الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فاطمة المزروعي: أدرك العربي هويته فحددها

فاطمة المزروعي: أدرك العربي هويته فحددها
14 يوليو 2007 02:35
تبدو معالجات موضوعة الذات والآخر من منظور الدراسات الثقافية شائكة إذا نظرنا إليها من زاوية الهوية والاختلاف· وعليه لا بد من توفر أداة علمية دقيقة تسهم في تبئير ''زاوية النظر'' الرؤية المعالجة لكي تطرح المعضلات وتناقش سبل حلها· وذلك لا يتوفر أيضاً إلا لعقل جدلي قادر على اكتشاف أو تأويل ما لم ينتبه اليه· وهذا ما اضطلعت به الدكتورة فاطمة حمد المزروعي أستاذة الأدب العربي في جامعة الإمارات في كتابها ''تمثيلات الآخر في أدب قبل الإسلام'' الصادر حديثاً عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ''المجمع الثقافي'' في طبعته الأولى عام ·2007 معضلة المنهج منذ البدء واجهت المزروعي معضلة المنهج· ولهذا كان لا بد لها من مناقشته لتبيان مدى انطباقه على الحقل المعرفي الذي تتناوله بالبحث والاستقراء· وما دام الأدب العربي القديم والجاهلي تحديداً هو ميدانها فمن المنطقي ان تعالج موقف العرب من الآخر وهل اتصفت نظرتهم بواحدة من الصفات الثلاث ''الاعجاب أو الازدراء أو الحياد''·· أما تجليات هذه التمثيلات فلا بد من تناولها في حقلها التطبيقي المعني بالبحث وهو ''الشعر والنثر''·· ولكن هذا لا يمنع من ان تقرأ كل ذلك وفقاً للمنظور الإسلامي من الآخر· على اعتبار ان الاسلام كان بنية تغيير مارست خصائصها وعناصرها الموضوعية في تغيير السابق على وجودها أما اللاحق فهو امتداد طبيعي وعضوي لما حصل لحظة التغيير· هنا نصل الى البؤرة أو زاوية النظر الزمنية المختارة وهي الخط الفاصل بين البنية الاسلامية وما سبقها ''العصر الجاهلي'' والتي اختيرت من قبل الدكتورة فاطمة المزروعي بعناية ودقة متناهيتين· أولاً من الضرورة ان يحدد من هو الآخر والذي حصر لدى المزروعي بغير العربي، ومن منطلق المغايرة ارتأت الباحثة ان تقلب المعادلة التي كانت سائدة في الدراسات التمثيلية وحتى العربية التي نظرت الى تمثيل العربي في الثقافات الغربية فاجترحت لقراءتها النقدية ان تدرس تمثيلات الآخر في الثقافة العربية·· وبهذا غايرت عزيز عظيمة في كتابه ''العرب والبرابرة: المسلمون والحضارات الأخرى'' والطاهر لبيب في كتابه ''صورة الآخر العربي ناظراً ومنظوراً اليه'' وعبدالله الغذامي في كتابه ''النقد الثقافي'' وطروحاته حول أنواع الانساق وما تحمله من ايديولوجيات وصفتها الباحثة بالمبالغة·· واصفة هذه الدراسات بأنها قد ركزت على تمثيلات الآخر مهملة الذات وعلاقتها بالآخر· وكل ذلك ترجعه الدكتورة فاطمة المزروعي الى مفهوم ''المركز'' بقولها ''حيث ينسى الدارسون المركز/ الذات لينصب اهتمامهم على الآخر وتمثيلاته، رغم و جود علاقة جدلية بين الذات والآخر وربما كانوا متأثرين في ذلك بدراسات ادوارد سعيد الذي ركز حديثه على الآخر''· العنصر والبنية اعتمدت فاطمة المزروعي على مصطلح ''الدراسات الثقافية'' الذي كان نتاج ما بعد البنيوية مفارقة بذلك مصطلح ''النقد الثقافي'' الذي يدرج حصراً تحت بنية ''الدراسات الثقافية'' كون الأول عنصراً والثاني