الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

النضوب والمناخ·· كارثتان تهددان البشرية

النضوب والمناخ·· كارثتان تهددان البشرية
14 يوليو 2007 00:04
شعر الرأي العام بالصدمة في الأسبوع الماضي عندما صرح برينداد نيلسون وزير الدفاع الاسترالي بجملة أصابت كبد الحقيقة بوضوح ربما للمرة الأولى حيث لاحظ أن منطقة الشرق الأوسط ''تعتبر المزود الأهم للطاقة والنفط على وجه الخصوص'' ونبه الجميع إلى ضرورة إدراك النتائج الوخيمة التي ستتمخض عن أي انسحاب سريع من العراق· وعلى الرغم من أن نيلسون لم يقل بأن الحالة العراقية ''حرب على النفط'' إلا أنه أشار إلى أن هنالك كميات هائلة من النفط مختزنة تحت الأرض في المنطقة وهو الأمر الذي يكتسب أهمية بالغة· وكما جاء في التحليل الذي أوردته صحيفة الفاينانشيال تايمز مؤخراً على لسان كاتبها جديون راشمان فإن هذا الأمر لا يعتبر أنباءً جديدة فإذا تمعنت في أكبر المشاكل الجيوسياسية التي تواجه العالم الآن فستجد أن الطاقة تحتل مكانة القلب في معظم هذه المشاكل· وفي الحقيقة فإن العالم أصبح يواجه أمتين في الطاقة حيث تتجذر الأولى في مسألة الندرة وفي سياسات الطاقة التقليدية وتنطوي على الصراع الدائر ما بين أكثر الاقتصاديات المتعطشة للطاقة في العالم من أجل الاستحواذ على الموارد الطبيعية التي تحتاجها· وبالأمس القريب حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن سوق الطاقة العالمي سوف يصبح محدوداً بشكل مفرط خلال الأعوام العشرة المقبلة· فالطلب من الصين والاقتصاديات الناشئة الأخرى سيواصل ازدياده، بينما أشارت ماري كالدور المؤلفة لكتاب جديد تحت اسم ''حروب النفط'' إلى أن الصراع على امدادات جديدة للنفط اصبح نوعاً معروفاً من النزاعات وربما يندرج تحت إطار ''اللعبة الكبرى'' التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر أو إحدى بقايا الصراعات الامبرالية السابقة· أما أزمة الطاقة الثانية فهي أحدث من سابقتها وتتمحور حول مسألة التغيرات المناخية وهي تتطلب التعاون الدولي عوضاً عن التنافس والصراع· وفي الوقت الذي تقود فيه الأزمة الأولى جموع السياسيين ورجال الأعمال إلى البحث عن المزيد من النفط والغاز فإن الأزمة الثانية تتطلب منهم وبشكل راديكالي خفض اعتماد اقتصادياتهم على المواد الهيدروكربونية· لذا فقد وجد السياسيون أنفسهم مشدودين إلى كلا الاتجاهين، وكان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق قد انفق معظم فترة الأشهر القليلة الماضية في منصبه في محاولة ترويج اتفاقية دولية في مسألة التغير المناخي إلا أنه ظل يعتقد في نفس الوقت بأن أعظم انجازاته تمثلت في الصفقة الطويلة الأمد التي ستتيح لبريطانيا تأمين امدادات الغاز من النرويج· ومن الناحية النظرية فإن أزمتي الطاقة باتت تشير إلى نفس الاتجاه والخلاصة المتمثلة في ''تطوير البدائل'' فالطاقة النظيفة من شأنها أن تقلل الاعتماد على النفط والغاز بالإضافة إلى أنها تعتبر حاسمة في أي مساع تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون· الا أن المشكلة تكمن في عدم وجود مؤشرات قوية تؤكد أن الطاقة البديلة سوف يصار إلى تطويرها بالسرعة الكافية من أجل تعويض الطلب على النفط والغاز· ويعتبر بلير أحد أكبر المدافعين عن الحاجة لتطوير الطاقة النووية إلا أن هذه السياسة ظلت مثيرة للجدل أيضاً وبخاصة فيما يتعلق بملء هذه الفجوة· فقد خلص تقرير صدر الأسبوع الماضي إلى أن العالم يحتاج إلى بناء أربعة مفاعلات نووية في كل شهر ابتداء من الآن وحتى عام 2070 حتى يتم إحداث الفرق المطلوب في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم· ولكن وفي الوقت الذي يستمر فيه الجدل بشأن الاحتباس الحراري يستمر أيضاً الاحتباس الحراري من إنتاج الهواء الساخن وبقدر أكبر من