الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

خليل النعيمي: في السفر أجد حريتي

خليل النعيمي: في السفر أجد حريتي
13 يوليو 2007 01:27
الجزائر ـ حسين محمد: الدكتور خليل النعيمي روائي سوري، درس الطب في سوريا وفرنسا، وتخصص في الجراحة، لكنه تابع دراسته في الفلسفة بباريس· أصدر النعيمي، ومنذ سنة 1975 حتى الآن، سبع روايات وثلاثة نصوص رحلاتية، هي: ''مخيلة الأمكنة: من نواكشوط إلى اسطنبول''، و''كتاب الهند''، و''قراءة العالم'' الذي حاز سنة 2006 جائزة ''الرحلة المعاصرة'' التي يمنحها ''المركز العربي للأدب الجغرافي''، وتسلمها في الجزائر مؤخراً على هامش الملتقى الدولي الأول للكُتَّاب العرب في المهجر· ؟ تكتبون الرواية وأدب الرحلة معاً، فإلى أي جنس أدبي تميلون أكثر؟ ثم ألا تشعرون، وأنتم تكتبون هذه أو تلك، بأن هناك تداخلاً بينهما؟ ؟؟ هناك تداخلٌ أكيد بين كل نشاطات الكائن حتى غير المكتوبة، لكن المسألة هي كيف يستطيع الكائن الذي تدرَّب على الكتابة أن يعرف الخط الفاصل بين الرواية والرحلة، وهو خط يبدو لي واضحاً تماماً لأنني عندما أكتب الرحلة لا أكتبها بعد أن أعود من السفر؛ إنما أكتبها في المكان نفسه الذي أزوره· ؟ وهل يعود ذلك إلى خوفكم من نسيان الأحداث وتفاصيل الأماكن؟ ؟؟ لا أخاف أن أنسى فحسب إنما أطوِّر مشروعاً جديداً أو رؤية جديدة في الكتابة أسميها ''الكتابة المباشرة''، أقصد أن تكتب وأنت تعيش مباشرة في عين المكان، وبالتالي لن يكون ثمَّة خوفٌ كبير من أن تختلط عليَّ الأمور، وحتى إذا اختلطت فلن يكون الأمر سيئاً لأننا ككُتَّاب نميز بين نشاطاتنا الثقافية وإبداعاتنا بحيث نوجِّه هذه إلى جهة وتلك إلى جهة أخرى· ؟ ألــــــــــــيــــــــــس في أدب الرحـلات متسع ومساحة للمخيلة كما في الرواية؟ ؟؟ أكيد أن للمخيلة البشرية دوراً كبيراً في أدب الرحلة؛ وأرى أن المكان والكائن هما عنصرا الإبداع الإنساني ومن تلاقحهما تنشأ بنية المخيلة البشرية، أكيد أن هناك مخيلة تشتغل، لكنها الآن موجهة توجيهاً آخر؛ فعندما أكتب الرواية وأكتب المكان، في الحالتين الكائن الذي يكتب واحد، لكن النزعة أو الاتجاه أو الهدف يتغير من الوضع الأول إلى الوضع الثاني، وعندما يتغير الهدف تتغير الأداة واللغة والإثارة وتتغير الإجابات والاستجابات؛ وبالتالي تنتج هنا رواية وهناك كتبٌ عن الأمكنة، مع أن كُتَّاباً كباراً سافروا من أجل كتابة روايات في السفر، مثل كاتب رواية ''التحوير'' الفرنسية التي كتبها صاحبها وهو في قطار بين باريس وروما· ؟ قلتم في محاضرتكم في ملتقى كتاب المهجر: إن الذي لا يسافر لا يستطيع أن يكتب''، وكأنكم بذلك تضعون قانوناً أو شرطاً للكتابة، مع أن هناك من لم يسافر ومع ذلك كتب وأبدع؟ ؟؟ عندما نسافر ليس ضرورة أن نكتب، ولكن عندما نكتب فنحن بالضرورة نسافر، لم يعد السفر يعني الانتقال الجغرافي من نقطة إلى أخرى، إنما هو الشعور بهذا الانتقال والانزياح من المكان الأول إلى الثاني، السفر يمكن أن يكون داخلياً وهذه المسألة يمكن أن نردَّها إلى الصوفية عندما يقولون: ''لحظة بلحظة ولحظة بألف لحظة''؛ أي يمكن أن تنتقلَ من مكان إلى آخر وهو انتقال يُسبِّب لكَ اشتعالاً في الذاكرة وشغفاً يجعلك تبدأ بالكتابة، أنتَ تنزل من الشارع وتذهب إلى السوق فتجد أمامك فجأة امرأة جميلة قد تبعث فيها قصيدة شعرية، ولو لم تنزل من بيتك لما أتت القصيدة· نحن نسافر لكي تتحرَّك مخيلتنا بتحركنا؛ السفر ليس فقط أن تأخذ الطائرة من باريس إلى دمشق إنما هو أن تتحرَّك· ؟ قلتم أيضاً إن ''الثقافة والتعلُّم'' يصبح ثانوياً أمام البصر والملاحظة في الرحلة، كيف يمكن برأيكم الكتابة في ميدان الرحلة بالاعتماد على البصر والمُشاهدة وحدها إذا لم يكن صاحبها يملك ثقافة وخلفية فكرية تمكِّنه من الابداع؟ ؟؟ البصر في الكتابة المسافرة هو الذي يقود الكائن والأعمى يمكن أن يكتب كتاباً بالاعتماد على حواس أخرى، لكن عندما تسافر وأنتَ تتمتع بحواسك كاملة، فإن البصر هو الذي يقودك، وحينما ترى شيئاً، تدركه ويمر هذا الإدراك عبر مخيلتك الأولى، عبر تكوينك الثقافي الكلِّي، ولكن في هذه الحالة ليس المحرِّض الأساس هو ثقافتك الأولى، بل ما تراه في هذه اللحظة وفي هذا المكان، وبهذا المعنى يكون البصر هو الذي يقود حركة الابداع· ؟ كيف تقيمون وضعية أدب الرحلات الأدبي المعاصر، هل حقَّق تطوراً؟ ؟؟أتصور أنه في السنوات الأخيرة خاصة، حقَّق تقدما بفضل ''المركز العربي للأدب الجغرافي''، بدأت حركةٌ جديدة وجادة لتطوير وإنعاش هذا الفن، إنه أحد فنون الحياة أيضاً أن تسافر لا لتتفرَّج كما يفعل الكثير من الناس، بل تسافر لكي تفهم، لا تفهم فقط العالم الذي تسافر إليه، بل تفهم أيضاً ذاتك قبل أن تسافر وفي أثناء السفر؛ هي رحلة استكشاف واكتشاف ذاتي ولها دورٌ خطيرٌ وسيكون لها مستقبلٌ مهمٌّ في تصوري، ولو كانت الأمور بيدي لفرضتُ على المواطنين من وقت إلى آخر اجازات ومعها إمكانات مادية ليسافروا، لأننا لا نستطيع فهم معاني احترام الآخر والتعدُّد الكوني إلا إذا انتقلنا من منطقة جغرافية إلى أخرى، ولا نستطيع أن نشعر أننا أحرار إلا حينما نسافر لأن الحرية مكانٌ وليست فكرة مجردة، كما أنه ليس قراراً تتخذه السلطة· ؟ هل يتفاعل الغرب إيجاباً مع ما تكتبونه عنه في رحلاتكم؟ وهل تُترجم أعمالكم إلى لغاته ليطلع عليها؟ ؟؟ ثمة ترجماتٌ ولكنها شذرات لا أكثر· ومع أني أحب الترجمة، إلا أنها ثانوية بالنسبة لي لأنني أتوجَّه بكتاباتي للإنسان العربي وبلغته العربية· ؟ ولكن من المهم أن يطلع الغرب أيضاً على ما تكتبونه عنه؟ ؟؟ لا يهمني أن يطلع أو لا يطلع، للغرب ما يكفيه من معلومات ومن الاكتشافات المرئية والمسموعة التي يكرِّرها، عندما تتابع الآن التلفزيونات الغربية، ستكتشف الأهرامات عبر ما يكتشفه الغرب منها، الغرب هو الذي درسنا واكتشفنا ولديه ما يكفيه· لذا، فإن أي كاتب عربي يبحث عما إذا كان الغرب يهتم بكتاباته أو لا يهتم هو كاتب محكوم عليه مسبَّقا بمأساة· فهناك كُتَّاب وأدب عربي جديران بأن يُترجما لأنهما على مستوى عالٍ من الأهمية والإبداع· الكتَّاب العرب الذين لم يُترجموا هم أهم بكثير من الكتَّاب العرب الذين تُرجموا ورُوِّج لأعمالهم كثيراً· طبعاً هناك كتَّابٌ عربٌ تُرجموا يستحقون كل الاحترام مثل نجيب محفوظ وادوارد الخرّاط وآخرين، لكن الترجمة بحدِّ ذاتها لم تعد شاغلاً لي لأني أعيش في باريس منذ أكثر من 25 سنة وأعرف الجوَّ الأدبي وأقرأ بالفرنسية، ويمكنني أن أكتب أيضاً بها لكن هذا الخيار لا أهمِّية له عندي لأني أتوجَّه إلى القارئ العربي وما يهمني هو أن أُساهم في الثقافة العربية، ولكن إذا عُرضت عليَّ ترجمة بعض أعمالي، سأوافقُ برحابة صدر وسعادة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©