الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ج. روبرت. لينون يرصد حالة التشظي التي يعيشها الإنسان الغربي في القرن 21

ج. روبرت. لينون يرصد حالة التشظي التي يعيشها الإنسان الغربي في القرن 21
22 ديسمبر 2012
ربما يكون الروائي الأميركي”ج. روبرت. لينون” واحداً من الكتاب الذين يجمع القراء على مطابقتهم للمواصفات التي ينبغي توافرها في كتاب الأدب الجاد. وهو بغض النظر عن كون ما يكتبه أقرب إلى الأدب الرائج، إلا أنه يتناول بأسلوبه الذي يكاد يختفي فيه النوع الأدبي، وحسب البعض، يجمع بين ما تتميز به أعمال “هاروكي موراكامي” و”ستيفن كنج” و”توم مكارثي” وغيرهم، بين موضوعات تعزف على وتر حساس، يرتبط بحياتنا في مجتمعات الحداثة، لاسيما الجزء الاجتماعي منها. غير أنه، ومن خلال عوالم تبدو سريالية، يتيح للقارئ فرصة اصطياد لمسة من الواقعية النفسية، في العديد من أعماله ومنها روايته الأخيرة “مألوف” الصادرة عن دار “جري ولف” الأميركية. الرواية تؤكد الرواية، على حالة التشظي التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين. وما ينجم عن ذلك من متغيرات في الشكل والمضمون، وبداية يتعرف القارئ على “إليزا براون ـ وهي زوجة في منتصف العمرـ على هامش ممارسات مألوفة، فهي تفرغ من زيارة لقبر ابنها “سيلاس” الموجود في ولاية أخرى. ثم تقود سيارتها على الطريق العامة المؤدية إلى نيويورك، متأملة تفاصيل حياتها بكدر. وفي تلك الأثناء ندرك مدى شعورها بالحزن نتيجة فقد ابنها في حادث سير، كان من الممكن تلافي نتائجه المؤلمة. كما ندرك، مدى ما تعانيه من عدم القدرة على نسيان أحداث مؤرقة أخرى من الماضي، تسببت في إرباك العلاقة بينها وبين ابنها الآخر وزوجها لتفتقد الانسجام العائلي. وعلى الرغم مما يوحي به مظهرها الخارجي من تماسك وتأنق، إلا أن القارئ يدرك أنها تفتقد التماسك الداخلي. ثم يكشف المؤلف عن صراع داخلي يحملها على الشعور بغربة الذات. يضاف إلى ذلك ما يفاقم معاناتها، وهو تشوش ذهني يحرض المؤلف، على القذف بها إلى عالم يشبه ما يراه الإنسان في الحلم، ويمكن التعبير عنه بشكل سريالي، أكثر منه بأسلوب واقعي. وها هو، يصطاد تلك اللحظات التي تقطع فيها الطريق من “أوهايو” إلى نيويورك، مستذكرة خلفيتها الاجتماعية والثقافية الراقية، في وجه الحياة المتواضعة التي ترى أنها تعيشها في نيويورك. في الماضي، كانت تعيش في شيكاغو، حيث ولدت وتربت في كنف أبوين مثقفين، يهويان قراءة الكتب، والتردد على أندية الموسيقى ومجتمعات الثقافة التي كان لها نصيب في ارتيادها. وفي تحول واضح، تركت مقاعد الدراسة وقررت الزواج من “ديريك” وهو محام وأستاذ للقانون، لتنتقل إلى العيش معه في ولاية أخرى، مفضلة التفرغ لوظيفتها كزوجة. هناك أنجبت ابنيها، وأحدهما “سيلاس” الذي كان فقده السبب الرئيسي في وضع علاقتها الأسرية على المحك. وهي لاتخفي أنها متورطة بعلاقة مع شخص آخر، وأنها تمضي وقتاً في ممارسة هواية التطريز، للمساعدة