نحو تعاون أميركي- روسي في نظام الدفاع الصاروخي

تقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعرض مهم إلى الرئيس جورج بوش لا يمكن رفضه- على الأقل إذا كان بوش حريصا فعلاً على تعميق التعاون الدولي بشأن مسألة الدرع الصاروخية· فقد عرض بوتين في الأسبوع الماضي على بوش استفادة الولايات المتحدة من المعطيات التي يوفرها الرادار الروسي للإنذار المبكر الموجود في أذربيجان· وهو الرادار القادر على رصد إطلاق الصواريخ البالستية طويلة المدى التي يمكن لإيران أن تستخدمها في صراعها مع الغرب· وقد جاء هذا العرض الذي تقدم به بوتين كجزء من المساعي الروسية الرامية إلى إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن إقامة نظامها الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك· والواقع أن مقترح استبدال تلك الدولتين بأذربيجان معقول لسببين، فهو من شأنه أولاً أن ينهي الخلاف الدبلوماسي حول الخطط الأميركية الحالية بإقامة نظام للصواريخ في أوروبا الشرقية بالقرب من الحدود الروسية، ثم أنه ثانياً يتيح فرصة أفضل لمراقبة إيران ورصد تحركاتها· والسبب أن المواصفات التقنية التي يتوفر عليها الرادار الروسي، تُكمل مواصفـــات النظام الأميركي للصواريخ التي تصر واشنطـــن على إقامتــــه ويشبـــه ذلك الموجود في ألاسكا (من دون أن ندخل في تفاصيل ما إذا كانــت تلـــك الأنظمة فعالة بما يكفي لرصد الصواريخ والتصدي لها)· لكــــن في حــال موافقتـها على العرض الروسي علينا ألا نكتفي بقبول عملية اقتسام المعلومات والمعطيات، بل علينا أيضا السعي إلى نصب رادارات أميركية، وتكنولوجيا أخرى في أذربيجان، أو حتى في تركيا القريبة· فالتعاون المشترك الروسي الأميركي في هذا المجال سيزيد من فرص نجاح نظام الصواريخ ويجعله أكثر فاعلية في التعامل مع التهديد الإيراني· وإليكم التفسير التقني الذي يشجع على التعاون بين البلدين وضم الجهود لضمان حماية أكبر لأمنهما القومي· فنظام الرادارات في روسيا يعتمد على إشارات منخفضة التردد للبحث عن الصواريخ البالستية بعيدة المدى· ولأن الموجات الصادرة عن إشارة الراديو تكون قريبة من المدى التي توجد فيه الرؤوس الصاروخية، فإن الرادار يتلقى ذبذبات قوية من الحقل الإلكترومغناطيسي وينعكس بكميات كبيرة على الرادار ما يتيح رصدها بسهولة· وبخلاف ذلك يستخدم نظام الرادار الأميركي المضاد للصواريخ تقنية مختلفة، حيث يعمل بتردد أعلى بسبعين مرة عن نظيره الروسي· وميزة ذلك أنك تحصل على صورة عالية الجودة توضح طبيعة الصاروخ الذي تم إطلاقه، وهو أمر مهم لتحديد طريقة التعامل مع الصاروخ، والتمييز بين رؤوس صاروخية فعلية من رؤوس وهمية· لكن مع هذا المستوى المرتفع من التردد الذي تعمل به الرادارات الأميركية يجعل من حجم الذبذبات التي ترتد إلى الرادار قليلة بالمقارنة مع نظيرها الروسي· ويعني ذلك أن الرادار الروسي يستطيع البحث بسرعة وفعالية أكبر في الأجواء عن صواريخ محتملــــة، كما أنه قادر أيضاً على رصدها من دون مشكلات تذكر· لكنه في الوقت نفسه لا يمتلـــك سوى قدرة محدودة على تحديد طبيعة الصاروخ والتعرف على طرازه للتعامل معه· وبالعكـس من ذلــك قد يستغرق نظام الرادار الأميركي وقتاً أطول في البحث عن الصواريخ ورصدهــــا، لكنه في المقابـــل قادر على وصف التفاصيل الهيكلية للصاروخ· ومن الواضح أنه عندما يتوفر نظام للرصد الصاروخي يتوفر على مزايا النظامين معـــاً، فإنه يصبح من السهل اكتشاف الصواريخ المعادية وتعقبها في الأجواء· يضاف إلى ذلك أن اختيار أذربيجان للتعاون المشترك الروسي الأميركي له ميزة أخرى لا تقل أهمية عن أنظمة الصواريخ ذاتها· فعلى هذا المدى القريب جغرافيا من إيران لا تطرح استدارة الأرض وتعرجاتها أدنى مشكلة بالنسبة لمجال رؤية الرادار، لذا يسهل الحصول على صورة أوضح والحصول على تحذير مبكر· هذا ويستطيع الرادار الأميركي في أذربيجان أن يرصد إطلاق صاروخ إيراني موجه إلى واشنطن قبل ثلاث إلى أربع دقائق من وجوده في أوروبا الشرقية· وخلال هذه الدقائق الثمينة يمكن جمع المعلومات وحساب نقاط التقاطع، ثم إطلاق صاروخ مضاد يتصدى للصاروخ الإيراني· وفيما يتعلق بالجوانب التقنية لا يمكن إيجاد مبررات تعرقل التعاون المشترك وإقامة نظام للصواريخ الأميركية والروسية في أذربيجــان، لكـــن السياســـة قد تعرقل المقترح· فالذين يرون بأن الحرب البـــاردة لم تنتـــه بعد سيجادلون بأنه من غير الممكن الوثوق في الروس والعمل معهم حتى لو كان ذلك يحقق المصلحة المشتركة· أما بالنسبة للذين يحتجون على السلوك غير الديمقراطي للحكومة الروسية فإنهم يتجاهلون أن التعاون التقني قد يساعد في تقريب وجهات النظر واستمالة روسيا إلى الغرب· لكن إذا كانت الحرب الباردة مع روسيا قد انتهت فعلا كما صرح بذلك الرئيس بوش أمام بوتين في الشهر الماضي، فإن التعاون معها بشأن إقامة نظام للصواريخ يشكل الفرصة الأمثل لإثبات ذلك وإقران القول بالفعـــل· ------------------------------------------------------------------- أستاذ العلوم والتكنولوجيا والأمن القومي بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز