الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتجاجات الشعبية عـــــادة يومية في الجزائر

الاحتجاجات الشعبية عـــــادة يومية في الجزائر
13 يوليو 2007 01:31
شهدت مدينتا ''بوسعادة'' و''وهران'' الجزائريتان الأسبوع قبل الماضي احتجاجات شعبية عارمة رافقتها أعمال شغب وتخريب واسعة، وتواصلت في بوسعادة قرابة أسبوع ولم تنتهِ إلا بشق الأنفس، وبعد أن أحدثت تخريبا كبيرا للممتلكات العمومية· اعادت هذه الأحداث المأساوية صورة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت الجزائر تشهدها منذ عام 2001 بصورة ملفتة للانتباه، حيث أضحت في السنتين الأخيرتين''عادة يومية'' تقريباً، فلا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا التقارير المحلية بخبر قطع طريق أو أعمال شغب في هذه المنطقة الريفية أو تلك· فما هي أسباب تفاقم هذه الآفة في السنوات الأخيرة؟ ولماذا أصبح الجزائري يلجأ إلى العنف والشغب لأبسط الأسباب وأتفهها للضغط على السلطات بدل محاولة إقناعها بمطالبه سلميا؟ يجب الإشارة في البداية إلى أن المظاهرات وكل أشكال الاحتجاجات الشعبية العنيفة كانت محظورة منذ استقلال الجزائر في صيف 1962 واعتماد نظام الحزب الواحد إلى غاية إقرار التعددية السياسية بموجب دستور 23 فبراير ·1989 والمفارقة أن هذا الدستور الذي فتح باب الحريات على مصراعيه ومنها حرية التظاهر، جاء نتيجة مظاهرات 5 أكتوبر 1988 التي خرج فيها شباب عدة مدن كبرى وقاموا بأعمال تخريب واسعة وخطيرة استمرت 5 أيام كاملة، أمعنوا خلالها في تخريب الأملاك العمومية احتجاجاً على تدني أوضاعهم الاجتماعية، وأسفرت عن خسائر مادية كبيرة وسقوط العديد من القتلى والجرحى· وعقب اعتماد دستور ،1989 اتخذت المظاهرات طابعاً سياسياً، فنظمت أحزابٌ إسلامية وعلمانية عديدة مسيراتٍ صاخبة في الجزائر العاصمة بين 1989 و،1991 وكان يُعتقد أن تلك المسيرات ستمتص مخزون الاحتقان الشعبي المتراكم طيلة فترة الأحادية، إلا أنها بالعكس من ذلك شجَّعت بعض الأحزاب على الانزلاق إلى العنف· فنظمت''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' اعتصاماً مفتوحاً في الساحات العمومية بالجزائر العاصمة أعقبته مسيراتٌ متواصلة ثم دعوة لإضراب عام اتخذ شكل عصيان مدني، احتجاجاً على قانون انتخابي قالت ''جبهة الإنقاذ'' إن حكومة الحزب الحاكم آنذاك ''جبهة التحرير الوطني'' خاطته على مقاسها لقطع الطريق عنها في الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في يونيو ،1991 وبسبب ذلك الانزلاق، تدخل الجيش وأفشل الإضراب والعصيان وشتَّت شمل المعتصمين وزجت السلطات بزعيمي''الإنقاذ'' عباسي مدني وعلي بلحاج في السجن وحكم عليهما بـ 12 عاماً نافذا، وأجّلت الانتخابات التشريعية إلى ديسمبر ،1991 وبعد فوز ''الإنقاذ'' بالغالبية فيها، قامت السلطات بإلغائها وإعلان حالة الطوارئ، فدخلت الجزائر في أزمة خطيرة منذ يناير 1992 وانتهت آلياً ظاهرة''المظاهرات السياسية'' وانشغل الجزائريون كلياً بآفة الإرهاب التي كانت تحصد الأرواح بشكل غير مسبوق في العالم كله· فتنة''العروش'' على الرغم من بداية ظهور بوادر الاحتجاجات الشعبية منذ 1998 تقريباً، إلا أن الأوضاع انفجرت بشكل مفاجئ بمنطقة القبائل ابتداءً من 18 أبريل ،2001 حيث خرج السكان في مظاهرات صاخبة لجأوا خلالها إلى تخريب الأملاك العمومية بالمنطقة احتجاجاً على مقتل شاب عن طريق