الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جواد الأسدي: المسرح جنّة المدن وبوابتها الواسعة إلى التحقق الثقافي والحضاري

جواد الأسدي: المسرح جنّة المدن وبوابتها الواسعة إلى التحقق الثقافي والحضاري
19 ديسمبر 2012
أثارت محاضرة المخرج المسرحي جواد الأسدي عن “المسرح الإماراتي وجيل جديد” التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، على هامش دورة إعداد الممثل التي تقيمها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع التي يديرها الأسدي، أسئلة جوهرية عن علاقة الإنسان بالمسرح، بل علاقة المدينة نفسها بالمسرح، والعلاقة المحلوم بها بين المسرح والجمهور، وطغيان الترفيهي والتسلوي الذي يعمق كل يوم أزمة الثقافة الجادة بكافة أشكالها بشكل عام، ويكرس غربة المسرح على نحو خاص. كما أثارت جدلاً واسعاً لا تتسع المساحة لإيراده. وتميزت الأمسية، التي قدمها وأدارها الشاعر والفنان التشكيلي محمد المزروعي، بالصراحة والمكاشفة، ولمست مناطق عميقة تستحق النظر فيما يتعلق بالمسرح الذي طالب الأسدي بتوفير كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي له، ووضعه على سلم أولويات وزارات الثقافة في العالم العربي، وتفعيل هذه الوزارات لا سيما لجهة الاهتمام بالشباب وتدريبهم واكتشاف قدراتهم وطاقاتهم التي يمكن أن تتفتح من خلال الورش الفنية، شريطة أن تتميز هذه الورش بالاستمرار والديمومة. وأكد الأسدي أن المدن العربية تختلف عن المدن الأوروبية في علاقتها بالمسرح، حيث يعتقد الأوروبيون أن سحر المدينة يمرّ عبر وزارة الثقافة. مشيراً إلى أن من الضروري ترسيخ فكرة أن الثقافة والمسرح هما المفتاح إلى جنّة المدن الحديثة. وقال “لكي يكون لأي دولة قيمة في العالم، ولكي يكون لها تاريخ ووجود، ولكي تكون جنّة مدنيّة حقيقية، أظن أن عليها أن تعتبر المسرح ضمن أولوياتها، وأن تترسخ لدى القائمين على وزارات الثقافة فيها قناعة بأن هذا الفن هو البوابة الواسعة نحو حضورها الثقافي والحضاري والجمالي”. ولفت الأسدي إلى الفارق التاريخي والمعرفي بين جمهور المسرح في الدول الأوروبية والجمهور المسرحي في العالم العربي، وشدد على أن المسرح العربي يمر بإشكالية خطيرة في علاقته مع الجمهور، الذي يعزف عن المسرح الجمالي ويقبل على العروض السطحية ما دفع المخرجين أو الكتاب لإعادة التفكير بنوع من الكتابة المسرحية أو الإخراج المسرحي تقارب الجمهور ولا تخسر جماليات المسرح، معتبراً أن هذه طامة حقيقية، وهذا خلاف لما يحدث في المدن الشهية، المدن الموغلة في المعرفة، التي اعتاد سكانها على أن يكون المسرح جزءاً من حياتهم اليومية، ومن أولوياتهم التي تجعل الواحد منهم مرفوعاً روحاً وجسداً وإنساناً على عروض ذات قيمة وذات معنى.. وقال آسفاً “كلما كنت جمالياً وفاتناً، وكلما أوغلت في إنجاز عرض على سوية جمالية عالية، وكلما كنت ترسم مع أجساد الممثلين وأرواحهم منحوتات ذات قيمة وذات معنى.. كلما انفكّ عنك الجمهور بشكل غير مسبوق، والعكس صحيح.. فالعرض السطحي الذي يحمل إشارات بدائية سواء كانت جنسية أو غريزية يقبل عليه الجمهور بشكل عجيب. ومن هنا تأتي تلك الغربة الهائلة في كل شيء: غربة النص، غربة الإخراج، وغربة المسرح”. موجوعاً بعشقه المسرحي، مطارداً بهذا الشغف الجميل كان الأسدي وهو يتحدث عن المسرح الذي يشتهيه، عن عرض يرميه على الخشبة ليتصل بكل ما في روحه من قدرة، بل بضراوة شديدة، مع الناس.. عن مسرح يتميز بأعلى درجات التوجس، ويتلمس إمكانيات الاشتباك بين حساسيات الناس وحساسيات النص. عن نص راهني مرمي على أجساد ممثلين شغوفين بالمسرح، معرفيين، لديهم مرجعيات جمالية عالية، يعرفون كيف يطبخون التشكيلي مع الموسيقي مع الغنائي مع الأدائي مع التعبير الجسدي في طبخة عالية المذاق، وأن يرمى هذا العرض بكل حرارته إلى جمهور نوعي لم يفسد بكوكتيل التلقي الساذج أو البدائي. ومخلصاً ومحباً كان الأسدي في كل ما قاله عن المسرح، سواء في الإمارات أو العالم العربي، ولا غرابة فبينه وبين المسرح الإماراتي علاقة روحية لم تنفك عراها منذ ثمانينيات القرن الماضي، تلك السنوات السمان، التي شهدت نشاطاً مكثفاً في تنظيم الورش التدريبية التي خرج من أعطافها مسرحيون إماراتيون هم اليوم في الصفوف الأولى من المشهد المسرحي المحلي والخليجي.. تلك السنوات التي رمى فيها جواد الأسدي بذرة مسرحية أثمرت، وجمرة توهجت.. وها هو اليوم يفعل الشيء ذاته.. ينقب مثل غواص ماهر عن الطاقات الشبابية الدفينة لينفض عنها الغبار، فهل تتوهج جمرته هذه المرة أيضاً؟! أحمد راشد ثاني وفيّاً كان الأسدي، كعادته مع أصدقائه، حين افتتح الأمسية باستحضار الراحل الجميل الشاعر والمسرحي أحمد راشد ثاني الذي رأى فيه حالة ثقافية ومسرحية خاصة، في محاولة منه لتعريف الشباب المتدربين بإبداعه الشعري والمسرحي وتكوينه الفكري، مؤكداً أن عذابات أحمد هي السر وراء تميز نصه الشعري والمسرحي، مطلاً على عوالمه وأهميته وضرورة إبقائه حياً وحاضراً في الذاكرة، معلناً عن رغبته الحارقة وتوقه الشديد لمسرحة قصائده أو تقديم أحد نصوصه المسرحية على الخشبة.. ثم قرأ نصوصاً من قصائده التي عكست حساسية شعرية استثنائية يعرفها كل من قرأ وعايش أحمد راشد ثاني.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©