الوجن و خورفكان ·· هكذا تكون السياحة في الوطن

بعد حوالي عشر سنوات من وصولي إلى أبوظبي وقيام اتحاد الإمارات العربية، كانت مظاهر نهضة عمرانية وزراعية جديدة قد بدأت تبدو واضحة فوق رمال الصحراء· كان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه'' يهتم اهتماماً خاصاً بإقامة القرى والمدن الجديدة في جميع مناطق الدولة·· وأخذت أسماء جديدة تظهر على خريطة دولة الإمارات لم تكن موجودة في الأصل· وكنا في الإعلام نلهث وراء تلك الخطوات السريعة للنهضة العمرانية والزراعية فلا نكاد نلحق بها إلا بصعوبة·· كانت هناك برامج خاصة تتابع تلك الإنجازات أشبه بالأفلام الوثائقية· لما كانت مثل هذه الأفلام التسجيلية لا تجتذب إلا عدداً قليلاً من المهتمين فقد كان على المسؤولين عن الإعلام في ذلك الوقت أن يهتدوا إلى أفكار جديدة لعرض هذه المنجزات والتعريف بها· وكان شهر رمضان في العادة يمثل قمة المشاهدة حيث يجتمع الناس حول برامج التليفزيون ويتابعون كل ما يقدمه من مسلسلات وأفلام وبرامج ترفيهية وغيره· في عام 1981 استدعاني الأخ عبدالله النويس وكان وكيلاً لوزارة الإعلام، ليطرح عليّ فكرة جديدة لمسلسل شعبي في رمضان أقوم بعمل سيناريو حلقاته·· وكانت فكرة المسلسل مثيرة·· مسابقات رمضان هذا العام تكون هي المسلسل·· وفكرة المسلسل تقوم على موضوع السياحة· اعتقدت للوهلة الأولى أن الأخ عبدالله النويس يريدنا أن نعرض للمناطق الأكثر جذباً للسياحة في العالم·· ولكنني فوجئت به يقول: سياحة في الوطن· قلت: سياحة في الوطن عنوان جميل·· ولكن يا أخ عبدالله من أين ستحضر ثلاثين منطقة لتمارس عائلة المسلسل السياحة فيها·· أنا شخصياً لا أعرف أكثر من اثنتي عشرة منطقة وربما لو بحثت لوجدت خمس عشرة منطقة·· ابتسم الأخ عبدالله ابتسامة الثقة وقال: ـ هذه المناطق موجودة·· ومعظمها مناطق جديدة وسأزودك بأسمائها وبمعلومات كافية عن كل منها وهذه المعلومات تظهر من خلال أحداث المسلسل الذي يتناول تفاصيل حياة أسرة من الإمارات تسكن في مدينة أبوظبي وتختار أن تقوم برحلة سياحية خلال شهر رمضان بحيث تزور في كل يوم إحدى مناطق السياحة في الدولة· كانت المهمة صعبة ولكن الفكرة كانت تستحق الجهد الذي بذل سواء من الأخ عبدالله أو من أسرة البرنامج والتي كانت تضم أسماء مثل سعيد النعيمي وأحمد منقوش والحيري وغيرهم· قرية الوجن وحتى أقوم بعمل السيناريو كان لابد من أن أقوم بزيارة لتلك المناطق قبل الكتابة عنها·· وعندما فعلت ذلك اكتشفت أنها فعلاً تستحق تسميتها بالمناطق السياحية وأدركت حجم التطور الذي حدث في الدولة وعظمة الإنجازات التي حققها القائد زايد بحرص شخصي ومتابعة يومية· كانت الحلقة تنتهي بسؤال المشاهد عن المنطقة التي تمت زيارتها ورأى معالمها من خلال زيارة أسرة البرنامج·· وكان السؤال يطرح شعراً·· فمثلاً كانت قرية الوجن من ضمن المناطق التي قام البرنامج بتقديمها وجاء السؤال شعراً كما يلي: جناح الحب يجعلني أحلق في سما وطني وأمرح في حدائقه فمن فنن إلى فننِ تعال انظر لبلدتنا لنا تعطي بلا مننِ زراعتها تزينها بلون أخضرٍ حسنِ مياه عذبة فيها شفاء النفس والبدنِ فسر للشرق نحو العين إن العين تجذبني وهذي بلدة بنيت بهمة قائدٍ فطنِ فيا من زارها أهلاً لتهنأ أنت في الوجنِ وطبعاً لم نكن نلفظ اسم المدينة ولكن المتتبع للشعر ومسيرة الأحداث في الحلقة يعرف أنها الوجن، أو من المفروض أن يعرف ذلك إذا أراد الفوز بالجائزة· حينما أقود سيارتي هذه الأيام متنقلاً بين الإمارات أعود للأيام الأولى التي كنا نقطع فيها المسافات الطويلة دون أن نجد حتى استراحة نتوقف فيها، فأدرك حجم إنجازات القيادة التي سابقت الزمن وحققت خلال سنوات قليلة ما لم تحققه دول أخرى في قرون· إن السياحة في الوطن الآن هي حلم زايد الذي تحقق، والعمل الذي بدأه وأكمله الخلف الصالح· كانت الوجن