الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد مصطفى: هندسة الحروف صياغة كونية

أحمد مصطفى: هندسة الحروف صياغة كونية
11 يوليو 2007 02:37
ولد الفنان الدكتور أحمد مصطفى في الاسكندرية 1943 بدأ بالفن التصويري ثم انتهى كمصور وخطاط وفقاً لفن الكتابة الإسلامي· يعيش في لندن ويعمل فيها منذ 1974 وهو يدير مركز الفنون للفن والتصميم العربيين وهو المركز الذي أنشأه عام ،1983 كما اشتغل بالتدريس في كثير من الجامعات، في عام 1997 قررت الملكة اليزابيث الثانية أن تهدي لوحته (حين يلتقي البحران) إلى شعب باكستان بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشاء الدولة وكان ذلك اعترافاً بشهرة الفنان الدولية، وفي عام 1989 حصل على الدكتوراه في ''الأساس العلمي لأشكال الحروف العربية'' من المجلس القومي البريطاني بالتعاون مع المتحف البريطاني حيث كشف فيها النقاب عن (الخط المنسوب) الذي وصفه في القرن التاسع/ العاشر الميلادي (ابن مقلة) الوزير والمهندس والكاتب العباسي ـ ولهذا الاكتشاف قصة غرائبية سنأتي عليها في حوارنا هذا بمناسبة زيارته لأبوظبي بدعوة من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون لإقامة معرض للوحاته وتقديم محاضرات عن كشوفاته في ميدان الخط والكتابة العربية حيث التقته ''الاتحاد'' في هذا الحوار: الخط المنسوب ؟ كيف اكتشفت طريق دراسة الحرف العربي؟ ؟؟ كنت في مكتبة مركز الفنون في لندن وإذا بي أواجه الصدفة المهمة في حياتي أنني وجدت مقالة في صحيفة أميركية صادرة عام 1939 بعنوان (عطاء ابن مقلة لخط الشمال العربي) ولمجرد كلمة عربي وابن مقلة، أدركت أنها حوار بين أكاديميين كبيرين غربيين حول نظرية ابن مقلة بعنوان (الخط المنسوب)· اكاديمية أميركية تحدث عالماً ألمانياً ملفتة نظره إلى أن ما اعتقده بشأن خط البديع الذي تناوله في بحثه للدكتوراه قائم على إدراك لغوي خاطئ لأن البديع صفة وليست طريقة في الكتابة، ووقعت أنا بينهما في حيرة ولم أعرف عماذا يتكلمان وشعرت بخجل كبير دعواه أنهما يتحدثان عن عملية ثقافية حضارية مرتبطة بثقافتي التي لا أعرفها أو أنها غائبة عني· فسألت مدير المكتبة ما إذا كان يعرف بعض الإصدارات حول نظرية (الخط المنسوب) فأجابني بالنفي ولكن في مرة ثانية بادرني قائلاً: إنه توجد بالمكتبة (نيكوليت كري) وهي استاذة تاريخ الحرف اليوناني وقد تكون على دراية بهذه النظرية على الرغم من أنها تبحث في ثقافة مختلفة· بعد لقائي بكري وحين قرأت المقالة قالت لي: إن تلك النظرية تبدو مثيرة ولكنها لم تسمع بها، ثم استطردت بأنها ستطرحها على (بازل كري) وهو عالم شهير ومدير المتحف البريطاني ومؤرخ المنمنمات الإسلامية· جاءتني بمفاجأة غيرت تاريخ حياتي بأن بازل يقترح بأن اسجل العمل على درجة الماجستير لطرح بعض الضوء على ماهية هذه النظرية، حيث تحدث الأكاديميون من قبل 250 سنة حول هذه النظرية ولم يكتشفوا شيئاً·· وأنت تملك فطنة بالمفردات المرئية التي قد لا يمتلكها الأكاديميون· الموروث العربي ؟ ماهي نظرية ابن مقلة؟ ؟؟ كان محمد بن علي بن مقلة وزيراً لثلاثة خلفاء عباسيين، كان شاعراً ومهندساً وكل آثاره الإبداعية والخطية قد دمرت في هجوم التتار على بغداد 656هــ ولكن آثار هذه النظرية هي التي حولت الخط من الحالة الكوفية اليابسة الى الحالة اللدنة الرطبة التي نملكها اليوم من الموروث العربي للخط· والشاهد على ذلك هو تلميذه علي بن هلال المعروف بـ (ابن البواب)، وبالذات كتاباته للمصحف الشريف حيث لأول مرة في تاريخ كتابة المصاحف بالخط النسخي، وهو موجود في مكاتب Chester beary dublen ففي هذه الحالة كان دور ابن البواب دوراً تطبيقياً للنظرية التي وصلتنا في قالب نظري حيث لم يصل أي عمل يشهد على التطبيق· النظرية تبدأ بعبارة هندسة الحروف ولك أن تتصور أن هذه العبارة مكتوبة منذ ألف عام، أي بمعنى أن الحروف تمتلك قانوناً هندسياً يحكم نسب اشكالها في علاقة بعضها بعضاً، فالألف على سبيل المثال على الرغم من بساطته التي لا يختلف عليها العربي أو غير العربي، هو شكل مكون من خط منتصب غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب وتكون حركة صدره وعجزه متساويتين ومساحته في الطول 7 فقط والنقطة مربعة وهذا قول ابن مقلة· حينما نتمعن في مثل هذا الوصف نجد أنه يعزز عديداً من التساؤلات أولاً ما الذي يجعل ابن مقلة يصف الألف بمثل هذ الصفات التي لا تطلق إلا على كائن حي؟· الأشكال المجردة ؟ ماذا نفهم من هذا؟ ؟؟ هنا يتعذر في ضوء انتباهنا لمثل هذه الأوصاف أن نجيب على هذه الأوصاف وما المراد منها وما مدى دقتها، وهل أنه استخدمها على سبيل المهارة البلاغية أم على أساس دقة وظيفية مرتبطة بحقيقة محددة ومعينة؟ الغريب في الموضوع أن هذه واحدة من كثير من الأسئلة حول الحروف الأخرى· اتضح لي بعد 14 سنة من البحث أن ابن مقلة لم يكن يسعى لكتابة خط عربي حسن ولكنه كان يسعى لأن يجد الشكل العربي للحرف الذي معه يستحق الحرف العربي أن يكون شكلاً يضاهي أو يعبر عن المضمون الإلهي في النص القرآني· واتضح أن الحقيقة التي جعلت من الخط العربي فن الإسلام الأول هو المعادلة الصعبة التي واجهتها العقلية الإسلامية المبدعة من حيث إدراكها أن العملية الفنية في جوهرها هي مواكبة بين الشكل والمضمون أي اللفظ والمعنى فإذا كان المضمون هو القرآن الكريم المنزل من الله تعالى فمن أين يأتي الشكل ومن له أن يضاهي هذه الصياغة؟· فحينما أدرك ابن مقلة ومعه علماء المسلمين جميعاً بأن الحقيقة الهندسية هي أيضاً من صياغة الله تعالى، فنحن حين نضعها في نظريات لا يعني أننا اخترعناها، فإذا أصبحت الأشكال المجردة لهيئة الحروف العربية تمثل في علاقاتها ببعضها بعضاً قانوناً ثابتاً يقوم على النسبة الفاضلة لذا تصبح تلك الأشكال في تجانسها في الوسط المرئي تعادل التجانس الكامن في الترتيل المنزل في الوسط السمعي· إذاً هناك ترتيل في الحيز المرئي وفي الحيز السمعي أيضاً وكلاهما محكوم بقانون هندسي واحد· ؟ ولكن حروفياتك عماذا تتحدث؟ ؟؟ تتحدث عن معانٍ كونية تطرحها أمام العين في تنوعاتها الثقافية والموضوعية، مثالها موضوع التشاور، والتشاور قضية مجردة تتناوله جميع الثقافات من زوايا مختلفة على الرغم من وحدة الغاية في جميع التساؤلات، حيث نرى هذا العمل يتعامل مع فكرة أو فضيلة التشاور إلا أن القضية التشكيلية في هذا العمل تحاول أن توصل هذه الفضيلة في وسط مرئي محكوم بالحيز واللون والملمس· قد يصعب على البعض قراءة هذه المفردات المجردة، ويلجأ الى قراءة النص حينما يتعرف إلى بعض الحروف ويترتب على ذلك أن تحجب الرسالة برمتها عن الغاية التي يجب أن يصل اليها، حيث الموجب والسلبي يتجاوران ويتشاوران·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©