الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكويت·· كلما مرت أزمة حلت الثانية

الكويت·· كلما مرت أزمة حلت الثانية
7 يوليو 2007 22:18
خلال زيارة له إلى القاهرة في سنوات التسعينات، قيل إن رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون اشتكى للرئيس المصري حسني مبارك من وجود عجز في الميزانية، ربما هو الذي يمنع الكويت عن الوفاء بالمزيد من الالتزامات القومية، فضحك الرئيس المصري وهو يقول: ياسيدي أنا أتمنى العجز ده في الميزانية! ولو سئل رئيس وزراء لبنان، أو رئيس السلطة الفلسطينية، أو جلال طالباني رئيس العراق، عن الأزمة السياسية في الكويت، فربما كان صراخ واحد منهم: ''نرجوكم أعطونا بعضا من هذه الأزمات في الكويت وأريحونا من أزماتنا''! وبمقدار ما يهيمن الأمر على التصريحات والأحاديث، حيث نجد أنفسنا باقين في نطاق جو الأزمة، والتصعيد، وتهديدات النواب للوزراء، فإن الحياة في الشارع العريض تمضي على خير ما يرام، وفي ذروة الأزمات الاستجوابية للوزراء وحال الشلل الذي يصيب العمل البرلماني الحكومي عن الأداء المعتاد، لا يمنع البورصة عن ارتفاع المؤشر، ولا يحول دون نشاط الدورة الاقتصادية، وهو أمر ميز الكويت بنظر المراقبين حتى إبان فترة انتقال السلطة إثر وفاة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد· لكن الأمر يشتمل على مفارقات عجيبة، فمجمل الكتل السياسية وبالذات الكتلة الشعبية التي تتصدر واجهة محاسبة الوزراء واستجوابهم، تشيد بسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، وهو رجل تلتقي على الإجماع عليه مختلف الكتل والتوجهات، وعندما شكل حكومته حرص على أن تضم كل التيارات والقوى النيابية، وفي حكومته الأولى لم يبق شيخ قبيلة أو نائب أو تجمع اجتماعي أو جمعية نفع عام إلا وشاورها بأشخاص الوزراء·· لكن الرجل اضطر أمام ضغط المساءلة النيابية لوزرائه إلى تشكيل الحكومة ثلاث مرات خلال أقل من عامين، وهو الآن بعد خروج وزيرين بالاستقالة من تشكيلته الأخيرة التي أنجزها منذ أقل من ثلاثة أشهر، مضطر لإسناد المناصب الشاغرة فيها بالوكالة، علّه يعثر على وزيرين جديدين يقبلان المنصب، فخير تعبير عن عبء وطأة المنصب الوزاري في الكويت، ورد على لسان الوزير المستقيل شريدة المعوشرجي ''لقد تلقيت التهاني على الاستقالة أكثر من تلك التي جاءت بعد توزيري''! أحد الحكماء ممن لا يريد ذكر اسمه خشية الإحراج يقول ''نحن في الكويت، لا مشكلة لدينا حول الحاضر·· كل المشاكل محلولة، وسعر البرميل يفوق الستين دولارا، والنفقات في الميزانية تزيد على عشرة مليارات·· منها أربعة آلاف مليار دينار ونصف للرواتب فقط، والدولة تدعم الماء والكهرباء لدرجة أننا نمثل الدولة الأولى في العالم بمعدل استهلاك الطاقة الكهربائية، والموارد المائية، الصفقات تعقد، والبورصة مستقرة بل ويرتفع مؤشرها، وعدد سكاننا قليل، وأبراج المباني الجديدة ترتفع حتى أن شكل العاصمة يتغير كل سنة منذ عام 2003 بعد أن سقط نظام صدام وارتحنا من خطر التهديد العراقي·· كل شيء فيما يخص الحاضر عال العال·· ولذلك فإن المشكلة هي في المستقبل، أو حول المستقبل''· المشكلة في المستقبل وما هو المستقبل·· ما هي العناصر التي تدفع لهذه الدرجة من القلق على المستقبل حتى يصبح الحاضر (مقلقلا) إلى هذا الحد؟! يقول: ''لدينا نظام للدوائر الخمس لم نجربه من قبل، لكنه سينهي زمنا طويلا جدا بدأ منذ تأسيس تجربتنا الانتخابية عام 1963 على أساس تقسيمة العشر دوائر ثم الخمس والعشرين دائرة (1981) كان التنافس فيها فرديا محضا، يتصارع فيه السياسي مع السياسي ومن اللون الواحد، ليبراليا كان أو إسلاميا، يساريا أو يمينيا، لينتصر أو يفوز الذي يدفع للناس ما يريدون من الخدمات أو الأموال، أو أي شيء، فسيطرت على العملية الانتخابية العوامل القبيلة والطائفية، والضيقة عائليا لدى الحاضرة، وعلى مستوى فخوذ القبائل في مجتمع البادية، ودخل على الخط في هذا السياق مفهوم نائب الخدمات، ونائب شراء الأصوات·· الخ·· لنرى في ساحة التمثيل، أميين وطالبي وظائف وأشباه متعلمين، ومتنطحين للشأن العام لا يفققهون مبادئ المواءمة السياسية