احداث التغير الحقيقي بينما أصبح البحث عن المصادر البديلة للنفط والغاز يحتل محور السياسات الخارجية لجميع القوى الكبرى في العالم· ولقد أصبحت الهجرة الصينية نحو القارة الأفريقية تثير الجدل وتعتبر أول المساعي الحقيقية لبناء القوة والنفوذ في خارج آسيا، فالبحث عن النفط بات يعتبر مسألة جوهرية لهذه السياسة وبخاصة تلك العلاقة المثيرة للجدل أيضاً والتي تربطها مع حكومة السودان· أما في الداخل فقد عمدت الصين مؤخراً إلى افتتاح محطة جديدة تعمل بالفحم في كل أسبوع بهدف تهدئة مخاوف النشطاء في مكافحة الاحتباس الحراري· واصبحت مسألة الطاقة الأكثر أهمية وحسماً ربما في الاتحاد الأوروبي، فالتوتر بين بولندا وألمانيا يعود أصلاً لخطة روسية - ألمانية تهدف لبناء خط أنابيب جديد للغاز يتم تمديده تحت بحر البلطيق، ولكن وفي الوقت الذي تراهن فيه ألمانيا على ضرورة تأمين امداداتها على المدى الطويل من روسيا فإن بعض الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي باتت تتدافع من أجل تنويع مصادرها الخاصة بالإمدادات متخوفة من احتمال أن تقدم روسيا على تهديدها باغلاق ''حنفية'' الغاز تماماً كما فعلت مع أوكرانيا في عام ·2006 وفي الوقت الذي نجحت فيه بريطانيا في إبرام صفقة مع النرويج فقد شرعت دول البلطيق وفنلندا في بناء محطات الطاقة النووية الكبرى الخاصة بها، ولكن من المؤكد أن عدداً قليلاً فقط من الأوروبيين قد شعروا بالارتياح وهم يستمعون إلى اليكساندر رئيس شركة جازبروم العملاقة الروسية في مجال الطاقة وهو يقول في غضون 25 عاماً من الآن لن تتبقى سوى ثلاث دول رئيسية تزود العالم بالغاز الطبيعي وهي روسيا وقطر وإيران· ومضى يشير إلى أن الاقتصاد الروسي في هذه الأثناء سوف يشهد نمواً متسارع الوتيرة بينما تتسلح السياسة الخارجية لروسيا بالمزيد من القوة والمنعه بدعم هائل من الصناعة المزدهرة للطاقة· أما الولايات المتحدة الأميركية فقد ظلت منشغله بالورطة الخاصة بها في مجال الطاقة حيث ما زالت تسهم بمعدل 25 في المئة من الاستهلاك العالمي للنفط وبحوالي 9 في المئة من انتاج النفط العالمي وبنسبة 2 في المئة فقط من احتياطيات النفط العالمية· ولقد استمر ارتفاع الطلب الأميركي على الهيدروكربون بينما لايزال الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على هذه المادة، إذ أن 79 في المئة من نظام النقل الأميركي يتم تشغيله بالنفط· ويبقى أن حرب العراق لم تفعل شيئاً في تهدئة هذه المشكلة، ولو قيل لنا أنها ''حرب على النفط'' لاعتبرنا أنها حرب فاشله بكل المقاييس، إذ أن النفط قبل وقت وجيز من الغزو كان يباع بحوالي 30 دولاراً للبرميل· أما بالأمس فقط فقد قفز السعر إلى أعلى مستوياته في 11 شهراً لكي يجتاز حاجز 76 دولاراً للبرميل، وبلاشك فإن الحكومة الأميركية ما زالت مخلصة في ادعائها بالتخلي عن ادمان النفط ولكنها مثل غيرها من المدمنين باتت تشهد تفاقماً وسوءاً في حالة الادمان· بل أنها أصبحت تتنافس مع العطشى الجدد من المدمنين في الساحة على موارد الطاقة العالمية مثل الصينيين الذين بدأ استهلاكهم للنفط يشهد نمواً متعاظماً بأكثر من 7 في المئة في كل عام أما مسألة التغير المناخي فقد اكتفت فيما يبدو بتهيئة الساحة بالنواحي الاخلاقية والمعنوية والاستراتيجية، وكما يقول السير نيكولاس استيرن مؤلف أحد أكثر التقارير أهمية في مسألة التغير المناخي وهو يخاطب الحضور في كلية لندن للاقتصاد في الأسبوع الماضي ويحاول جاهداً أن يظهر أكبر قدر من التفاؤل ''إنني اعترف بأن ايجاد ونشر بديل للطاقة وبسرعة كافية لتجنب كارثة مناخية، أمر ينطوي على صعوبة بالغة، ولكن إذا لم يتسن حدوث ذلك فإننا سنواجه مشكلة حقيقية قبل أن يكرر قائلاً ''سوف نصبح أمام مشكلة حقيقية''!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©