الخطأ في مركز درك، وأدى ذلك إلى تدخل الدرك الوطني لنجدة الأمن بغية الحؤول دون اتساع اللهيب· وأسفرت المواجهات المستمرة بين عشرات آلاف المتظاهرين وبين الدرك عن سقوط 126 قتيلاً ومئات الجرحى، فتوسعت دائرة الفتنة، وعاشت الجزائر أياماً حالكة السواد ووضع الجزائريون أيديهم على قلوبهم خوفا على وحدة البلد بعد أن جهر بعض أبناء المنطقة بفكرة ''الاستقلال الذاتي'' لمنطقة القبائل عن الجزائر، وكان لا بد من معالجة حكيمة للأزمة الخطيرة فاتخذ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إجراءات تهدئة ومنها اعتماد الأمازيغية في الدستور لغة وطنية ثانية إلى جانب العربية، وكذا تكليف رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى، وهو من أبناء المنطقة، بمحاورة ''العروش'' الممثلة للقبائل، وأسفرت الجهود والتنازلات عن نزع فتيل الأزمة وإخمادها بعد أن بلغت درجة جد خطيرة· لكن ما لم يكن في الحسبان، أن المظاهرات وأعمال الشغب التي استمرت من 18 أبريل 2001 إلى غاية أكتوبر ،2002 شجعت جزائريين آخرين في مناطق متفرقة من البلد على انتهاج نفس الأساليب تقريباً وهي اللجوء إلى التظاهر وقطع الطرقات بالمتاريس وجذوع الأشجار وإشعال العجلات المطاطية والدخول في كرٍّ وفر مع الأمن، قصد دفع السلطات إلى التحاور معهم وتلبية مطالبهم التي كانت اجتماعية بالأساس· وأصبحت الجرائد الجزائرية تعج بأخبار من هذا النوع عن هذه المنطقة الريفية أو تلك، حتى لا يكاد يمر يوم أو يومان دون أن تقرأ خبراً من هذا النوع، وكانت أخبار ''نزول'' السلطات المحلية من أبراجها العاجية للتحاور مع المواطنين الغاضبين وتلبية مطالبهم بهدف امتصاص غضبهم وإنهاء حالة الفوضى والتخريب، عاملاً ''مشجعاً'' لباقي الجزائريين على انتهاج نفس الوسيلة لتحقيق مطالبهم سواء كانت شرعية أو غير شرعية· أسباب اجتماعية ومن خلال التأمل في أسباب ودوافع مختلف الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مختلف الأرياف الجزائرية، خاصةً وكذا بعض المدن، نجد أن الأسباب الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى؛ إذ غالباً ما تكون هذه الاحتجاجات نابعة من الغبن الذي يعيشه المواطن على المستوى المحلي· ويتبين من خلال الحوار مع المحتجين والاستماع لمطالبهم، أن سوء حالة الطرقات وندرة مياه الشرب وغياب الإنارة العمومية وقلة مرافق الخدمات الضرورية من مراكز صحية وترفيهية وتربوية كانت الدوافع الرئيسة لاحتجاجاتهم، إلا أن الملاحظ أنها قصيرة المدى ولا يلجأ أصحابها إلى الشغب عادة ويكتفون بمحاورة السلطات المحلية وانتزاع ''وعود'' منها بإصلاح الوضع ورفع مطالبهم إلى السلطات العليا إذا كانت بعض المشاريع المُطالب بها تتطلب غلافاً مالياً كبيراً لا تستطيع البلديات توفيره، لينصرفوا بعدها إلى بيوتهم· مطالبٌ غير شرعية في السنوات الماضية، كانت الاحتجاجات الشعبية المختلفة تلقى تفهمَ، ليس المواطنين والصحافة المحلية فحسب، بل حتى تفهم السلطات التي تدرك مدى اعوجاج الأوضاع على المستوى المحلي، فكانت تعامل هذه الحركات ببعض اللين ولا تطبق القانون بصرامة على المحتجين وتفضِّل الحلول العقلانية التي تصب في إطار التهدئة وتطبيع الأوضاع· ولكن مع تفاقم الاحتجاجات، بدأت السلطات تزج بعشرات المتورطين في السجون وترفض ضغوط المتجمهرين أمام المحاكم لإطلاق سراحهم، وازداد التعاملُ بحزمٍ مع المحتجين بعد أن تبيَّن أن هذه