الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين ··· التحولات الأيديولوجية والمقارنات التاريخية الخاطئة

الصين ··· التحولات الأيديولوجية والمقارنات التاريخية الخاطئة
11 يوليو 2007 02:45
لجأ كل من المدافعين عن حكم الحزب الشيوعي الصيني ومنتقديه في الخارج إلى التاريخ للتدليل على وجاهة مواقفهما؛ غير أنه إذا كان كلا الفريقين قد أكدا على قيمة وأهمية تأمل الماضي قبل نحو سبعين عاماً، فإنهما خرجا بخلاصات مختلفة تماماً انطلاقاً مما رأياه· فعندما أشار مؤيدو النظام إلى عقد الثلاثينيات مثلاً، فإنهم كانوا يميلون إلى التركيز على مذبحة ''نانجينغ''، التي تحل ذكراها السبعون في ديسمبر المقبل؛ حيث نظروا إلى تلك المأساة- أعمال القتل والتدمير التي استمرت طيلة ستة أسابيع عقب سقوط المدينة بين أيدي اليابانيين في ديسمبر 1937- باعتبارها رمزاً للمعاناة التي تكبدها الصينيون قبل الحقبة الشيوعية نتيجة لأهداف اليابان الإمبريالية وضعف الدولة الصينية· أما الدرس الذي استخلصوه، فهو ضرورة الحفاظ على قوة الصين، حتى وإن كان ذلك يقتضي فقدان بعض الحريات الفردية· بالمقابل، يشير منتقدو الصين الأجانب إلى أولمبياد برلين عام 1936 باعتباره المقارنة التاريخية المفضلة لديهم؛ ويجادلون بأن 1936 كانت السنة التي ارتكب فيها المجتمع الدولي الخطأ الفادح- الذي يقولون إنه على وشك أن يتكرر في أولمبياد بكين لعام 2008 - والمتمثل في المساهمة في إضفاء الشرعية على نظام ديكتاتوري· أما الدرس الذي يستخلصونه، فهو ضرورة عدم عقد صفقات مع الأنظمة القمعية· شخصياً، سأجادل بأن هذا النوع من الاختزالية التاريخية لا يفيد كثيراً، بغض النظر عن الطرف الذي يقوم بها· فإذا كان المرء مهتماً حقاً بتأمل الماضي فعليه عدم مساعدة بكين على لعب ورقة القومية أو دعم الدعوة إلى مقاطعة أولمبياد ،2008 فمن المهم أن يتم ذلك بطريقة لا تكون مغرقة في التبسيط· صحيح أن لعقد الثلاثينيات في الصين ما يوازيه في زمننا هذا؛ حيث كانت الصين محكومةً في تلك الأيام من قبل حزب ديكتاتوري تبرأ من بعض مُثل ومبادئ زعيمه العظيم الأول، على غرار ما قام به الحزب الشيوعي اليوم· ولم يولِ القوميون وقتئذ أيديولوجيا ''سون يات سين'' المناوئة للإمبريالية كبير اهتمام، في وقت جعل فيه ''تشيانغ كاي شيك'' من القضاء على الشيوعيين أولى أولوياته· أما وجه الشبه مع الوقت الراهن، فهو بطبيعة الحال تخلي الحزب الشيوعي عن تعاليم ''ماو تسي تونج'' المناوئة للرأسمالية· ووقتئذ، مثلما هو الحال اليوم، لم يكن هذا التحول الأيديولوجي يعني أن النظام قد توقف عن الاستعمال الرمزي لأشهر زعيم من زعمائه السابقين؛ إذ مازالت صورة ''ماو'' العملاقة موجودة اليوم في ساحة ''تيانانمان''؛ وفي الثلاثينيات، كثيراً ما كان مسؤولو الحزب القومي ينحنون احتراماً أمام صورة ''سون''· وإضافة إلى ذلك، فقد شهدت الصين خلال تلك الفترة، مثلما هو الحال اليوم، ثورة استهلاكية، وظهرت أنماطٌ استهلاكية جديدة، ولاسيما في المدن الساحلية مثل شنغهاي· من أوجه الشبه كذلك، هو أنه كان ثمة في فترة الثلاثينيات، مثلما هو الحال اليوم، شعور كبير بالاستياء والامتعاض في المناطق الريفية