الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القلم وفعل الكتابة

القلم وفعل الكتابة
12 يوليو 2007 02:29
عندما يكون القلم بين الأصابع تجتاح الرأس حكايات وأفكار، عوالم تأتي والخيال يمرح في فضاء الورق الأبيض · ذلك على الرغم من أن اللحظة التي تسبق تحقق القلم بين الأصابع وحضوره الفاتن يكون كل شيء فيها ساكناً وكأنه في العدم أو كأنه في صندوق الثلاجة العلوي جامدا أو كأنه الحياة تمضي من دون ذاكرة، من دون تدوين، حيث تسرح اللحظة في آنها وتتبخر من دون أثر · القلم يحدث التغيير، يحدث الأثر·· يحيل الواقع جنة أو يحيله جحيماً·· فحين تحرك الأصابع القلم كي يخط ، فإن هناك حياة تخط·· أشياء تنبت وأشياء تتغير·· أفكار جديدة تولد وتعاليم · في العالم الجديد يقال إن القلم قد كسر وانه ذهب بعيداً عن الجميل في ''اليومي'' وأصبح في الغالب زينة في الجيوب وكل ما يقوم به هو مهام ثانوية وذلك لان البدائل للقلم أصبحت كثيرة ولم تعد مرتبطة بتحقق القلم بين الأصابع· فهل هذا الأمر صحيح؟ في المنطق لا يمكن نفي القلم مطلقاً وإلى الأبد لا يمكن كسره، ذلك لان كل تطور تقني لا يمكنه نفي القلم، وكل ما يحدث هو تحقق دور جديد للفعل الأساسي الذي يقوم به القلم وهو الكتابة، من هنا فإن كل شيء يحقق فعل الكتابة يمكننا أن نقول عنه إنه قلم؛ أي يمكن أن نقول على الكيبورت إنه قلم والصفحة البيضاء التي على جهاز الحاسوب هي الورقة البيضاء وإحساس الأصابع على الكيبورت تكون ذاتها الأحاسيس على القلم·· وهذا حين يتحقق التصالح مع التقنية الجديدة واعتبارها جزءاً من جماليات الحياة، حيث القلم يتحول ويتطور من خلال تلك الأشكال ليحقق فعل الكتابة· في حياتنا الكثير من الكتاب الذين تحولوا تماماً إلى ممارسة الكتابة على الحاسوب وهناك آخرين مازالوا يصرون على الكتابة بالقلم التقليدي وعلى الورق التقليدي وهناك نوع ثالث من الكتاب يكتب في كلتا الحالتين، وفي كلتا الحالتين تتحقق له متعة الكتابة والشعور الجميل بحركة الأصابع على القلم وهو يتحرك بينها من يمين الصفحة إلى يسارها ومن أعلاها إلى أسفلها يتلذذ بالأفكار وهي تنساب أمام عينيه حروفا وكلمات وجملاً · وكذلك يتلذذ بحركة الأصابع العشرة على الكيبورت وهي تتراقص على الحروف ويتلذذ بالكلمات والجمل وهي تطبع على الصفحة الإلكترونية البيضاء · كلتا الحالتين فيهما فعل جمالي وممتع·· فلفعل الكتابة بالقلم التقليدي على الورق التقليدي مزاج خاص ·· ولفعل الكتابة على الحاسوب مزاج خاص أيضاً· *** من ذلك تبرز على الفور أهمية أكثر عظمة من الأدوات ألا وهي فعل الكتابة نفسه، هذا الفعل الذي يجب ألا ينكسر في داخل المبدع وان يعتني كثيرا بتنميته ودفعه نحو البراحات الرائعة في الحياة، حتى يجود بالجمال ويقبض على الواقع، يفككه ويوقف لحظاته كي لا تمر سدى ولكي يمكن رؤيته على مدى الأزمان للاستفادة منه كتجارب أو الاستمتاع به كعمل إبداعي ولكي يقول لنا عن المعنى الخفي في الوجود، ويكشف التشويه الذي جرى على الحياة · الوعي والنفس المفتوحة والحرية غير المشروطة هي السبيل إلى تحقيق هذا الفعل الجميل من الكتابة·· وهذه شروط أساسية، ليس للتحايل على الواقع، بل للوقوف أمامه تماماً والرقص معه والتحديق في عينيه وروحه وتشريح كل التفاصيل بدقة الإبداع، حيث تسكن شرارات الجمال في الرأس والقلب والروح والجسد· *** هل لك أن تغني وترقص أن تقول انك عاشق هل لك أن تشيح بوجهك عن كل القبح وتقبل الوردة هل تحدق في وجهك في المرآة أول الصباح وتقول أنا ثم تحدق فيه في آخر الليل وتقول أنا وتنام بوداعة الأطفال؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©