الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقل المدينة.. وعاطفتها

عقل المدينة.. وعاطفتها
20 ديسمبر 2012
عاشت العاصمة المغربية الرباط على إيقاع فعاليات فنية وثقافية متنوعة احتفالا بإدراجها ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني، عكست التكويني الفكري والروحي الأصيل لهذه المدينة العريقة، واحترامها لتنوع الثقافات مع تكريس الطابع العربي الإسلامي في بنيتها البشرية والعمرانية. وتثمينا لهذا الحدث الثقافي نظمت وزارة الثقافة احتفاليات ضخمة تنوعت بين سلسلة من الندوات والحفلات الموسيقية المتنوعة بين فنون الشعبي والأندلسي والأغنية العصرية والتراثية وعروض مسرحية ومعارض للمخطوطات والصور الفوتوغرافية والفن التشكيلي. حظي معرض المخطوطات التراثية الذي اختير له عنوان “مدينة الرباط في التراث المخطوط” باقبال جماهيري كبير ومشاركة واسعة من قبل الباحثين والأكاديميين الذين أشادوا بالمخطوطات النادرة والمميزة التي عرضت في معرض مخطوطات الرباط، وعكس المعرض عبر الإنتاج المخطوط، الحضور المتجدد لهذه المدينة وتفاعلها القوي مع تاريخ المغرب على مختلف المستويات، في سياق تثمين البعدين التراثي والحداثي. واستطاع هذا المعرض من خلال عرض مخطوطات نفيسة تتعلق بمدينة الرباط، تاريخا ومجتمعا وثقافة وأعلاما، تسليط الضوء على مؤلفات في مختلف المواضيع والقضايا، التي كتبها العلماء والفقهاء والأدباء والمؤرخين من أبناء هذه المدينة ومن من أقاموا بها. وانتقل هذا المعرض بزواره عبر المراحل التاريخية لتطور الرباط منذ كانت نواة قصبة مطلة على البحر لأهداف استراتيجية في العهد المرابطي، إلى أن تقوّى دورها مع تمدينها ونهضتها التي تواصلت في العصور الموالية حتى أكسبتها المقومات التاريخية والحضارية والعمرانية والاجتماعية والثقافية شخصيتها المتميزة التي تتوجت باختيارها عاصمة للمغرب سنة 1912. وقال محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة المغربي لدى افتتاح معرض “مدينة الرباط في التراث المخطوط” إن “هذا المعرض يهدف إلى التعريف بجوانب مختلفة من تاريخ الرباط العلمي والثقافي والاجتماعي، ويعكس حضورها المتجدد وتفاعلها القوي مع تاريخ المغرب على مختلف المستويات? في سياق تثمين البعدين التراثي والحداثي”، وأضاف أن هذا التراث المخطوط يحتوي على وثائق ومعطيات ثمينة، تعكس جوانب مختلفة من ذاكرة المدينة وحضورها في المشهد العام لتاريخ المغرب ككل، كما تحفل بمعلومات عن النشاط العلمي والفكري والثقافي لأبناء المدينة والمقيمين بها من العلماء والأدباء، ممن أغنوا المكتبة المغربية بذخائر الكتب والدواوين، التي حجزت موقعها في تاريخ الفكر المغربي، وطار ذكر أصحابها في الآفاق، بما تميزوا به من إبداع، وما أنتجوه من مؤلفات أغنت الفكر وأرخت للمجال والمجتمع. زمن متعدد تضمن برنامج الاحتفاء بإدارج مدينة الرباط ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو تنظيم معرض صور “الرباط بين الأمس واليوم والغد” في شارع محمد الخامس وسط العاصمة، وتناولت صور المعرض تاريخ المدينة وتراثها ومآثرها وأسوارها والصناعات التقليدية المعروفة بها، وأخرى احتفت بهذا الحدث الثقافي الذي يمنح الرباط مكانتها المستحقة ضمن الحواضر العالمية المرموقة بإمكاناتها التاريخية والحداثية. ورغبة منها في اعطاء تظاهرة “الرباط تراث عالمي” بعدا اقليميا نظمت وزارة الثقافة معرضا حول المعالم والمواقع التاريخية المغربية المصنفة تراثا عالميا ويستمر هذا المعرض إلى غاية 23 ديسمبر بالمسرح الوطني محمد الخامس. ومن بين المحاضرات المهمة التي عقدت بهذه المناسبة محاضرة للمؤرخ عبد الإله الفاسي، حول “تاريخ مدينة الرباط”، استعرض فيها محطات تاريخية صنعت بروز المدينة كمركز حركية سياسية واقتصادية وثقافية في المغرب، خصوصا في القرن التاسع عشر. وأبرز المحاضر مسلسل تحول الرباط إلى مركز سلطاني لاتخاذ القرارات الكبرى ومجال لتشييد المعالم الكبرى وموقع استراتيجي يربط الشمال بالجنوب ومهد لحركة علمية وفكرية نشطة فضلا عن الدور التجاري المتعاظم لمينائها وملاحها. ويعرف الباحث والمؤرخ عبد الإله الفاسي بأبحاثه القيمة التي تتناول، بشكل خاص، تاريخ الرباط، ومن بينها أطروحته الصادرة تحت عنوان “مدينة الرباط وأعلامها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”. وتميزت الفعاليات الفنية الموسيقية والمسرحية بعروض متنوعة، حيث شهدت خشبة مسرح محمد الخامس السهرة الافتتاحية لهذه التظاهرة بمشاركة ثلة من الفنانين