الصينية، والتي كانت تتخذ أحيانا شكل مظاهرات احتجاجية عنيفة· ففي كلتي الفترتين، انتشرت مشاعر التشكك والريبة في الحزب الحاكم على نطاق واسع، حيث يشعر الكثيرون بأن الزعماء الصينيين يهتمون برفاهية الشعب والبلاد اهتماما أقل من اهتمامهم بالحفاظ على سلطتهم· وعلاوة على ذلك، لجأ النظام في الثلاثينيات إلى التقاليد بهدف استمالة السكان المستاءين؛ حيث استعمل الحزب القومي الإشارات الكنفوشسية إلى الانسجام والتلاحم الاجتماعيين، لإظهار أن هذا التغير في الموقف لا يعني أنه يفتقر إلى بوصلة أخلاقية· وعلى نفس المنوال، يُحتفى بـ''كونفوشس'' اليوم في الصين مرة أخرى باعتباره حكيماً عظيماً ما زالت حكمته القديمة صالحة لـ''الصين الجديدة''· الواقع أنه رغم أن جميع أوجه الشبه هذه مثيرة للاهتمام وتبعث على التفكير، غير أنها لا تشكل للأسف جواباً بسيطاً على السؤالين المهمين: إلى أين تسير الصين؟ وكيف ينبغي على الغرب أن يعاملها؟ ثم إنه رغم أوجه الشبه، إلا أن ثمة أيضاً اختلافات كثيرة بين الحقبتين· فالحزب الشيوعي اليوم على سبيل المثال لديه سيطرة كبيرة على البلاد في اليوم مقارنة بالقوميين· وعلاوة على ذلك، فإنه، وخلافاً للقوميين، لا يواجه حزباً معارضاً منظماً· ثم إن النظام الشيوعي في الصين اليوم أشرف على سنوات من النمو الاقتصادي الكبير التي لم يكن بوسع ''تشيانغ'' سوى أن يحلم بها عندما كان يسيطر على البلاد· إلى ذلك، فمرتبة الصين اليوم في شرق آسيا مختلفة اختلافاً تاماً إلى درجة يصعب معها تخيل حدوث شيء مثل مذبحة ''نانجينج''؛ ذلك أن اليابان لم تعد تشكل تهديداً عسكرياً؛ كما أنها هي اليوم أقل هشاشة مقارنة مع أي مرحلة من مراحلها الماضية· إن المرء يميل دائماً إلى الإشارة للتاريخ بهدف تبليغ رسالة بسيطة- تخبرنا بكيفية التصرف في الحاضر أو التفكير بخصوصه، أو كيفية الاستعداد للمستقبل- غير أن الشبه الحقيقي بين ''وقتئذ'' و''الآن'' قلما يكون ممنهجاً بشكل كاف، يسمح بعقد المقارنة (هل تتذكرون تشبيه بعضهم لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بالهجوم الياباني على ميناء ''بيرل هاربر'' الأميركي، وذلك على الرغم من أن أحداث الحادي عشر لم تكن عملاً عدائياً من قبل حكومة خارجية؟)· الواقع أن التاريخ كثير التعقيد والاختلافات الطفيفة والتناقض حتى يمكننا أن نجعل من أي مقارنة دليلاً لنا· ولكن، يتعين مع ذلك على المؤرخين أن يبحثوا دائماً عن الدروس التي يمكننا أن نستفيد منها اليوم· إذ يمكن حتى للمقارنات الناقصة أن تكون مفيدة إذا ما تم التعاطي معها بعناية وليس على أساس أنها مخطط مثالي ويتسم بالكمال· فلئن كان التاريخ قلما يعيد نفسه، إن كان يعيدها أصلا، فإنه، ومثلما قال مؤلف كتب الخيال العلمي ''بروس ستيرلينغ'' في خطاب عام ،1998 ''يُقفى'' -بمعنى أن الأنساق القديمة كثيراً ما تتكرر، وإن بأشكال مختلفة· بيد أن الاستعمال الانتقائي للتاريخ من قبل المتحزبين عادة ما يكون تبسيطيا ومضللا، وعلينا أن نتوخى الحذر تجاهه· أستاذ مادة التاريخ بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب عالم الصين الجديد والشجاع ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©