قال لي صديقي الذي تضرب جذوره في أعماق الصعيد الجواني: ''حجازي قدها وقدود''· ولم أكن أعلم من هو حجازي هذا، حتى تبينت من خبر كان يقرأه، أنه الوريث الفني الشرعي للريّس متقال، مطرب الصعيد الشعبي الأول، الذي عمت سيرته كل المسارح الراقية، واستقرت في آذان كل السميعة، من العاصمة المصرية وأخواتها العربيات إلى باريس ولندن وموسكو وصولا إلى طوكيو وأخواتها الآسيويات، فضلا عن المدن المحيطة بهوليوود·
والظاهر من الخبر أن الريّس حجازي ينوي إعادة إطلاق سيرة الريّس الكبير، وفكر في البداية أن يبحث عن أعمال غنائية تشبه تلك التي تغنى بها والده وفرقته، لكنه وجد أن كل ما عرض عليه هو دون المستوى، فقرر أن ينطلق من تراث الريّس متقال نفسه، وأن يكون المدخل هو الأغنية التي ذاع صيتها وقلَ نظيرها، والتي تقول: ''بص على الحلاوة''· ولا ننسى، أننا جميعا ـ أبناء جيل الريّس متقال ـ قد ''بصينا على الحلاوة'' بعيوننا وأفئدتنا وحناجرنا، وإن كان لكل منا طريقته في ''البص''· وهنا يكمن سر نجاح الأغنية الشعبية، بحيث تصبح أغنية كل شخص بأسلوبه الخاص، ولذلك فإن الريّس متقال يستحق اسمه وزيادة·
لكن متن الخبر، جعل صديقي الصعيدي وأنا معه، نتوقف متوجسين مما قد يصيب تراث الريّس متقال باسم التحديث والتطوير· فالريّس حجازي ينوي كما قال إعادة توزيع أغنيات (الحاج) بأسلوب موسيقي معاصر· وهنا بصراحة تقف حدود وراثته الشرعية لتراث الوالد· فكل من أحب أغاني الريّس متقال وفي طليعتها ''بص على الحلاوة''، أحبها كما هي، بعفويتها ومزمارها وطبلها وجملتها اللحنية البسيطة المكررة· وأي عبث في شكلها ومحتواها سيجعلها أغنية أخرى وليست أغنية الريّس متقال·
وفي الحقيقة قبل الريذس حجازي فعلها ''الريّس'' زياد رحباني· ففي لوثة تطويرية شن غزوة على تراث الأخوين رحباني، وعبث به على طريقته، والأدهى من ذلك أنه جعل فيروز تغني على وقع موسيقى الجاز كلاسيكيات معروفة، فما بقيت أغنيات الحنين على حالها ولا استطاع الجاز أن يكون بديلا عن أصيل·
أسوق هذا المثال لوريث الريّس متقال، فهو وريث شخصي، لكن موروث الفنان الشعبي الراحل هو من حق العموم· وإعادة توزيع أغنيات الريّس متقال ستأتي على غرار ما فعله ابن الرحباني، أو كمن يطلب من بنات فرقة ''الفور كاتس'' أن يؤدين أغنيات بافاروتي، أو كمن يدعو خوليو إيجليزياس لتأدية أغنية ''بوس الواوا''·
نقطة ايجابية تسجل للريّس الابن، هي أنه سيصور أغنية ''بص على الحلاوة'' فيديو كليب مستعينا بموديل من الصعيد، لكي يقول لهيفا وزميلاتها اللبنانيات إنه ليست كل من لبست العباية والملاية وعقدت المنديل المزهر، تصبح صعيدية·
adelk85@hotmail.com
عدد اليوم
