الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما هي أدوار الاجتهاد والتأويل في حياتنا العربية؟

ما هي أدوار الاجتهاد والتأويل في حياتنا العربية؟
15 مارس 2008 00:30
الدكتور توفيق شومر، نائب عميد كلية الآداب جامعة فيلادلفيا بالأردن، ورئيس قسم كلية العلوم الإنسانية، متخصص في فلسفة العلوم، ويهتم بقضايا التنمية وتطوير الفكر السياسي العربي· ''الاتحاد'' التقتهُ على هامش (الملتقى العربي حول الاجتهاد ـ الجزائر 2009) الذي عُقد مؤخراً في المكتبة الجزائرية، وحاورته حول سر اهتمامه بالموضوع باعتباره مسيحياً وتصوره لإعادة قراءة القرآن وتأويله وقضايا أخرى تطالعونها في ثنايا هذا الحوار· ü أنت مسيحي، فما الذي جذبك تحديداً إلى موضوع الاجتهاد الذي يقتصر عادة على فقهاء المسلمين وعلمائهم؟· - نحن نعيش في هذه البقعة العربية وجزء من العالم العربي، ونفتخر بذلك، والاجتهاد قضية محورية وأساسية في فهم الكثير من قضايا الأمة، ونعتقد أن هذه القضية لا تتعلق فقط بمن هو مسلم، بل بكل من يحيا في هذه الأرض، إضافة إلى أنها قضيةٌ فلسفية وليست فقهية تحديداً؛ الاجتهاد يتعلق بالعقل وبكيفية استخدامه للتفكير والبحث المستمر عن حلول لمختلف المشاكل التي نعاني منها· القضية الثانية أن الحضارة العربية الإسلامية العظيمة لم تفصل يوماً بين النصراني والمسلم، بل على العكس؛ ففي الدولة العباسية كان هناك وزراء مسيحيون، وكذا فلاسفة مسيحيون ومنهم يحيى بن عدي، وكان المترجمون الأساسيون إلى الفكر العربي الإسلامي مسيحيين كإسحاق بن حنين وحنين ابن إسحاق· تاريخياً، كان هناك اندماج بين قاطني هذه المنطقة سواء كانوا مسيحيين أم مسلمين، والتفرقة الدينية لم تنشأ إلا في العصر التركي حينما فرضوا على المسيحيين العرب نظام المُلَّة· وأثناء الحروب الصليبية، والتي كانت تسمى في الكتب العربية القديمة بـ (حروب الفرنجة)، كان المسيحيون العرب في صفوف الجيوش العربية المقاتلة ضد الغزو الإفرنجي الأوروبي، والفرنجة عندما أتوا على منطقة الرهى المسيحية في شمال سوريا، أبادوا سكانها المسيحيين، هؤلاء كانوا غزاة استعماريين لا علاقة لهم بالصليب والدين· ü اعتبرتم إنتاج علماء الكلام هو بداية الاجتهاد في الفكر الإسلامي، أليس في هذا إجحاف لمن سبقهم في هذا الميدان؟ ماذا عن المذاهب الأربعة؟ ولماذا تُقصرون الاجتهاد في التفلسف؟· - أودُّ أن أوضِّح مسألة مهمة جدا، فالمذاهب الأربعة حاولتْ أن تفسِّر النصوص القرآنية والأحكام ولم تتدخل فيما يُسمى القضايا اللاهوتية، ولم تتدخل مثلا في قضية (خلق القرآن) أو (صفات الله) أو (قضايا الوجود)، ومختلف القضايا الفلسفية الأساسية؛ أن تفسر قضية، وأن تدخل في نقاش فلسفي فيها· أنا أركِّز في علم الكلام على النقاش الفلسفي الجاد الذي قام به علماء الكلام العرب خلال فترة طويلة من الوقت· بالتأكيد بدأنا بمرحلة أولى باعتزال واصل بن عطاء (مجلس الحسن البصري)، وتشكيله فرقة المعتزلة التي اشتغلت بالعمل العقلي الجاد في النص القرآني وفي السنة النبوية، وكان لها مواقف مختلفة تماماً عمّا هو سائد اليوم في التفسيرات وفي فهم النص القرآني· وفي مرحلة متأخرة، وتحديداً في سنة 380 للهجرة، حدث أول انشقاق في فرقة المعتزلة بعد أن انشقَّ أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال، وأعلن قيام صنف آخر من الكلام استمر لمدة طويلة وكان يتناول مسائل مهمة إلى غاية القرن السادس الهجري، لكنه لم يعد معتزلياً بل أصبح أشعرياً مختلفاً، ثم حاول ابن تيمية تقديم رؤية شاملة جامعة لكل ما كان من أعمال السلف فجمعها وبوَّبها، وقال إنه لا جديد بعدها، وابن حنبل لم يغلق باب الاجتهاد، وكان بعده الكثير من علم الكلام والفقه والفلسفة· ü وهل تعتبرون التفلسف هو أرقى أنواع الاجتهاد؟