المغاربة الذين يمثلون مختلف أجيال الأغنية المغربية من بينهم عبد الواحد التطواني ومحمد الغاوي ورشيدة طلال وسعد لمجرد بقيادة الفنانة الكبيرة لطيفة رأفت. وقد أسعدت هذه المجموعة جماهير الرباط التي حضرت بكثافة للاحتفاء بمدينتها التي صنفت ضمن التراث الإنساني. وبمسرح المنصور عاش جمهور هذه المنطقة ليلة مسرحية بامتياز لفرقة مسرح اليوم والغد التي قدمت عرضها المسرحي “لعبة الحب” من تأليف وإخراج محمد خدي وبطولة الفنانين ادريس بنعويس وفاطمة الزهراء أحرار وقد استمتع الحاضرون باللوحات الفنية الساخرة والمنتقدة للأوضاع الاجتماعية. أما بقاعة المهدي بنبركة فقد كانت الليلة تراثية بامتياز بمشاركة فرق الموسيقى الشعبية التي قمت ألوانا متنوعة من الرقص والغناء التراثي واتحفت بذلك جمهور منطقة المحيط الذي تجاوب بشكل ملفت مع الإيقاعات الجذابة وجمالية الرقصات المعبرة. وبقاعة علال الفاسي كان للفن الأمازيغي حضورا قويا من خلال مجموعات قدمت ألوانا مختلفة من الإبداع الموسيقي ممزوجة برقصات فاتنة تعبر عن الغنى الكوريغرافي الذي تتميز به منطقة سوس. التتويج والنتائج أكد نائب المدير العام لليونسكو? إريك فالت? أن تسجيل الرباط ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”? “صفة جديدة من أجل تثمين الجواهر الثقافية والمعمارية والتاريخية لعاصمة المغرب”. وأضاف أن هذه الصفة الجديدة للعاصمة تم الحصول عليها بفضل تقديم ملف ترشيح بجودة عالية? موضحا أن هذا التمييز الذي يعزى إلى إجماع لجنة التراث العالمي? من شأنه أن يشجع سلطات الرباط على الحفاظ على هذا التراث لفائدة سكانها والأجيال المقبلة. وحرص فالت على تسليط الضوء على الطابع ‘’النموذجي’’ لملف ترشيح الرباط للحصول على وضعية مدينة ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية. وقال إن اليونسكو مقتنعة بأن المغرب يأخذ على محمل الجد هذا الوضع الجديد للمدينة. وأضاف فالت? الذي شارك في انطلاقة الاحتفالات الموازية لإدراج الرباط ضمن قائمة التراث العالمي? أنه سنحت له الظروف كي يعاين عن قرب عمل السلطات المنسق على كافة المستويات? للحفاظ على هذا التراث? ولمنح السكان المحليين الفخر بهذا الوضع الجديد لمدينتهم. وسجل أن اليونسكو تعتزم مواكبة ودعم مدينة الرباط من خلال جهود الترويج? وذلك بهدف تعزيز الحفاظ على تراثها الثقافي عبر أنشطة متشاور بشأنها? مثمنا في هذا السياق جهود سلطات العاصمة في هذا المجال. واستحضر كنتيجة لهذه الجهود? اختيار مدينة الرباط من قبل الرابطة الأميركية “شبكة يوم الأرض” للاحتفال بالذكرى الأربعين ليوم الأرض عام 2010. وأكد أن إدراج مدينة الرباط ضمن التراث العالمي للإنسانية ما هو إلا تتويج لعقود من الجهود بذلتها سلطاتها التي اعتمدت مقاربة مجزية? بتركيزها على موضوع التنوع وعلى مزج ناجح بين الحداثة والأصالة? مرجحا أن تكون استمالة الرباط لأصوات الهيئات الدولية? واليونسكو على وجه الخصوص? بسبب أيضا شعار ملف ترشيحها “الرباط عاصمة حديثة ومدينة تاريخية وتراث مشترك’’. ويتعلق الأمر? في نظر فالت? بموضوع لافت يبرز تراث المدينة المشترك من قبل الجميع? ما جعل من ملف ترشيح الرباط “نموذجيا? متميزا ودقيق التنظيم والهيكلة’’? يجمع بشكل جيد بين شهادات مختلف العصور التي عاشتها المدينة? والقيم التي روجت لها هذه العصور? وكذلك مجمل آثار وعصارة تاريخ حافل بمعتقدات وتقاليد تقاطعت على أديم وعمق هذه المدينة على مر القرون. وأعرب فالت عن أمل “اليونسكو” الكبير في أن تترجم هذه الصفة الجديدة للمدينة بزيادة التدفقات السياحية دون أن يؤثر ذلك سلبا على جودة المواقع التي تستقطب وفرة في الزيارات? موضحا أنه على الرغم مما قد يسببه التدفق الكبير للسياح من مشاكل في بعض المجتمعات? فإن السلطات المغربية على وعي تام بهذا الأمر? وبإمكانها اتخاذ التدابير اللازمة لحماية ثروات العاصمة. وقال “أنا لست قلقا بشأن ذلك? لأن للمغرب مواقع كثيرة مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي “تسعة في المجموع”? وبالتالي فإن الرباط ستستفيد لا محالة? من تدفق السياح? في سياق وطني غني بالمواقع المدرجة ضمن التراث العالمي”? مثيرا الانتباه إلى أن “المغرب هو البلد العربي الأكثر غنى من حيث المواقع المدرجة ضمن التراث العالمي? بما يبرز احترام السلطات المغربية لالتزاماتها في إطار اتفاقية التراث التي تشمل الحقوق بخصوص التضامن الدولي …? وأيضا واجبات الحفظ والحماية’’.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©