكرار أو لأنها لم تعالج المحاور المطروحة· ايضا هناك البحوث التي تقدم للمجلة وهذه تخضع لمعايير علمية صارمة والبحث الذي لا تنطبق عليه شروط النشر العلمي يستبعد· بالطبع نحن لا نجبر الباحث على أي موضوع لكننا نوجهه إلى الموضوعات التي تحتاج أكثر من غيرها إلى البحث والدراسة· ؟ وماذا عن حصيلة الملتقى العاشر وكيف تنظرون إلى تطوير الملتقى الحادي عشر الذي سينعقد في البحرين؟ ؟؟ بداية أود أن أتوجه بالشكر إلى دولة الامارات العربية المتحدة التي استضافت هذا المؤتمر المهم على الكرم والحفاوة وحسن التنظيم الذي لاحظه الجميع، وهذا ليس بغريب على الإمارات، كما أشكر معالي الوزير عبد الرحمن العويس الذي فتح لنا قلبه قبل مكتبه، وبلال البدور المدير التنفيذي والمسؤول عن قطاع الثقافة وكل الإخوة المنظمين الذين بذلوا جهداً واضحاً لإنجاح المؤتمر، وهناك انطباع عام لدى جميع المشاركين بحسن التنظيم وجودته، والاستقبال وروعته ناهيك عن أن الحصيلة العلمية جاءت رائعة، فقد قدمت 23 بحثاً جاءت كلها أبحاث جدية، وكان النقاش علمياً ورصيناً وثرياً وتحققت الفائدة للجميع· صراع الغرب والشرق ؟ درست في الغرب وعشت فيه ردحاً من الزمن، وتعرف العقلية الغربية والطريقة التي يفكر بها المؤرخون الغربيون، كيف تفسر أنت كباحث في التاريخ ما يحدث من خلاف أو صراع أو صدام ثقافي بين الغرب والشرق الذي ازدادت حدته في الآونة الاخيرة؟ ؟؟ أعتقد ان الصراع الثقافي بين الغرب والشرق يعود إلى جذور تاريخية قديمة· ولو بحثنا في تاريخ الثقافة العربية وعلاقتها بالغرب نجد ان الاتصال بين الثقافتين حدث مع فتح الملسمين للأندلس· في تلك الفترة كان الغرب يعيش في ظلام والشرق يمتلك العلم والمعرفة، وكانت العواصم الثقافية العالمية موجودة في بغداد شرقاً وقرطبة غرباً· وكان طلاب العلم الذين توصد أمامهم أبواب العلم يولون وجوههم شطر الأندلس· من ناحية ثانية كلنا يعلم أن الغرب بدأ نهضته الحديثة معتمداً على المنجز الحضاري والعلمي للحضارة العربية الإسلامية، وأخذ عن العرب والمسلمين الكتب والترجمات وما ورثوه من الحضارات السابقة التي قاموا بترجمة كتبها من اليونانية والرومانية وغيرها، حتى إن الجامعات الغربية عندما بدأت لم تجد كتباً لتدرسها سوى الكتب الموجودة لدى العرب فترجمتها الى اللغة اللاتينية التي تفرعت عنها في ما بعد اللغات الأوروبية الحديثة، لكن المشكلة أن الغرب ينكر هذه الحقيقة التاريخية وينظر إلى العرب بوصفهم جهلة، ويصفوننا بألفاظ لا تليق ولا ينبغي أن ترد في البحوث التاريخية، هذه النظرة الدونية إلى الآخر هي في تقديري الشرارة التي انطلق منها الصراع بين الشرق والغرب الذي لم يتوقف عند الشق الثقافي بل امتد إلى الجانب الديني، وبرز هذا واضحاً لدى غالبية المستشرقين الذين تعاملوا بغير إنصاف مع تراثنا وثقافتنا رغم الدلائل التاريخية العديدة التي تثبت فضل العرب على الغرب كما جاء في كتاب زونغريد هونكه الشهير ''شمس العرب تسطع على الغرب''، وهي واحدة من قلة من المستشرقين الذين تعاملوا بإنصاف مع العرب وصورتهم الحضارية· ؟ لكن هل المشكلة في عدم الاعتراف بالآخر أو بفضله التاريخي، وبالتالي يمكن أن ينتهي الصراع في حال حدث هذا الاعتراف؟ ؟؟ عدم الاعتراف بالآخر مشكلة كبرى تؤدي إلى الكثير من المخاطر وسوء الفهم، لأن الاعتراف بالآخر يدفعك إلى فهمه فهماً صحيحاً، ودراسته دراسة علمية قائمة على الحقائق، وعندها ليس ثمة مجال لسوء الفهم الذي يؤدي عادة إلى النزاعات والصراعات· إن الاعتراف بالآخر يجعلك أقدر على التعامل معه وفق قيم وأسس حضارية تؤسس لعلاقة ثنائية مثمرة وبناءة، وغالباً ما تكون علاقات متكافئة تتسم بالاحترام المتبادل، وهذا في رأيي هو العنصر الغائب في العلاقة بين الشرق والغرب أو بين العرب والمسلمين من جهة والأوروبيين من جهة ثانية· وتتميز الثقافة العربية الاسلامية بكونها ثقافة متعددة المنابع والإسهامات، والباحث الموضوعي يجد أن العرب لا ينسبون الفضل الحضاري والعلمي لهم وحدهم، بل يعترفون ويذكرون أنهم أخذوا عن الهنود والفرس واليونان والرومان، والحضارة الإسلامية ليست صنيعة العرب فقط بل شارك فيها كل المسلمين وغير المسلمين، وهذا ما لا يعترف به الغرب· لقد وجدت خلال قراءتي للتاريخ الإسلامي ان المسلمين اعترفوا بالديانات الأخرى، وعاش أهل الذمة بينهم معززين مكرمين وحقوقهم محفوظة وكرامتهم مصانة، وأما الجزية التي يرى فيها المؤرخون الغربيون نوعاً من الظلم أو غير المساواة فليست سوى جزاء يدفعه من لم يدخل في الجيش (لأنه لا يصح أن يحمي أرض المسلمين غير مسلم) وهي تؤخذ من القادر على حمل السلاح فقط ولا تؤخذ من مسن ولا امرأة ولا طفل· من جهة ثانية عندما فتح المسلمون الغرب لم يعتدوا على دور العبادة ولا دور العلم ولا النساء ولا حتى الحيوانات ولا الأشجار· هذه هي مبادئ الإسلام التي نعرفها حق المعرفة ويعرفها باحثو الغرب ومؤرخوه أيضاً، لكنهم يميلون إلى تعميم بعض السلوكيات التي يقوم بها بعض المسلمين على الإسلام كعقيدة ومنهاج حياة· بعضهم لاسباب سياسية والآخرون بسبب النظرة النمطية التي أشاعها المستشرقون ولعبوا دوراً كبيراً في ترسيخها وما تزال متمكنة الى الآن من عقول كثيرة· لقد درس المستشرقون اللغة العربية وأحوال العرب لكنهم كتبوا ما هو مخطط لهم وما يراد لهم أن يكتبوه لخدمة المصالح الاستعمارية في ذلك الوقت، وكانت النتيجة تشويه صورة العرب والمسلمين· فتش عن الاستعمار ؟ هذا يقودني للسؤال عن الخطورة التي تكمن في تحريف التاريخ، والأمانة العلمية التي ينبغي أن يتصف بها المؤرخ؟ ؟؟ في العصر الحديث ابتلي العالم العربي ومنه منطقة الخليج بالاستعمار، ووقع الخليج تحت حكم البرتغاليين منذ القرن السادس عشر، ما جعل تاريخنا كله مكتوب بأقلام غربية لأن السيطرة الاستعمارية كانت تحتاج في الوقت نفسه إلى سيطرة ثقافية· نحن كمؤرخين نعتمد في دراسة تاريخ المنطقة على الوثائق الغربية سواء البرتغالية أو البريطانية وهي للأسف لا تحمل التاريخ الحقيقي للبلاد ولا تعكس ثقافتها وعاداتها وتقاليدها أي تاريخها الثقافي لأنها في غالبيتها مراسلات وتقارير من قادة عسكريين، فضلاً عن ما تحفل به من تشويهات تحتاج إلى تصويب أو نقص يحتاج إلى إكمال وتوسع في البحث التاريخي العلمي، وهذا هو الدور الذي ينبغي أن يقوم به المؤرخ الخليجي وما تسعى إليه الجمعية· نحن مطالبون بكتابة تاريخ المنطقة وروايته رواية منصفة وحقيقية تنصف الإنسان وتضيء على دور قادتنا التاريخيين وتكشف عن الجوانب التي ما تزال غامضة· ؟ هل هذا جزء من الدعوة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة بأقلام أبنائها التي يتبناها غير قليل من باحثي الخليج؟ ؟؟ نعم، يجب أن يكتب تاريخ الخليج أبناؤه، فهم أعرف وأدرى بتاريخ المنطقة ولغتها وعاداتها وأهلها، خاصة وأن الأدوات العلمية والتطور التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال جعلت من السهولة بمكان الحصول على أي معلومة تاريخية يسعى الباحث إلى الحصول عليها ومن أي مكان· لا بد من غربلة كل ما كتب عنا واستكشاف الحقائق التاريخية وإبرازها ونشرها· وثائقنا وتاريخهم ؟ الوثائق ما تزال في حوزة الغرب، هل يمكن استعادة هذه الوثائق؟ ؟؟ لا··· الغرب لن يتخلى عن هذه الوثائق ليس فقط لأهميتها الثقافية والحضارية بل لأنها باتت مصدراً لا ينضب للحصول على الأموال، فالباحث في تاريخ الخليج يدفع الكثير من المال للحصول على وثيقة او معلومة تاريخية معينة، وكل 30 سنة تنشر جزء من هذه الوثائق· الغرب لن يعيد هذه الوثائق تماماً مثلما لن يعيد الآثار التي تمتلئ بها المتاحف الغربية التي أخذها المستمعرون من بلاد الشام ومصر وغيرها من دول العالم العربي إبان العهد الاستعماري· في جامعة إنديانا على سبيل المثال، وجدت من الكتب والمخطوطات النادرة ما لم أجده في أي مكتبة عربية أخرى، فما بالك بمكتبة الكونجرس أو مكتبات فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية أو حتى في تركيا· ؟ كيف يمكن أن تستفيد النخب الحاكمة في العالم العربي من نتائج البحوث والدراسات التاريخية لكي لا تظل جهوداً علمية مقتصرة على المتخصصين والمؤرخين؟ ؟؟ لا يمكن ان نفهم حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا إلا بفهم تاريخنا ووعيه، فعلى ضوئه نضع استراتيجيات الحاضر والمستقبل· ولنا نموذج في الحضارة العربية الإسلامية التي درست كل ما حولها من أفكار وقيم ومعتقدات وحقائق تاريخية ووقفت منها موقفاً نقدياً منفتحاً، فأجازت البعض واستثمرته واستفادت منه، ورفضت ما لا يخدمها في تطلعاتها وطموحها، وكانت أول شكل متكامل للدولة بمفهومها الحديث تنظم علاقات الأفراد والمجتمعات· كان ذلك يتم قبل الدولة الاسلامية عبر القبيلة التي كانت تقوم بمهام الدولة، ولما جاءت الدولة الاسلامية استفادت من هذه الوحدة الاجتماعية المهمة ونظمها وتقاليدها· نحن كمنظومة اجتماعية نضع قوانين تنظم علاقتنا مع الآخر وتنظم حياة الأفراد والمجتمعات وعلاقتهم بأصحاب القرار السياسي، ويأتي التاريخ ليكشف لنا كل جوانب الحياة صغيرها وكبيرها، ويضيء لنا الطريق الى المستقبل· والمقصود أن كل بناء يتأسس على ما سبقه، يطوره ويضيف إليه ويكمل نواقصه، وهكذا هي الحضارات تتواصل وتتشابك على مر التاريخ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©