السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جينات السعادة في بوتان

26 فبراير 2017 22:59
تسعى الحكومات الرائدة في العالم، من خلال نماذج عملها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، لتحقيق الرفاهية والسعادة لمواطنيها، حيث تعمل بشكل ممنهج على تضمين السعادة والإيجابية في سياساتها وكل برامجها وخدماتها لتصبح معلماً وجزءاً لا يتجزأ من بيئة العمل الحكومي. أما في سياقها المؤسسي فقد أثبتت الدراسات ارتباط مفاهيم وممارسات السعادة والإيجابية بإنتاجية الموظفين وكفاءة الإنفاق المالي، حيث أظهرت دراسة لجامعة هارفرد أجريت في عام 2015، أن معدلات الإنفاق المتعلق بالرعاية الصحية في المؤسسات التي تعاني من بيئة عمل مليئة بالضغوط والثقافة السلبية تتجاوز بنسبة 50% نظيراتها من المؤسسات الأخرى العاملة في نفس القطاع ذات الثقافة المؤسسية الداعمة للإيجابية والتوازن المهني والاجتماعي. يشكل عدم تبني الجهات الحكومية في عصرنا الحالي لبرامج ناجعة تعنى بتضمين ممارسات السعادة والإيجابية، ضمن النماذج التشغيلية لعملها، مخاطرة تلقي بظلالها على قدرة هذه المؤسسات في تحقيق أهدافها واستدامة نتائجها الإيجابية، حيث أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب والمعهد البريطاني الملكي للإدارة ارتفاع نسبة الأخطاء ضمن موظفي الجهات التي تتسم بيئتها الداخلية بالسلبية إلى ما يقارب 60%، بالإضافة إلى تدني معدلات الولاء الوظيفي وارتفاع معدلات التغيب والاستقالات. لذلك برزت الحاجة إلى تصميم وتنفيذ برامج حكومية مدروسة على مستوى دول العالم تعنى بضمان سعادة موظفيها ومواطنيها وتحقيق أعلى معدلات الرفاهية. ومن أنجح التجارب العالمية الرائدة في هذا السياق تجربة مملكة بوتان، تلك المملكة الصغيرة الواقعة في جبال الهملايا بين الهند والصين، المكان الأكثر عزلة عن العالم. فقبل أربعين عاماً قرر الملك الرابع لبوتان، التركيز على «السعادة المحلية الإجمالية» بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي، ومنذ ذلك الحين قامت مملكة بوتان بتجربة شمولية للتنمية المستدامة لا تركز على النمو الاقتصادي فقط كمقياس للتقدم، إنما حفز أيضاً الحكومة والمنظمات الأهلية والقطاع الخاص لوضع مبادرات لزيادة السعادة القومية الإجمالية. أثبتت عدد من الدراسات الاقتصادية الحديثة طبيعة العلاقة الطردية بين مؤشرات سعادة المجتمعات وبين الناتج المحلي الإجمالي لها، الأمر الذي استشرفه صناع القرار في مملكة بوتان ببناء مركز «الناتج الوطني للسعادة»، ليكون المركز المرجعي لقياس سعادة المجتمع واستقطاب الباحثين والمهتمين في هذا المجال. السعادة الوطنية بجميع أشكالها، بما في ذلك المؤسسي منها، لا تتعلق بالرفاهية فقط، بل تتضمن البناء على العوامل والاحتياجات الأساسية للحياة، وهذا ما أشار له داشو كارما أورا رئيس وزراء مملكة بوتان، خلال الحوار العالمي للسعادة ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات لعام 2017، فمنظور السعادة يختلف باختلاف حاجات الأفراد وطريقة تفسير أدمغتهم لما يحيط بهم من ظواهر والتي تنعكس بشكل مباشر على مدى رضاهم عن أداء حكوماتهم، الأمر الذي تستشرفه حكومات المستقبل بشكل استباقي ليكون إسعاد شعوبها هو الهدف الأسمى الذي تسعى لتحقيقه من خلال مأسسة مفاهيم وممارسات الرفاهية والسعادة ضمن نماذج عملها، لتصبح جزءاً من الخريطة الجينية وعلامة فارقة في ممارساتها اليومية وأسلوب تقديمها للخدمات. يوسف قطيط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©