· - بالتأكيد هو أرقى أنواع الاجتهاد، ولا سيما في صيغته المعتزلية وصيغة ابن رشد، حيث حاول استخدامَ البرهان كوسيلة لإثبات وجود الله أو للخوض في مختلف القضايا الدينية، أي مخاطبة غير المسلمين بالعقل ما داموا لا يؤمنون بالنقل· الآن نريد استيعاب التطورات الحاصلة في العالم، هناك معرفة منفجرة وواسعة جدا وجديدٌ في كل العلوم وكل فروع المعرفة، والخطاب الديني كأي خطاب يُقدَّم بلغة تتناسب مع المُتلقِّي؛ الخطاب الديني اليهودي قدِّم منذ 3 آلاف سنة وبلغة أسطورية لأنها اللغة السائدة آنذاك، والخطاب المسيحي قُدِّم بلغة تتناسب مع المتلقي في بلاد الشام قبل ألفي عام· ولأن هناك فلسفة قائمة وتجريداً، كانت اللغة روحانية بحتة، والإسلام خاطب الجزيرة العربية قبل 1429 عاماً بما تفهمه، ونحن ندرك تماماً أن اللهَ يعرف كل شيء، ولكنه لم يذكر في القرآن مسائل الاستنساخ أو إمكانية التخاطب بالصوت والصورة عن طريق الفضائيات والإنترنت لتفادي تكذيبها لأن هذه المسائل لا يمكن أن يستوعبها المُتلقِّي في الجزيرة العربية قبل 1400 سنة· ü تطالبون، في هذا الصدد، بإعادة قراءة النص قراءة كاملة في ضوء العلم الحديث، ما هو تصوركم لتحقيق ذلك؟· - هذه مهمة أساسية تتم على مستويين؛ القراءة الفلسفية لتراثنا العربي بشكل مُتبصِّر وببنائية اجتماعية كاملة: ما مُناسبة النزول؟· ما الظروف المحيطة بها؟· ما الأفكار التي كانت السائدة؟· كيف كان التعامل بين الناس؟· ما اللغة القائمة؟· وهناك المستوى الديني حيث إن الفقهاء والعاملين في قضايا الاجتهاد الديني يجب أن يطلعوا على آخر التطورات في علم اللغة والتحليل اللغوي وتفكيك اللغة، لأنهم بهذه الأدوات الجديدة يمكنهم أن يعودوا للاجتهاد، وهذه الأدوات كان يتكلم عنها علماءُ الكلام لكنها لم تُطوَّر، والآن لدينا علوم اجتماعية وإنسانية ونفسية متطورة ويجب على الفقهاء أن يلمُّوا بها ليستفيدوا منها في تفاسيرهم وبناء منظومتهم الفكرية· ü طالبتم بـ ''أربع ثورات'' لإنجاح الاجتهاد، وتفاديتم ''الثورة السياسية'' على الرغم من أن شرط الحرية يعدُّ أساسياً لأي اجتهاد، لماذا؟· - لا يمكن للمجتمع العربي أن يصل إلى تغيير مفهوم حقيقي في بنيته التفكيرية وفي تلقِّيه وتناولِه للمعرفة من حوله وللقضايا التي يعاني منها إلاَّ إذا دخل بثورات خمس هي: الثورة العلمية، الثورة المنهجية، الثورة المؤسَّسية، والثورة العقلانية، والثورة السياسية· والثورات الأربع الأولى لها علاقة بالاجتهاد أما الخامسة فهي سياسية· أنا مع ديمقراطية بمفهوم يتناسب وتراثنا وثقافتنا وعقلنا، كما أن لي تفكيراً مختلفاً حول مسألة الدولة، ما هي الدولة المناسبة؟ هل الدولة ''المُرَوْمَنة'' السائدة حالياً هي التي يجب أن نخضع لها؟ وأقصد الشكل الأموي المستمد من الشكل الروماني للحكم حيث يوجد جيش نظامي ودواوين عوض الأنموذج الراشدي حيث كان المسلمون كلهم جيشاً يهب للدفاع عن أراضيه تلقائياً إذا حدث غزو، وكان الإسلام بشكل الدولة - الثورة ثم ''ترومَنَ'' في العهد الأموي وفُصلت السلطة عن الشعب، ثم استمر هذا الانفصال إلى الآن، ويجب أن نفكر الآن؛ فقد لا يكون هذا الشكل ''المُرَوْمَن'' من الدولة مناسباً لنا، كثير من دول العالم تفكر في تغيير أنظمة الحكم فيها وبناء الدولة بالكامل بحسب الاحتياجات، وأنا لا أعرف ما هو النظام المناسب تحديداً، ولا أطرح نظاماً محدداً، ولكني أقول إننا نحتاج إلى التفكير بالنظام المناسب لواقعنا الاجتماعي· وأضيف أن الديمقراطية والحرية شرطان أساسيان للاجتهاد، ويجب أن نفكر ونجتهد في فضاء واسع، والآية القرآنية تقول اقرأ، وفي اية أخرى نقرأ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (الرحمن/33)· والآيات التي تحث على استخدام العقل والتفكير تصل إلى 527 آية قرآنية، وهذا حثٌ على الاستخدام المتواصل للعقل·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©