الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رشيدة داتي والمهام الصعبة في أجندة ساركوزي

رشيدة داتي والمهام الصعبة في أجندة ساركوزي
4 يوليو 2007 01:43
بينما تتهيأ الحكومة الفرنسية الجديدة لطرح إصلاحاتها المحافظة الخاصة بمكافحة الجريمة على البرلمان خلال الأسبوع الجاري، ستكون المدافعة الأولى عن تلك الإصلاحات سيدة مسلمة ذات عيون واسعة ترعرعت في وسط متواضع· ومع أن خلفيتها الاجتماعية كوزيرة في الحكومة الفرنسية تبدو مخالفة للمعتاد، وتجربتها السياسية قليلة، إلا أن وزيرة العدل ''رشيدة داتي'' أثبتت فعلاً أنها قادرة على كسر الحواجز وتخطي العقبات· فالسيدة ''داتي'' هي أول وزيرة تنحدر من أصول تعود إلى شمال أفريقيا، وهي أيضاً واحدة من سبع نساء يتولين مناصب وزارية، أو تعادلها في أكثر الحكومات تنوعاً في تاريخ فرنسا· وكطفلة من بين 12 أخا وأختا لأب مغربي وأم جزائرية تعتبر ''رشيدة داتي'' ضيفاً جديداً وغير مألوف على نادي النخبة السياسية المسيحية في فرنسا، التي مايزال يهيمن عليها العنصر الذكوري· ولا شك أيضاً أن انطلاقها من حي سكني مكتظ بالسكان في الضواحي ووصولها إلى أروقة السلطة الراقية في فرنسا يعد في حد ذاته حدثاً فريداً، لا سيما في بلد يعتبر فيه الترقي الاجتماعي أمراً نادراً بالنسبة للأشخاص الذين ينحدرون من أصول مهاجرة· وهي لهذا السبب ينظر إليها كقصة نجاح حقيقية تنتمي إلى الأقليات، وكشهادة دالة على قيمة المثابرة والعمل، فضلاً عن كونها التلميذة النجيبة لـ''نيكولا ساركوزي'' وتجسيداً واضحاً لرؤيته المثالية عن فرنسا والديمقراطية القائمة على الاستحقاق· ويذكر أن العرب المنحدرين من المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال فرنسا توافدوا على فرنسا للاستقرار بأعداد كبيرة طيلة الخمسين سنة الماضية، وتشير التقديرات إلى أنهم يشكلون اليوم 10% من مجموع السكان· ورغم أن عدداً منهم نجح في مجالات الرياضة والفن، مايزال أمامهم الكثير لتحقيق نجاح مماثل في ميادين السياسة والأكاديميا والأعمال· لكن يبدو أن العقبات التي غالباً ما تقف حجر عثرة أمام العديد من عرب فرنسا لم تحل دون وصول ''داتي'' إلى هدفها في تحقيق النجاح· ''حكيم القروي''، ناشط، إلى جانب ''داتي''، في مجال الاهتمام بالمهاجرين يقول عنها ''إنها تمثل جيلاً جديداً من الأشخاص الذين يملكون الطموح والشهادات الجامعية ويطالبون بالمعاملة على قدم المساواة''· وخلافاً للعديد من الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الأقليات، وجدت ''رشيدة داتي'' نفسها مناضلة في الجناح ''اليميني'' للسياسة الفرنسية· وتدين ''داتي'' بصعودها السريع إلى أروقة السلطة الفرنسية إلى قوة تصميمها، فضلاً عن شبكة من العلاقات المهمة بدأت منذ كانت طالبة في المدرسة تدبج الرسائل للشخصيات المشهورة، التي كانت تقرأ عنهم في المجلات· فقبل خمس سنوات عندما كانت ''داتي'' قاضية مبتدئة في إحدى المحاكم الواقعة في ضاحية مهمشة كتبت إلى ''ساركوزي''، الذي كان وقتها وزيرا للداخلية، وتلخصت رسالتها في:''إنك تحتاجني''· وبعد الرسالة الثالثة وافق ''ساركوزي''، الذي يعتبر هو الآخر ابن مهاجر، على رؤيتها، وفي 2002 ضمها إلى فريقه لتحسين صورته لدى الأقلية العربية والأفريقية في أحياء الضواحي التي يقطنون بها· وعندما ترشح ''ساركوزي'' في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت ''داتي'' المتحدثة الرسمية باسم حملته الانتخابية· لكن حضورها البارز في حملته الانتخابية لم يسهم كثيراً في محو صورته السلبية لدى المهاجرين، حيث يذكره الناس بأنه السياسي الذي وصف الشباب ''بالحثالة''، مضيفاً الى ذلك بأن المسلمين في فرنسا ''يذبحون الخراف في أحواض الحمام داخل بيوتهم''· لكن مع ذلك حازت ''داتي'' بعض التقدير لدورها المهم في التواصل بين ''ساركوزي'' والأقليات· ''لقد كانت بسيطة وطبيعية وتلقائية، وهي تصغي إلينا'' يقول ''ناجي حميدة''، أحد النشطاء في ضاحية ''أرجونتي'' التي أطلق فيها ''ساركوزي'' عبارته المسيئة للشبان المتظاهرين· واليوم يتعين على ''داتي'' في منصبها الرفيع كوزيرة للعدل أن تروج لبرنامج ''ساركوزي'' المتشدد في تطبيق القانون وحفظ النظام يعتبره اتحاد القضاة الفرنسيين بأنه قاسٍ وقمعي· ويطرح البرنامج اقتراحات مثل فرض عقوبات أطول على من يكرر المخالفات، فضلا عن تشديد عقوبة السجن بالنسبة للمراهقين· وتعمل ''داتي'' أيضا على الترويج للاقتراح المثير للجدل المتعلق بالتمييز الإيجابي الذي يسعى ''ساركوزي'' إلى تطبيقه في سوق العمل· وخلال إعلانه عن تعيين ''رشيدة داتي'' في الشهر الماضي صرح ''ساركوزي'' بأنه اختارها لتولي منصب وزيرة العدل ''حتى لا يخامر أحد في الضواحي أدنى شك بأن فرنسا تطبق معايير واحدة للعدل وتسري على الجميع بشكل متساوٍ''· وكانت ''داتي'' قد ولدت في حي متواضع لأب يعمل في البناء، حيث أرسلها والدها مع أخواتها الأصغر منها إلى مدرسة كاثوليكية· وخلال درس التربية الدينية أقنعت أساتذتها بقراءة آيات من القرآن مرة في الأسبوع لمناقشتها مع زملائها في الفصل· وفي سنها الرابعة عشرة، حسب قولها، كانت تتردد على البيوت لبيع مستحضرات التجميل، ثم عملت بعد ذلك كمساعدة ممرضة في أحد المستشفيات· وبينما كانت تدرس الاقتصاد في جامعة ''ديجون'' لفت انتباهها خبر في الجريدة يفيد بأن السفارة الجزائرية تنظم حفل استقبال على شرف وزير العدل وقتها ''ألبين سالوندو''· وبعد إلحاحها حصلت على دعوة للحضور وطلبت منه مساعدتها في الحصول على عمل جيد، حيث وصف لقاءها به في جريدة ''لوموند'' قائلاً ''لقد شعرت بأنها شعلة متوقدة من النشاط والحيوية''، وقال لها حينئذ ''إني سأساعدك على وضع القدم الأولى على السلم، وعليك أن تثبتي بأنك قادرة على وضع القدم الثانية''· ولم يكن وزير العدل السابق ''سالوندو'' سوى واحد من الشخصيات المهمة من مسؤولين ومديري شركات كبرى ممن سعت ''رشيدة داتي'' إلى التقرب إليهم والحصول على دعمهم· وفي العام 1997 وبنصيحة من أصدقائها تقدمت إلى معهد القضاء الوطني المرموق للدخول إلى سلك القضاء وضمان مكانتها الاجتماعية اللائقة في المجتمع الفرنسي· وهكذا نجحت في الحصول على مقعد في المعهد وعملت لفترة سنتين كقاضية متخصصة في قضايا الإفلاس والغش المالي· لكن فرصتها الحقيقية جاءت عندما قام ''ساركوزي'' بزيارة أثارت الكثير من الجدل إلى ضاحية ''أرجونتي'' تعرضت سيارته الرسمية خلالها للحرق· حينها وبعد أيام قليلة على ذلك الحادث شكل ''ساركوزي'' لجنة للانكباب على شؤون الضواحي وكلف ''داتي'' بالعمل فيها· وطيلة سنة كاملة من العمل الدؤوب استطاعت ''رشيدة داتي'' فتح قنوات التواصل مع شباب الضواحي وإقناعهم بضرورة الانخراط في العمل السياسي واستغلال الفرص التي يتيحها القانون الفرنسي للصعود وتحقيق النجاح· سوزان ساش مراسلة ''كريستيان ساينس مونيتور'' في فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور'' --------
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©