عندما زرتها لأول مرة أشبه ما تكون بحي صغير، أو حديقة كبيرة ،الآن هي مدينة صغيرة متكاملة يسود فيها اللون الأخضر·· وتشمخ البيوت الجميلة والشوارع الحديثة·· ومثل تلك القرى التي بدأت فكرة ثم تحولت إلى واقع حي يضم مئات بل آلاف السكان كثير في أنحاء الدولة·· إن الطرق التي بدأت تربط بين العاصمة أبوظبي والإمارات الشمالية عن طريق دبي وعن طرق أخرى منها العين مليئة بتلك القرئ والمدن الصغيرة التي تستحق الزيارة وتطيب فيها السياحة· قدّر لي أن أعمل في مجال السياحة فيما بعد وأن أقود واحدة من أكبر الشركات السياحية في المغرب والتي يملكها معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس الدولة· ولقد كان حلم صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك المغرب وما زال أن يصل عدد السياح إلى المغرب إلى عشرة ملايين سائح في مطلع عام 2010 ،وحتى نهاية 2008 لم يكن العدد قد تجاوز ستة ملايين سائح·· والمغرب كما يعرف الجميع لديها من عناصر الجذب السياحي الكثير حيث تتواجد فيها أعلى جبال في الوطن العربي·· الأطلس·· وأطول ساحل على المحيط الأطلسي وساحل آخر على البحر المتوسط ولديها السهول الخصبة والوديان·· والصحراء المترامية الأطراف·· يمكن أن يعيش السائح الفصول الأربعة في يوم واحد·· ولديها التاريخ العريق والأماكن المثيرة لشهية السياحة·· أما الإمارات فلم تكن تملك إلا البحر والصحراء·· ولكنها بفضل القائد الذي أحبها استطاع أن يجعل منها قبلة السياحة· وأن يصل عدد السائحين فيها إلى أكثر من عشرة ملايين سائح سنوياً· أشعر اليوم أننا أحببنا السياحة في الوطن لمواكبة إنجازات قائد عظيم فأحب العالم هذا الوطن وتوافد السياح إليه من كل مكان ليجدوا ما لم يكن موجوداً قبل زايد وما سيظل يذكرنا به· مدينة خورفكان عندما زرنا من خلال مسلسل سياحة في الوطن مدينة خورفكان·· كانت قصيدة السؤال تقول: هذا الهدوء وهذا الحسن ناداني وبالإقامة قرب البحر أغراني هذي المدينة كم تحلو زيارتها أنسى همومي بها والهم ينساني أمام عينيك بحر الحب مبتسم يزهو بأجمل خلجان وشطآنِ وأهلها الصيد لا أنسى ضيافتهم كأنني عندهم ما بين إخواني هذي المباني التي تختال ضاحكة في عهد نهضتنا تعتز بالباني بالورد والزهر زينّا حدائقها فرحب العطر بالقاصي وبالداني هذي المدينة تاريخ يقول لنا أجدادنا أمس صدّوا كل عدوانِ كانت لهم مرفأً واليوم نذكرها بكل فخر فهذي خورفكانِ وبالفعل كانت مدينة خورفكان وما زالت من أجمل المناطق السياحية في الوطن، ولكنها اليوم بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها النهضة العمرانية في دولة الإمارات العربية المتحدة نجدها أقدر على استقبال السياح بالفنادق الحديثة التي قامت فيها والإمكانيات الكبيرة التي أصبحت تتوافر فيها· لو أتيح الآن أن أعيد كتابة مسلسل سياحة في الوطن فأعتقد أن الأمر سيكون أصعب بكثير نظراً لتعدد الخيارات وتنوع العطاءات السياحية·· ولكنني واثق أن الفكرة الأساسية لن تتغير وهذه الفكرة التي وضعها أمامنا بوضوح تام المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهي أن السياحة ستكون أحد المصادر المهمة للدخل في الدولة وبمثل هذه المصادر المتعددة للدخل سنخلص من خطر الاعتماد على المصدر الوحيد للدخل في ذلك الوقت ألا وهو البترول· لقد عمل ''رحمه الله'' على بناء الأعمدة القوية للاقتصاد وسخر البترول وهو ثروة مؤقتة وناضبة لبناء تلك الأعمدة وقد نجح·· وها هي السياحة في الدولة تشكل الآن واحداً من أهم هذه الأعمدة الاقتصادية· رحمه الله·· أراد أن تكون الإمارات منطقة جذب سياحي·· وقد تحقق هذا الهدف في حياته وسيستمر في التنامي والازدهار في عهد خلفه العظيم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ''حفظه الله'' وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان·