السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منطقة اليورو.. والدروس الأميركية

17 فبراير 2018 22:35
تبادل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكير ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون هذا الأسبوع الانتقادات الحادة حول مدى اعتزام الاتحاد الأوروبي الدفع باتجاه تنفيذ أجندته التكاملية. وخلال تصريح أدلى به جونسون الأربعاء الماضي، اتهم الاتحاد الأوروبي بأنه يسعى لتشكيل «دولة أوروبية موسعة». وقال جونكير في ردّه على هذا التصريح: «هذا ليس صحيحاً، لأنني ضد إنشاء دولة أوروبية موسعة، ولأننا لسنا الولايات المتحدة الأميركية». ويبدو هذا التجاذب الكلامي مربكاً للاقتصاديين. خاصة لأن المشكلة لا تتعلق بمستوى التكامل الذي تسعى أوروبا لتحقيقه، بل بمدى التماسك الذي يتطلبه الأمر من أجل الإبقاء على النظام المؤسساتي القائم الآن في أوروبا، بما في ذلك الاتحاد النقدي ومنعه من الانهيار، ويكمن الخطر الآن ببقاء منطقة اليورو وكأنها مؤسسة في منتصف الطريق، وهي معرضة لتكرار أزمة الديون السيادية التي شهدناها في بداية العقد الجاري. ووصف جورج أسبورن وزير الخزانة الأسبق عن حزب المحافظين الوضع الراهن بأنه: «المنطق غير المقبول للاتحاد النقدي الأوروبي». وحتى تتمكن منطقة اليورو من تحقيق النجاح، فإنها تحتاج إلى ميزانية عمومية من أجل دعم الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية صادمة. وهناك حاجة أيضاً لاستكمال الأسس التي يقوم عليها الاتحاد المصرفي بحيث يمكن للحكومات الأوروبية المنفردة أن لا تبقى وحيدة أثناء مواجهة أزماتها المالية، وبكلمة أخرى: تحتاج منطقة اليورو لأن تصبح أكثر شبهاً بالولايات المتحدة، ليس لمجرد أنها ترغب في ذلك، بل لأنه من الضروري أن تكون كذلك. لكن هذه الدعوات تتغافل عن الإشارة لمستوى النجاح الذي حققته منطقة اليورو خلال أقل من عقدين من تأسيسها. وجاء في تقرير جديد نشره الاقتصاديان جاكوب كيركجارد وآدم بوسين، من «معهد الاقتصاديات الدولية»، أن سرعة تحقيق التكامل في أي منطقة نقدية تُعدّ عاملاً مهماً. ويرى الاقتصاديان أن التطور المستقبلي سوف يكون بطيئاً، وسيتعلق العامل المهم بالقدرة على مقاومة تفكك وانهيار المنظومة المالية، التفكك الذي يُحتمل حدوثه وخاصة خلال الأيام العصيبة. ووفقاً للعديد من الاعتبارات، يمكن القول، إن منطقة اليورو حققت مكانة أفضل من تلك التي حققتها الولايات المتحدة عندما مرت بنفس المرحلة من التطور المؤسساتي. ولم تتمكن الولايات المتحدة من تأسيس نظام الخزينة الفيدرالية إلا بعد محاولتين فاشلتين في القرن التاسع عشر. وحتى «قانون الخزينة الفيدرالية لعام 1913» لا يضع وصفاً للطريقة التي سيواجه بها نظام الخزينة الفيدرالية الأزمات المالية الكبرى. وبخلاف ذلك، كان البنك المركزي الأوروبي تمكن من تأسيس نفسه وأثبت جدارته ووجوده كإحدى أهم المؤسسات ذات السياسة المالية الرائدة في العالم. صحيح أيضاً أن هذا البنك يفتقر للمرونة الكافية لمواجهة الأزمات بالمقارنة مع بعض البنوك والمؤسسات المالية النظيرة، بما فيها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وعندما أصبح البنك المركزي الأوروبي تحت إشراف ماريو دراغي، استطاع ابتكار مجموعة من أدوات التخطيط المالي التي ساهمت بشكل فعال في التخفيف من مخاطر انهيار الاتحاد النقدي، وخلال العامين الماضيين، تحمل البنك المركزي الأوروبي مسؤولية الإشراف على أضخم البنوك في منطقة اليورو. وفي الوقت الذي يحمل فيه عدد كبير من المستثمرين الماليين الاعتقاد بأن المجال لا يزال مفتوحاً أمام استحداث المزيد من التطورات، إلا أن القليلين منهم فحسب يشككون في أن تكون «الآلية الإشرافية المنفردة» على البنك وجدت لتبقى. والفارق الأكبر بين النظام المالي الأميركي ونظام منطقة اليورو يتعلق بالطبع بقضايا مالية مهمة، ومنها أن الاتحاد المالي الأوروبي لم يتمكن حتى الآن من لعب الدور الذي يلعبه رئيس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة ألكسندر هاملتون الذي نجح في مهمة دمج الديون في عموم الولايات الأميركية ضمن النظام المالي الجديد للحكومة الفيدرالية. وكان لفكرة «القدرة المالية العامة» أن تستثير مشاعر الغضب في الدول الأوروبية التي عرف عنها حصافتها في إدارة الشؤون المالية، مثل ألمانيا التي تتخوف من أن تقع على عاتقها مسؤولية دفع المزيد من الأموال لدعم الدول الشريكة التي تشتهر بالتبذير. ولقد أثبتت المقارنة التاريخية للسياسات المالية الأميركية والأوروبية أن منطقة اليورو لا زالت بعيدة جداً عن أن تمتلك نظاماً مالياً اتحادياً، رغم أن الولايات تمتلك منذ عدة عقود مثل هذا النظام، لكنه لا يزال بعيداً جداً عن حالة الاكتمال. وتقدم الدراسة التي وردت في التقرير اقتراحات مفيدة للطريقة المناسبة التي تضمن لمنطقة اليورو تحقيق التطور الذي تنشده، وربما لا يفكر «جونكير» بالفعل في إنشاء دولة أوروبية عظمى، إلا أن هناك القليل من الشك في أن تتمكن منطقة اليورو من تحقيق التطور والازدهار الذي تنشده، ويتحتم عليها الآن أن تستقي المزيد من الخبرة التي تتمتع بها أميركا في هذا المجال. *محلل إيطالي متخصص في الاقتصاد الأوروبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفِس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©