والفرق بين ما يقال داخليا أو خارجيا، ولا ينشغلون بمبادئ التشريع والرقابة العامة، بل تراهم غارقين بتفاصيل التفاصيل· وهؤلاء الحكومة الكويتية مضطرة لمسايرتهم، وشراء ودهم، وضمان أصواتهم، بل وحتى عقد الصفقات معهم·· هؤلاء·· أو المزيد منهم، هم الآن مهددون بالانتخابات المقبلة، التي لا يمكن للنزول الفردي فيها أن يحقق شيئا، لأن القاعدة اتسعت، ومراكز الاقتراع أكثر من أن يتم التحكم بها بالمنطق السابق، وبالتالي فإن الأصوات لن تأتي على أساس عدد المعاملات التي تنجز، أو جراء تلبية رغبات (عيال) الدائرة الصغيرة المعروفة للنائب بيتا بيتا وديوانية ديوانية''· فصيلان من النواب ''لذلك فإن النواب في المجلس الحالي ينتمون إلى أحد فصيلين·· الأول متأكد أنه لن يفوز بالمجلس المقبل، إلا إذا رأى نجوم الظهر، والثاني يتصارع فيما بينه لتشكيل التحالفات المبنية على أساس القوائم حزبيا، وراء يافطات الكتل المعروفة من أشباه الأحزاب السياسية، وإن كان هناك مزيد من التشكيلات تعمل خارج البرلمان لنيل حصتها المأمولة''· وكل هذا بسيط تجاه مشكلة المستقبل في منظوره الآخر، ففي الأنظمة الوراثية يكون مفيدا جدا أن يتم الاستقرار على معرفة اسم الوريث الرابع عشر·· وهذا أمر غير متوافر في الكويت، وكذا الحال في بقية بلاد الوراثة العربية، ولذلك نجد كمية القلق والأذى الناجمة عن هذا التنافس والتنابذ وأحيانا التناطح بين (جموع) المتنافسين!''· ثم إن الأمر ينطوي على تعقيد لا لزوم له بنظر هذا (الحكيم)· يقول: لا أدري لماذا ضخموا بعبع الاستجواب إلى هذا الحد؟·· لماذا يمنحون العابث بهذه الأداة الدستورية المهمة الفرصة لأن يتسلل إلى حيث منطقة رائعة من المحاسبة والرقابة في النظام البرلماني، علهم عندما يقال استجواب ينسون موعده، ويعملون بصمت للرد على ما يوجه إليهم من الاتهامات، ففي برلمان كالمصري يجري استجواب كل شهر تقريبا، وأحيانا لا نسمع بالإعلام عن ذلك· أما تفاصيل الأزمات وأسباب الاستجواب التي يقدمها النواب إلى الوزراء فلا يمكن إحصاؤها·· وأي أسئلة ساخنة من نائب لوزير هي بنظر المراقبين مشروع استجواب، وكل نائب لديه مداخلة ما ضد وزير معين خلال الجلسات البرلمانية يمكن قراءتها كتلويح باستجواب يستهدف الوزير، وكما هي التجربة فنادرا ما ينجو وزير سياسيا من الاستجواب ، فإما الاستقالة أو التدوير، وإذا دوّر الوزير فإنه يكون قد بلغ المدى الذي لا يحتمل من التجريح، فإذا تجاوز الأمر حده المعقول، كانت الخيارات مفتوحة على حل الحكومة وإعادة تشكيلها أو حل مجلس الأمة لتجري انتخابات جديدة· كيف تعمل حكومة في هكذا ظروف؟! يسأل رئيسها الذي لا بد أنه يقول في قرارة نفسه، أوقفوا هذا السيل العرم من إشاداتكم بنهجي الإصلاحي، ودعونا نعمل، دون تهديداتكم بالاستجواب! والكويت الآن على أبواب عطلة سياسية يغيب فيها البرلمان شهورا ربما تمتد إلى أكثر من ثلاثة شهور، لكن نائبا مستقلا ولا ينتمي إلى تيارات سياسية هو سعدون العتيبي أبى أن يتم دخول العطلة، دون توجيهه تهديدا صريحا باستجواب النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح، عندما قال·· ''أمراض السرطان والربو في المنطقة والمسؤول عن الهيئة هو النائب الاول وزير الداخلية وزير الدفاع و لنا حساب بعدين''!· مسؤولية الشيخ جابر عن أمراض السرطان والربو التي تفتك كما يقول سعدون بأبناء منطقة أم الهيمان القريبة من المصافي النفطية والتي أثير أمر تلوثها مرارا وتكرارا منذ الثمانينات·· تأتي لأنه ''رئيس المجلس الأعلى للبيئة'' وهي صفة لحقت به بوصفه النائب الأول لرئيس الحكومة·· ليرد الشيخ جابر بأن التهديد باستجوابه هو ''تخاريف صيف''! فإذا كان استجواب وزير غير ذي ثقل سياسي كوزير النفط المستقيل وهو الشيخ علي الجراح أثار كل هذه الأزمة، فكيف سيكون الحال إذا أجبر نائب مثل سعدون حماد على صعود المنصة وكان معه نواب آخرون يشاركونه الاستجواب؟! لكن المهم في الأمر أن سعدون حماد العتيبي ربما يكون قرر ترشيح نفسه في الدائرة الأخيرة الانتخابية للتقسيم الجديد، والتي تقع فيها أم الهيمان!
المصدر: الكويت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©