الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأقواس.. أحواش عائلية تستضيف الأفراح والأتراح

الأقواس.. أحواش عائلية تستضيف الأفراح والأتراح
2 ابريل 2009 23:49
أحد أبرز أشكال الإرث الثقافي المعماري الفلسطيني، يتمثل بالبلدات القديمة في المدن الفلسطينية كالقدس وبيت لحم ونابلس والخليل، والتي يوجد بها بنايات يعود تاريخها إلى قرون، مبنية بالحجارة ومواد محلية أولية، ويخشى دائما من تعرضها للتدمير الكامل أو الجزئي، بسبب أية عوامل طبيعية أو زلازل، أو نتيجة الإهمال، والأقواس هي جزء من الحارات المسقوفة، ولكنها أيضا المسكونة وتعج بالحياة فوق وبجانب الأقواس وتحتها. تبرز الأقواس الفلسطينية ليس فقط بهندستها المعمارية الفذة، بل بمواقعها، حيث كانت تشكل مدخلا للمدينة القديمة، وهي أيضا، ليست معلما جماليا فقط بل هي عبارة عن حارات مسكونة بالمواطنين. ويرى كثيرون أن الأقواس معالم هامة للقرية أو المدينة الفلسطينية، وهي الشريان والطريق الرئيسي الذي كان يوصل للحارات المختلفة، وكانت الأقواس تستخدم كمجالس للمواطنين يتباحثون فيها ومن خلالها في شؤونهم، وبعض الأقواس التي عرفت باسم العائلات هي أساسا أحواش لتجمع هذه العائلات في الأفراح والأتراح وشتى المناسبات وهي أيضا أماكن عامة، فيها بائع الخضار والتاجر والجزار، وكل شيء، إنها الأماكن النموذجية للحياة اليومية. «الخابية» ويمكن الإشارة إلى أن الأقواس هي نواة البلدات القديمة كما في بلدة بيت جالا جنوب القدس، ففي هذه البلدة سلسلة أقواس تؤدي إلى أحواش مختلفة تحمل بيوتا، ولا تؤثر على ساكنيها حركة مرور المواطنين من تحتهم. ومن أبرزها ثلاثة أقواس متجاورة تحمل أسماء عائلات في البلدة هي: قوس خليلية، وقوس مسعد، وقوس سابا، الواقعة في حارة العراق ببلدة بيت جالا القديمة. وفي حين يطلق اسم «الخابية» في القرى الفلسطينية على أماكن لتخزين الحبوب والأطعمة المجففة والمخللات، فإن هذا الاسم يطلق في هذه الأقواس على منفذ من البيوت إلى أسفل الأقواس حيث حركة الناس، وهناك آراء تقول بأنه كان يستخدم كبابٍ سري وآراء أخرى ترى أنه باب للطوارئ، وهذا يدل على ذكاء مصممي هذا النوع من العمارة، وفي سلسلة الأقواس في بيت جالا يوجد مكان لبئر ماء كان السكان يشربون منه ويشكل نوعا من «الأمن المائي» حسب التعبير الحديث. وواضح أن البئر حفر بأدوات بدائية ولكن بحرفية عالية ويعلو البئر باب هو عبارة عن كتلة صخرية تم تجويفها بشكل فني. ويقول المواطن جورج زينة الذي سمع من الآباء عن بعض الخطط الهندسية في التصميم المعماري «كان البئر يتم حفره في جهة من الحوش وفي الجهة الأخرى، بعيدا عنه مسافة معقولة كان يقع بيت «الآداب» كي لا تختلط مياه الشرب بالمياه العادمة». ويضيف زينة «كانوا يفخرون بطعم مياه الآبار، التي يجمعونها من الأمطار، وحتى بعد تمديدات المياه الحديثة، لم يكونوا يضعون هذه المياه في البئر حفاظا على خصوصية مياهه». كان البيت يمثل حماية لساكنيه في الصيف والشتاء، كان البيت التقليدي باردا في الصيف ودافئا في الشتاء وتلك عبقرية الأجداد، كما يرى زينة. قوس الزرارة وفي مدينة