السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفهوم الثقافة قراءة فلسفية (1)

15 مارس 2008 00:31
يدلّ مفهوم الثقافة Bildung بوضوح بالغ، على التغيّر الثقافي العميق الذي يدعونا إلى تجريب القرن الذي عاش فيه جوتفريد غوته على أنه زمن معاصر لنا، بينما يبدو أن العصر الباروكي موغل في بُعده من الناحية التاريخية· وقد اكتسبت المفاهيم والكلمات الأساسية التي ما زلنا نستخدمها طابعَها، فإذا لم تكتسحنا اللغة، وإنما كنّا نكافح من أجل فهم ذاتي تاريخي معقول، يجب أن نجابه جمهرة من الأسئلة عن التاريخ اللفظي والتصوري· وفيما يلي، ليس بوسعنا غير الشروع بالمهمة الكبيرة التي تجابه الباحثين كمهمة تسعف بحوثنا الفلسفية· تتضمن مفاهيم من قبيل ''فن''، و''تاريخ''، و''إبداع''، و''رؤية للعالم''، و''تجربة''، و''عبقرية''، و''عالم خارجي''، و''جوانية''، و''تعبير''، و''أسلوب''، و''رمز''، هذه المفاهيم التي نتبناها كمفاهيم بدهية تتضمن ثروة التاريخ · إذا فكرنا ملياً في مفهوم الثقافة، الذي شدّدنا على أهميته بالنسبة للعلوم الإنسانية، يحالفُ يُمْنُ الطالعِ موقفَنا· وها هنا بحث سابق يمنحنا نظرة شاملة جيدة تتعلق بتاريخ الكلمة: أي أصلها في التصوّف في القرون الوسطى، واستمراريتها في التصوّف في العصر الباروكي، وأصلها الروحاني الديني في عمل كلوستوك المسيح Messiah، الذي هيمن على الحقبة بأسرها، وأخيراً التعريف الأساسي الذي قدّمه هردر لها: ''ارتقاء الإنسانية من خلال الثقافة''· وقد صان الولعُ بالثقافة في القرن التاسع عشر البعدَ المعمَّق للكلمة، كما أنه حدد فكرتنا عن الثقافة· أول شيء مهم نلاحظه في المضمون المألوف لكلمة ثقافة هو أن المفهوم المبكر لـ ''شكل طبيعي'' كان في ذلك الوقت منفصلاً كلياً تقريباً عن المفهوم الجديد· والآن، ترتبط الثقافة Bildung أساساً بتصور للثقافة kultur ، وتعيّن في المقام الأول الطريقة الإنسانية لتطوير مواهب المرء الطبيعية ومداركه· وفيما بين كانط وهيغل كان الشكل الذي رسمه هردر للمفهوم هو الذي ملأ الفراغ· كانط لا يستخدم كلمة Bildung بهذا الخصوص، فهو يتكلم على ''تثقيف'' المدارك أو ''الموهبة الطبيعية''، والتثقيف هو بحدّ ذاته فعل من أفعال الحرية يقوم به شخص فاعل· وهكذا، فمن بين الواجبات الملقاة على عاتق المرء يذكر كانط واجب ألا تُترَك مواهب المرء عُرضة للصدأ، يذكر ذلك من دون أن يستخدم كلمة Bildung· وبأي حال من الأحوال، عندما يتبنى هيغل المفهوم الكانطي نفسه عن واجبات المرء، فهو يتكلم سلفاً على Sichbilden (أي تعليم المرء وتثقيفه)، وعلى Bildung· أما فلهلم فون همبولدت فقد كشف سلفاً، بأذن حسّاسة، فرقاً في المعنى بين Kultur و Bildung يقول: ''ولكن عندما نقول في لغتنا Bildung، فإننا نعني شيئاً سامياً وعقلياً إلى حد بعيد؛ أي تنظيم العقل الذي يجري بانسجام داخل الحساسية والشخصية انطلاقاً من المعرفة والشعور بالمسعى الثقافي والأخلاقي الكلي''· لم يعد هنا معنى كلمة Bildung نفس معنى كلمة rutluk؛ أي أنها لم تعد تعني تطوير مدارك المرء ومواهبه· وفي الواقع، يستحضر ظهور كلمة Bildung التراث الصوفي القديم الذي كان الإنسان طبقاً له حاملاً في روحه صورة الله التي تشكِّله، ويجب عليه أن يزرعها في نفسه· أما المعادل اللاتيني لكلمة Bildung فهي كلمة formatio، وهناك كلمات ذات قرابة لهذه الكلمة اللاتينية في لغات أخرى· على سبيل المثال، هناك في اللغة الإنجليزية (لدى شافتسبري) كلمة "form" وكلمة "formation"· وفي اللغة الألمانية أيضاً، تنافست الاشتقاقات المطابقة لمفهوم الـ "form" ـ مثل "Formierung" و"Formation" ـ مع الـ Bildung لوقت طويل· ومنذ النزعة الأرسطية في عصر النهضة، انفصلت كلمة forma انفصالاً باتاً عن معناها التقني وأُوِّلتْ بطريقة دينامية وطبيعية على نحو خالص· ومع ذلك، لا يبدو انتصار كلمة Bildung على كلمة Form انتصاراً وليد الصدفة، وذلك لأن في كلمة Bildung ثمة المقطع Bild· ومفهوم الـ "form" يفتقر إلى الغموض الملغز للمقطع Bild الذي يتضمَّن كلا من Nachbild (أي صورة، نسخة) و Vorbild (أي نموذج)· هانز جورج غادامير ترجمة: حسن ناظم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©