في القضاء على الروتين الذي يكاد يقتلها. ورغم ذلك فهي لا تشعر بالرضى. وبعد لحظات، تبدو لك إليزا كمن ينسحب من الواقع. ولا يجد لينون بديلاً عن تعريضها لخدعة بصرية. لتتكشف ذاكرة امرأة تتداعى، في رحلة كتلك التي لا نشاهدها إلا في الحلم. في غمضة عين”ترفع إليزا بصرها، وتنظر إلى الطريق. لم تكد تمضي دقيقة، حتى أقل من دقيقة، قبل أن تأخذ الطريق في الاتساع والتمدد. وتبدو السماء غائمة جزئياً. غيوم صغيرة، كما لو أن الغيمة الوحيدة التي كانت تشاهدها قد نثرتها على امتداد الطريق، كما أن زجاج السيارة، قد تحول إلى شاشة عملاقة. لتحملق فيما هنالك ومن حولها، بداخل سيارتها، التي لم تعد السيارة التي كانت تقودها. إلا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فما أن تصل إلى بيتها حتى تفاجأ بالتغير الذي طرأ على شكله. الأشجار التي اقتلعت قبل سنوات ماتزال هناك وارفة. الحشائش وشجيرات الزينة التي لم تكن لتهتم بتشذيبها، حتى أنها أشرفت على الفناء تعود إليها الحياة”. وإذا كان التغير الذي طرأ على منزلها وعلى مظهرها الخارجي قد أصابها بالصدمة، فإن ثمة ما يدهش وتشعر به في داخلها. حيث هناك ما يوحي بالانسجام في علاقتها الزوجية. واطمئنان إلى أنها لم تقترف ذنباً بحق ابنيها، خاصة سيلاس الذي لم يعد ميتاً، ولكنه الآن شاب يعيش حياة مستقلة بعيداً عن أسرته، وكذلك شقيقه. كما أن هناك ما يضاف وهو تحولها إلى امرأة عاملة. تتساءل.. أين هي الحقيقة وأين هو الزيف فيما يحدث، فلا تجد إجابة. وبوجه عام، فإن ثمة ما يثقل كاهلها من هذا التغير السريع. ومن أجل ذلك تقرر البحث عن المعنى الحقيقي له، فتسعى إلى إيجاده عبر وسائل التكنولوجيا المتقدمة، فلا تجده وتكتشف أنه لافرق بين حياتها الأولى وحياتها الثانية! لدى قراءة رواية مثل “مألوف”، ربما شعرت بأنك أمام إحدى قصص الغموض أوالإثارة أو الخيال العلمي. وهو ما يبدو عادياً، خاصة بالنسبة للينون الذي يشتغل بأسلوبه الروائي على عدة مستويات متداخلة. أحد هذه المستويات هو الفنتازيا أو الفنتازيا العائلية، التي تُجسد على نحو غير تقليدي أزمة الحياة التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين، في المجتمعات الغربية، لاسيما على صعيد الممارسة الاجتماعية ونمط الحياة. ومستوى آخر هو الواقعية السيكولوجية، حيث يبدو ما يحدث ذا علاقة بمناقشة موضوع عن الانهيار النفسي والعقلي، وبالتالي فهو رحلة مرعبة يقوم بها المؤلف في ذهن امرأة تبدو بحاجة لإدراك أنها قد أخفقت في الكثير من الأمور، وأنها بحاجة إلى أن ترى نفسها بشكل أكثر وضوحاً. وربما كان هناك إقحام للغيبيات وما يمكن أن يحدث من الأمور الخارقة للطبيعة، لاسيما أنه لا توضيح في نهاية الأمر، لما يحدث لبطلة لينون! إلا أنه على أية حال كاتب متمرس على التمرد على أشكال التعبير التقليدية، ولا يمكن إلا أن يشعرك بسرياليته، بعيداً عن ما هي النهاية.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©