الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

معلـولا السوريــة متحـف للتاريــخ وحكايــات الأمس

معلـولا السوريــة متحـف للتاريــخ وحكايــات الأمس
13 يوليو 2007 01:29
هنا يسكن التاريخ والأساطير والحكايات، وتعيش اللغة التي تكلم بها السيد المسيح ''عليه السلام'' في معقلها الأخير، على سفوح جبال القلمون السورية، حيث تقوم بلدة معلولا الجميلة الهادئة· تبعد معلولا حوالي ستين كيلو متراً إلى الشمال من دمشق، وترتفع 1500 متر عن سطح البحر· وتطل معلولا من موقعها المتميز على وادٍ من بساتين الزيتون الممتدة، حيث تنساب فيها الينابيع الباردة، وتعد من أجمل المناطق السياحية في سوريا· لغتها السريانية أو ''الآرامية الغربية'' هي إحدى اللغات العربية السامية القديمة التي تحدث بها السوريون منذ 3500 عام، وحين انحسر استخدامها ابتداء من القرن السابع الميلادي، وجدت بين سكان معلولا الوادعة كثيراً من الغيورين عليها، حيث يبذل حوالي خمسة آلاف شخص من مسلمين ومسيحيين قصارى جهدهم لإنقاذها، ويشاركهم في ذلك سكان قريتين صغيرتين مجاورتين هما ''جبعدين'' و''بخعة''، وثلاثتهم لا يزالون يتكلمون الآرامية القديمة إلى جانب العربية حتى اليوم في حياتهم اليومية· 30 ألف عام كلمة معلولا ' تعود في المعجم السرياني إلى المصدر ''معلا'' وهو المكان المرتفع أو الهواء العليل، ويؤكد الباحثون والمؤرخون أن تاريخها يعود إلى ثلاثين ألف عام، حين سكنها إنسان العصر الحجري، وتدل على ذلك الشواهد المادية المتبقية على جدران الكهوف القديمة في أعالي الجبال· والطريق إلى معلولا جبلي كلسي مغبر، لا يوحي أبداً بالمفاجأة القادمة، وكأن الجبال تريد أن تحمي جوهرتها الثمينة فلا تدل عليها أحداً، وبعد قليل ينتصب تل كبير ينفرج شيئاً فشيئاً ليصبح وادياً منخفضاً، فيظهر للعيان مساحات خضراء واسعة وتظهر معلولا دنيا من الجمال الأخاذ· منازلها محفورة في الصخور وهي تتكئ على بعضها بعضاً على شكل مكعبات صعوداً من سفح الجبل، وتربط بينها ممرات ضيقة، بينما تصل بين بعضها الآخر سلالم خشبية، تضع الزائر لها في أجواء خيالية ساحرة، تشبه قصص الجدات والأساطير القديمة· أما في أعالي الجبال فتشاهد ''القلالي'' وهي كهوف صخرية كان الزهاد والرهبان المسيحيون ينصرفون فيها إلى الصلاة والتأمل والتقشف، ويلجأون إليها هرباً من الوثنية والاضطهاد الروماني· ومن معالم معلولا المشهورة الفج الجبلي الذي يدعى بفج مار تقلا، وهو ممر صخري يخترق الجبل إلى الجهة الأخرى منه، ويقسم القرية إلى شطرين، وبه ترتبط أسطورة القديسة تقلا، وهي ابنة أحد الأمراء السلوقيين، وتلميذة بولس الرسول أحد تلامذة السيد المسيح عليه السلام· فبعد أن اعتنقت تقلا المسيحية، اضطرت للهرب من والدها الوثني، الذي أرسل مجموعة من الجنود لملاحقتها وقتلها، لأنها ارتدت عن دينه، وحين وصلت إلى جبل سد عليها طريق النجاة، أخذت تبكي وتتضرع لله ليساعدها· وتقول الأسطورة إنه تم الاستجابة لدعائها فانشق الجبل، وتمكنت من النجاة· وفيما بعد لجأت إلى إحدى المغارات وزهدت وتنسكت فيها· مملكة حمس كانت معلولا في العهد الآرامي تتبع لمملكة حمس وعرفت في العهدين الروماني والبيزنطي بـ ''سليو كوبوليس'' ولعبت دوراً دينياً مهماً منذ القرن الرابع الميلادي، حيث كانت مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر· ويوجد فيها العديد من الأماكن الدينية والأديرة والكنائس والمزارات، وأهمها دير مار تقلا، وهناك دير مار سركيس، وهو أحد الفرسان السوريين الذين اعتنقوا المسيحية سراً، وكان جندياً في الفيلق الروماني، وحين رفض تقديم القربان لإله الشمس حكم عليه بالموت، ودفن في هذا المكان، وفي عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين أمر بتشييد دير من خشب الأرز باسم القديس سركيس مكان المعبد الوثني سنة 315م، بعد أن أصبحت الديانة المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية· على الرغم من أهميتها الدينية الكبيرة في التاريخ المسيحي للمنطقة، تمثل معلولا رمزاً للتعايش بين الديانتين الإسلامية والمسيحية في سوريا، حيث يمثل سكانها نسيجاً اجتماعياً واحداً، ويبلغ عدد المسلمين المتحدثين بالآرامية ضعف عدد المسيحيين، مع أن عدد الكنائس يفوق بثمانية أضعاف عدد المساجد فيها· كانت الآرامية في فترة من فترات الحكم البيزنطي اللغة الرسمية للبلاد حيث وصلت إلى أوروبا غرباً والصين شرقاً وكانت لغة العلوم والآداب والفلسفة، وفي زمن الخليفة المأمون، تحولت حركة الترجمة عن اللغة اليونانية، من الآرامية إلى العربية، وهكذا بدأت اللغة الآرامية تنحسر في كل مكان· وتمترست أخيراً في معلولا وقريتي جبعدين وبخعة ''صرخة''· ويرجع المؤرخون احتفاظ معلولا والقريتين المجاورتين لها بلغة السيد المسيح إلى ارتفاعها ووعورتها وانعزالها طوال قرون طويلة، وبالتالي عدم اختلاطها بغيرها من اللغات· لتبقى متحفاً مفتوحاً في أعالي سلسلة جبال لبنان الشرقية المعروفة بجبال القلمون· حيث يزورها باستمرار عدد كبير من السياح والرحالة والباحثين المهتمين بالتاريخ واللغة الآرامية، التي دعمت ''الحكومة السورية'' افتتاح مدارس لتعليمها منذ عام ·2003
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©