الاحتجاجات قد بدأت تتميع وتسقط في الابتذال أحياناً· فمنذ عامين تقريباً اندلعت مواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن بمنطقة ''أرزيو'' غرب وهران (حوالي 410 كلم غرب الجزائر) بسبب منع السلطات سوقاً غير شرعية بالمنطقة، والمثير في تلك الأحداث التي استمرت أياماً وسقط فيها قتيلان، أن المئات من الشبان الطائشين انضموا إلى التجار الفوضويين في أعمال التخريب واعتبروا أنهم ''مظلومون''، مع أنهم يمارسون تجارتهم خارج القانون! أما الأحداث الأخيرة بمدينة ''بوسعادة''، فقد اندلعت إثر قرار الرابطة الجزائرية لكرة القدم إسقاط فريقها لكرة القدم إلى الدرجة الثالثة من الدوري، تنفيذا للقانون الذي ينص بوضوح على خصم 6 نقاط من رصيد أي فريق يُشرك لاعباً معاقباً في مباراة قبل استنفاد عقوبته، وبرغم ثبوت ارتكاب فريق ''بوسعادة'' هذه المخالفة، إلا أن أنصاره خرجوا بالآلاف في أعمال تخريب واسعة للمرافق والمقار العمومية في المدينة، واستمرت المظاهرات والمواجهات مع الأمن قرابة الأسبوع أملاً بإرغام الرابطة على إلغاء قرارها القانوني! وتميل المعارضة الجزائرية إلى ركوب الموجة واستغلال هذه الأحداث المتكررة للاستنتاج بأنه ''تعبير شعبي متواصل عن رفض النظام القائم ورغبته بالتغيير'' لكن ما يدحض هذا الحُكم أن الرئيس بوتفليقة يحظى باستقبالات شعبية حاشدة في أي منطقة يزورها بالجزائر، وهناك مدن وأرياف تخرج عن بكرة أبيها لاستقباله والهتاف باسمه وترديد عبارات تأييده، وهو ما يدل على أن الخلل يكمن أساساً في السلطات المحلية من إدارة ومجالس محلية منتخبة غارقة في سوء التسيير حيناً وفي ممارسات المحاباة والمحسوبية حيناً آخر، وأثبتت عدم قدرتها على تحسس انشغالات المواطنين وحل مشاكلهم اليومية، وهو ما يعني أن مشكلة الاضطرابات الشعبية مرشحة للاستمرار ما دام مشكل ضعف التسيير المحلي قائماً وما دامت البيروقراطية الإدارية قائمة من جهة والأحزاب القائمة لا تحرص على ترشيح الكفاءات في الانتخابات المحلية بقدر ما تحرص على ترشيح الأشخاص الذين تسندهم عشائر وقبائل كثيفة العدد لضمان الحصول على أصواتها والفوز بالانتخابات· أسلوب خاطئ نبَّه الملاحظون مراراً إلى أن عزوف السلطات المحلية عن معالجة مطالب المواطنين ومشاكلهم اليومية، ثمَّ القيام بذلك تحت ضغط المتظاهرين، سيؤدي إلى ''تشجيع'' هذه الآفة؛ إذ تكرس في أذهان الجزائريين فكرة أن السلطات المحلية لا تفهم إلا لغة الضغط عن طريق الشارع، مما يؤدي إلى تحول هذه الوسيلة إلى أداة للابتزاز، وأن الأسلوب الصحيح هو إخماد كل الحركات الاحتجاجية العنيفة ومختلف أساليب الضغط أوَّلاً، ثم طرح كل المطالب بطريقة حضارية سلمية بعد ذلك· كما نبّهوا إلى ضرورة التسيير الرشيد للشؤون المحلية لتجنب منح المواطنين أية مبررات للجوء إلى التظاهر والاحتجاج في الشارع· الهاجس الأول طيلة التسعينيات، اختفت المظاهرات وكان الهاجس الأول لكل جزائري هو كيفية الحفاظ على حياته، وبرغم أن إعادة جدولة الديون الخارجية للجزائر ابتداءً من أبريل 1994 خلف فقرا واسعاً وبطالة خانقة وغلاء فاحشا في الأسعار بسب تحريرها وانهيار قيمة الدينار، وكذا بروز مظاهر سوء التسيير على المستوى المحلي، إلا أن الجزائريين واجهوا كل ذلك بصبرٍ وأناة على الرغم من تحذير أحزاب ونقابات ومنظمات عديدة من ''انفجار اجتماعي وشيك''·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©