الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رفض الزواج من مود ومات فخوراً بعروبته

رفض الزواج من مود ومات فخوراً بعروبته
6 يوليو 2007 01:46
القروي هو الاسم الذي اشتهر به الشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري 1887 ـ 1984 الذي رحل عن عالمنا في ثمانينيات القرن الماضي عن عمر ناهز القرن من الزمان كان حافلاً بكل مظاهر العطاء والإبداع· كان الشاعر القروي قومي النزعة، فخوراً بعروبته وانتمائه، ولم يكن متعصِّباً دينياً أو إقليمياً أو مناطقياً· بعد أن هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كغيره من شعراء بلاد الشام لمدة تنوف على الأربعين عاماً، كان خلالها يعمل كادحاً كأي مهاجر، حيث إنه ينتمي إلى صفوف العمال الذين يصارعون الحياة للحصول على قوتهم اليومي؛ إذ كان شاعرنا يحمل القماش على ظهره بأحزمة جلدية، ويجول مناطق وأحياء عدة في البرازيل لكسب لقمة العيش بشرف وكرامة· أما عن هجرته إلى البرازيل فإنه قال واصفاً بدايتها: أبحرت برفقة أخي ''قيصر'' عام 1913 متجهاً إلى البرازيل، وذلك بعد أن تلقيت دعوة من عمي اسكندر الذي كان يعمل قبطاناً في ''الجيش البرازيلي'' مرفقاً معها المال اللازم لهذه الرحلة· ولدى وصولي إلى البرازيل صرت أتنقل من مدينة إلى أخرى حتى استقر بي المقام في مدينة اسمها ''صنبول''· هناك، وفي ذلك المنفى البرازيلي، ضاق الحال به واشتد الضيق عليه نتيجة بُعده عن وطنه؛ فلجأ إلى القصيدة لينفث من خلالها زفراته وأحزانه وهمومه· أما عن السبب الرئيسي لهجرة الشاعر فلم يكن سوى الحاجة إلى المال، حيث نجد الفاقة والفقر دافعين قويين لهذه الهجرة، إضافة إلى الحالة السياسية والاقتصادية التي كانت قد بسطت بغلوائها على وطنه لبنان· في بلاد المهجر بقي دائم الحنين إلى مسقط رأسه مدينة البربارة، ولم تبرح مخيلته صورة بلاده ووطنه العربي الكبير الذي بقي يتغناه ويعتز به، ويكتب فيه ومن أجله أرقّ القصائد وأصدقها، وكان يترصَّد أخبار الوطن، ويؤيد ثوراته التي تقوم ضد المستعمرين في أية بقعة من الوطن العربي، فعندما قامت ثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب بسوريا ضد الاستعمار الفرنسي غمرته فرحة كبيرة، بل راح يؤيدها بأشعاره، وفي ذلك يمتدح سلطان باشا الأطرش ويقوي من معنويات الثوار قائلاً: فيا لك أطرشاً لما دعينا لثأر كنت أسْمعنا جميعا كان رشيد سليم الخوري شغوفاً وذا اهتمام بالغ بما كان يدور على أرض الوطن، وكذلك نراه في نظرته للحياة، والاقتران بزوجة تكون رفيقة العمر، فإنه اشترط عليها أن تكون من قومه العرب، وعندما أحبته تلك الفتاة الغربية التي كان اسمها ''مود'' رفض أن يتزوجها وخاطبها شاعراً: ولو لم تكوني فرنجية لكنتِ سُعادي قبل سعادي لعمرك يا مود لولا ذووك لما فرَّق الحبّ بين العباد ويستمر في القصيدة الرائعة حتى يقول: ''ولكني عربي الهوى عربي الفؤاد''· ومن المعروف أن شاعر القروي مات فقيراً أعزب ولم يتزوج، وفي أثناء حياته رفض الكثير من الهبات والمساعدات المالية من أطراف عديدة، والتي جاء بعضها من زملائه الشعراء المهاجرين الذين اقترحوا أن يبنوا له بيتاً في البرازيل لكنه رفض، بل أرجع مساعدة مالية من قبل ''وزير الأوقاف المصري'' حينها وأحالها إلى ''وزارة الحربية'' في مصر، وقال حينها ''إن الأديب يبيع نفسه عندما يأخذ أجراً مقابلاً''، وعندما عاد إلى وطنه هتف شوقاً إلى بلده: بنتُ العروبة هيِّئي كفني أنا عائدٌ لأموت في وطني بالفعل عاد القروي إلى وطنه كي يموت في ترابه الذي عشقه حدَّ الثمالة، وكان يحنُّ إليه دائماً، ويتمنى أن يدفن فيه· فارق شاعرنا الحياة وهو في طريقه بالسيارة متوجهاً إلى قريته ''البربارة'' صباح أحد أيام عام ·1984 وكانت وصيته، على طرافتها وغرابتها، دالة على شخصية مزدوجة؛ فمن خلال هذه الوصية يتضح أن الشاعر لم يكن مسيحياً خالصاً، لأنه خلط ما بين ولائه للديانة المسيحية والديانة الإسلامية، وفي تلك الوصية التي كتبها بخط يده طلب أن يُصلى على جثمانه شيخ مسلم وكاهن مسيحي، والاقتصار على تلاوة الفاتحة والصلاة المسحية· كما طلب أن ينصب على قبره شاهد خشبي متين في رأسه صليب وهلال متعانقان كرمزين للديانتين المسيحية والإسلامية، ونعلم أن القروي مسيحي الديانة إلا أنه اتخذ من الإسلام دين عروبة وسبيلا له في الحياة· هكذا رحل هذا العلم الشامخ من أعلام الشعر والفكر العربي في قرية البربارة، تلك القرية اللبنانية الوادعة، ولكنه سيبقى رمزاً من رموز العربية ما بقي الأرز والبحر، بل ما بقي الجبل وبقي لبنان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©