الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الولايات المتحدة الأفريقية··· الحلم والواقع

5 يوليو 2007 02:57
في اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي التي انتهت فعالياته يوم أول من أمس بالعاصمة الغانية أكرا، أطلق الزعيم الليبي معمر القذافي دعوته المفاجئة لقيام الولايات المتحدة الأفريقية· واختيار القذافي ''أكرا'' مسرحاً لانطلاق الدعوة من حيث الرمز له معناه وبعده التاريخي· فمن هذه العاصمة الغانية التي كانت يوماً إحدى منارات الضوء والأمل في أفريقيا، جاء الزعيم الأفريقي التاريخي ''كوامي نكروما''، ومنها حمل رسالته ودعوته لوحدة القارة· وقد كان ''نكروما'' أحد بناة ومؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية، وكان بحق أحد الأعمدة الأربعة التي اعتمدت عليها حركة التحرر الوطني الأفريقية· وكان بحق أيضاً أحد مفكري أفريقيا العظام، وأحد رواد العدل والتقدم المهتمين بشقاء وبؤس شعوب أفريقيا· ومنذ الأيام الأولى لإعلان استقلال بلده وتسلمه مسؤولية القيادة الوطنية فيها، حدد للجمهورية الفتية دورها في القارة· أن تكون طليعة ونموذجاً لحركة ودعوة وحدوية، وجاهد واجتهد في تقديم المشروعات العملية التي تقود إلى وحدة بلدان وشعوب القارة، وكان حرصه على إزالة وتحطيم أسوار الجغرافيا والتاريخ بين شعوب الشمال الأفريقي العربي وبقية إخوانهم في أركان القارة الثلاثة أحد أبرز سمات سياسته الوحدوية الأفريقية، والتي شكلت حتى حياته الشخصية· وقد دفع ''نكروما'' الثمن الغالي بالانقلاب العسكري الذي وقع وهو خارج بلاده! ومنذ ذلك الزمن الذي يبدو بعيداً اليوم، مرت بغانا وأفريقيا أحداث وأحداث ووقعت فيهما مآس وكوارث وأزمات، وفي الجانب الإيجابي انتصرت حركات التحرر الوطني إن لم يكن في كل أفريقيا ففي معظم بلدانها، وأصبح كثير من ''الثوار'' حكاماً،سقط بعضهم في الطريق، واستمر قليل منهم تراودهم أحياناً أحلام وآمال ذلك الزمن الجميل· وحلت منظمة الوحدة الأفريقية نفسها وأصبح الاتحاد الأفريقي، وهذا الأخير هو أيضاً من مبادرات الزعيم الليبي معمر القذافي صاحب الدعوة - المبادرة الجديدة لقيام الولايات المتحدة الأفريقية· إن الحلم والأمل هما أحد مكونات النفس البشرية ومحصناتها التي دفعتها عبر الزمان ليحقق الكائن البشري -الإنسان- كل هذه الإنجازات الرائعة التي عمرت الكون وجعلت للحياة قيمة تستحق أن يكافح وإن يسعى من أجلها الإنسان·· لكن على أرض الواقع لا يمكن للحلم والأمل - أي حلم وأي أمل -أن يتحققا من دون أن يسعى الإنسان سعياً حثيثاً وعملياً· كان الزعيم الأفريقي العظيم ''كوامي نكروما'' أيضاً يحلم بوحدة أفريقية تضم شتات دول ودويلات القارة الممزقة، ولكنه في الوقت ذاته هو ورفاقه الآباء المؤسسون كان يرى واقعاً لابد من تخطيه وصنع واقع جديد في أفريقيا، يقود إلى تحقيق وحدتها عبر مشروعات قارية تمهد الطريق للوحدة· شركة الطيران الأفريقية ''بان أميركا إيرويز''، الطرق البرية السريعة التي تربط بين بلدان القارة، مجالس وهيئات التكامل الاقتصادي التي تمنح أفريقيا فرصة لتقوية ودعم اقتصادياتها أمام المنافسة الشريرة للعالم الأول، تنسيق ثم توحيد المناهج التعليمية بين البلدان الأفريقية··· إلخ· ولقد كان الحلم يبدو ممكن التحقيق! اليوم وأمام واقع أفريقي شديد التعقيد متعاظم البؤس، كيف يتسنى للناس أن يفكروا في قيام ولايات متحدة أفريقية، في وقت عجز فيه الاتحاد الأفريقي القائم عجزاً واضحاً جلياً عن حل أزمات خانقة وكوارث، تبدو جلية للعيان في دارفور والصومال مثلاً؟! في حساب الواقع المر المعاش، تبدو الآن الأولوية المطلوبة ليست لقضية الولايات المتحدة الأفريقية، بل للحفاظ على ولضمان عدم انهيار أوطان أفريقية قائمة ومعرضة للتمزيق والانهيار، وليس السودان إلا نموذجاً شاء له القدر أن يكون على واجهة صورة الواقع الأفريقي البائس· وعندما يركز مؤتمر ''أكرا'' نشاطه وفكره حول قضية الولايات المتحدة الأفريقية (وهي دعوة وقضية نبيلة حقاً)، ففي ذلك كما قال مواطنون أفريقيون عاديون هروب إلى الأمام من مواجهة قضايا أفريقيا الساخنة والمتفجرة اليوم، والتي يفرد لها المجتمع الدولي المؤتمرات والاجتماعات العالمية· قضايا الفقر الأفريقي والأيدز والملاريا والدرن وحروب القارة القبلية والأهلية، التي تبدو مساهمة الاتحاد الأفريقي فيها دون المستوى المطلوب، واهتمامه بها دون اهتمام العالمين الآخرين! وليس في هذا تقليل من شأن مبادرة الزعيم الليبي ودعوته للولايات المتحدة الأفريقية، ولكن قضايا الواقع الأفريقي الراهنة اليوم أجدر وأحق باهتمامه واهتمام زملائه القادة الأفارقة· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©