بيت لحم توجد عدة أقواس، تشكل مدخلا للبلدة القديمة، مثل قوس الزرارة، وهو أقدمها، وقوس الشاعر في حارة النجاجرة الذي تسكن فوقه عائلة المواطن إسماعيل العلاري، ويشكل هذا القوس مدخلا لسوق الخضار واللحوم والأسماك في مركز المدينة القديمة ويؤدي إلى شارع النجاجرة الذي حافظ على شكله المعماري القديم ويضم موقعا فاتنا يطلق عليه «بد جقمان»، وهو عبارة عن معصرة زيتون قديمة وغرف تتوزع على طابقين قديمين. ولكن يبقى قوس حنانيا، نموذجا نادرا لفن العمارة التقليدي الذي يشغل مع الحوش الذي يضمه مساحة كبيرة تشكل مجتمعا قائما بذاته بساكنيه، وبمداخله وبغرفه وساحاته ودرجه. ويقول سمير حنانيا إن أصل المباني في الحوش تعود إلى العصر الروماني قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وكان الحوش يشكل نواة لبيت لحم القديمة. ويفخر حنانيا بأنه من عائلة جذورها قديمة وممتدة في التاريخ، وأن أجداد أجداده ولدوا في هذا الحوش الذي يحمل اسم حنانيا. ويضيف: إنه حتى وقت قريب، كان يعيش في الغرفة عائلة كاملة يمكن أن يصل عدد أفرادها إلى 10 أو 15 فردا. سر «السرية»..! ويشير حنانيا، بإعجاب إلى فن العمارة الذي بني على أساسه الحوش والذي احتلت فيه الأقواس جزءا أساسيا، ويقول إن الحوش صمم كي يتم حماية سكانه من الهجمات الخارجية. ويربط ما بين المباني سراديب، ويمكن أن ينتقل الإنسان من غرفة إلى أخرى عن طريق منافذ سرية يسمي الواحد منها «سرية» موجودة في السقف، فإذا تعرض أحد الساكنين لأذى يستطيع أن ينادي الآخرين الذين يهرعون إليه. ويقول حنانيا، إن ذلك كان طبيعيا حين كان الناس يقتسمون لقمة العيش ويشاركون بعضهم البعض في الأفراح والأتراح. ويضيف بأنه كان يعيش في الموقع عائلات ممتدة، ولكن التطور فرض على الكثيرين من أبناء عائلة حنانيا الخروج والسكن في شقق، ويلاحظ الآن أن ساكني الحوش متنوعون، من حيث الطوائف والأديان والأصول. كما أن الحمامات التي كانت تسمى «بيوت الآداب» كانت خارجية. وكذلك اعتمد السكان على الآبار في شرب الماء، وردا على سؤال إذا كان الازدحام وتلاصق البيوت يخلق مشاكل اجتماعية بين السكان، قال حنانيا وأيده في ذلك سكان آخرون إن الجميع يعيش مثل العائلة الواحدة. عدوان مستمر ولا يصمد هذا النوع من المعيشة لتطورات الحياة وأسلوبها الحديث، ومتطلبات العائلات الشابة الحديثة، التي دخلت الكماليات في حياتها. وليس هذا فقط الذي يهدد البلدات القديمة ولكن ممارسات الاحتلال التي بدأت منذ يونيو 1967 بعد أيام مما يسمى في الأدبيات العربية «النكبة»، حيث هدمت الجرافات الإسرائيلية حارة المغاربة بالقدس لتوسيع ساحة حائط البراق، ودفنت سكان أحياء وشردت سكان حارة الشرف في بلدة القدس القديمة وغيرت وبدلت فيها بعد أن أسمتها «حارة اليهود»، وما زال العمل في الموقع جاريا لاستكمال تهويده. وما زالت البلدات القديمة، أيضا في بيت لحم والخليل ونابلس تتعرض إلى عدوان مستمر على إرثها الثقافي، مما يستدعي دائما وجود حملات توعية بهذا الإرث وتجنيد الأموال للحفاظ عليه
المصدر: فلسطين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©