الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التسلية المتوحشة!

10 يوليو 2007 02:57
مر زمن طويل انقطعت فيه عن مشاهدة المصارعة الحرة على شاشة التلفزيون، لكن حدث أن زارني صديق منذ فترة وراح يقلب أزرار الريموت كنترول فتوقف عند إحدى القنوات ليشاهد جولات من المصارعة الدموية العنيفة، والغريب كل الغرابة أنه كان يضحك كلما ارتطم رأس أحد المصارعين بِخُطّاف الزاوية الحديدي، أو أسقط خصمه بعنف شديد على طاولة خشبية خارج الحلبة! وبعيدا عن ضحكات صديقي، قرأت عن جذور المصارعة الحديثة في التاريخ القديم، حيث ظهرت في أوج ازدهار الحضارة الرومانية، ويرد العديد من المؤرخين نشأتها لعهد الإمبراطور الروماني ''نيرون'' الذي كان يقيم حلبات دموية، لا ليصارع فيها الإنسان إنسانا آخر، وإنما ليصارع حيوانا متوحشا، فيما يتفرج هو وحاشيته على تلك المشاهد المرعبة باستمتاع كبير!· ولتقريب الصورة يمكن الإشارة لفيلم ''المجالد'' الذي يتحدث عن تلك الفترة، فالأمر الذي لا يعرفه الكثيرون أن الإمبراطور الشرس الذي لم تعرف روما له شبيها وأحرقها في النهاية، كان يدفع بمعارضيه وخصومه لحلبات المصارعة بحجة فسادهم في روما، لينالوا عقابهم العادل، في حين أن أكثر الضحايا الذين تمت تصفيتهم بوحشية بالغة كانوا من المسيحيين أو المعتنقين للدين الجديد حينها، وكان ''نيرون'' ينتقم منهم بتلك الصورة المروعة ليكونوا عبرة لمن يفكر مجرد التفكير باعتناق ذلك الدين الذي لا يخدم مصالحه· وبعيدا عن تاريخ المصارعة وظروف نشأتها، انتقلت لنا عبر الزمن كطقس دموي من خلال صالات المراهنات الأمريكية وغزتنا عبر الشاشة، فصار الناس يشاهدون حتى 10 سنوات خلت مصارعة حرة معقولة في مستوى عنفها، قياسا بمصارعة زمن الفيديو، حيث أصبح ترويجها يحتاج لجرعات من الإثارة، فظهرت مصارعة الأقفاص والمصارعة النسائية التي أساءت للمرأة بصورة بالغة· لا يختلف اثنان على أن المصارعة أورثت منذ القدم تربيتها للنزعات العدوانية لدى الإنسان في سائر المجتمعات، إلا أنه أصبح من الصعب إبعاد شبحها عن التلفزيون، لتمتعها بجمهور يحرص على متابعتها، رغم أنها لا تنتمي لتاريخنا أو لطبيعة موروثنا وثقافتنا، إلا أن المرء يتمنى ألا تتسلل دمويتها لشاشات بيوتنا حفاظا على الصحة النفسية لأطفالنا ومراهقينا، فبشكل عقلاني لا يمكن أن نطالب بإيقاف عرضها، ولكن نتمنى أن تطل علينا بعنف أقل، على الأقل!!· محمد الحلواجي alhalwaji@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©