بنية مكونة من مجموعة عناصر· وللتمييز بينهما ترى المزروعي ان مصطلح ''النقد الثقافي'' يهتم بتحليل الأدب الرسمي وغير الرسمي، علاوة على الفنون الأخرى· في حين تهتم الدراسات الثقافية بالعلاقة بين الخطاب الثقافي والممارسة من خلال وسائل الإعلام والجماعات العرقية والأقليات هذا بالاضافة الى اهتمامها أي الدراسات الثقافية بالأدب والفنون الأخرى بحسب قولها· لهذا من المنطقي ان تستنتج المزروعي او ان تتحقق المفهومية النظرية من ان النقد الثقافي عنصر يتعاضد مع عناصر أخرى ليشكل بنية الدراسات النقدية وهو استنتاج صحيح تؤكد عليها قراءة البنائية لمفهوم العنصر والبنية· من المنطقي ايضاً ان المعرفية النقدية لم تعد مكتفية بقراءة النصوص الأدبية والتاريخية اذ اصبح تناول السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مطلباً فاعلاً لتقعيد الاستنتاج على قانون المنطق كون هذه السياقات هي الأداة الفاعلة للكشف عن النصوص الأدبية تلك· الاختلاف والهوية هنا تدخل الدراسات الثقافية ما دامت كونها خطاباً مشكلاً ومكوناً للأفكار والتصورات في قراءة ''الاختلاف والهوية''·· وعليه تصبح مهمة الدراسات الثقافية ان تكشف الثقافة وطريقة تشكل المعاني والتمثيلات المتولدة عن طريق الممارسات الإنسانية الدالة بحسب المزروعي· الاختلاف في الهوية بسبب ''الجنوسة'' أو ''العرق'' أو ''اللون''· وتمظهره في الأدب والسينما والإعلان· ومن المنطقي إذاً ان نصف الدراسات الثقافية بصفة ''عابرة للحقول المعرفية'' أو ''دراسات بينية''· في استفادتها من الماركسية وما بعد البنيوية والنسوية والتحليل النفسي ولا تنسى المزروعي ان تعرج على مفاهيم جوناثان كلر ورولان بارت في هذا الخصوص· ثم تتحول بعد ان تناقش الغذامي وادوارد سعيد ومفاهيمهما حول الانساق عند الأول والمركز والهامش عند الثاني الى قراءة علاقة النقد الأدبي بالدراسات الثقافية وهل هي علاقة انسجام أو تحاور متطرقة الى آراء جوناثان كلر التي ترى ان الدراسات الثقافية تحتوي الدراسات الأدبية وتطوقها فتمتحن الأدب بوصفه ممارسة ثقافية·· وهذا يتعارض مع مفهوم الغذامي الذي اطلق رصاصة الرحمة على النقد الأدبي وأعلى من شأن النقد الثقافي· وعليه ترى المزروعي ان مفهوم كلر في نظرته لهذا العلاقة بالتجاور لا الصراع أما مفهوم الاحتواء فلان طبيعة الدراسات الثقافية انها لا تقيد النقد الأدبي بموضوع ما أي انها تدفع النقد الأدبي الى آفاق أوسع هذا بالاضافة الى ان الدراسات الثقافية نشأت بوصفها تطبيقات لتقنيات التحليل الأدبي على مواد ثقافية أخرى في الوقت الذي فهم الغذامي هذه المعادلة معكوسة· كذلك نستنتج المزروعي ان الدراسات الثقافية هي حصيلة اقصاء الآخر المختلف ''الفرد، الجماعة، الدولة'' لذا فهي نتاج الصوت المهمش المقصي الذي أبعد عن الديمقراطية والتعددية· التمثيل والتنميط في الحقيقة من الصعب ان نقدم قراءة موضوعية شاملة لهذا الكتاب ''تمثيلات الآخر··'' في تلخيص قد يسقط في الاجتزاء المعرفي الا بقراءة مطولة عن جميع المناحي التي طرقتها الدكتورة فاطمة المزروعي في قراءة الآخر بالثقافة العربية كونها قد غامرت في حقل معرفي قلبت فيه طاولة المفاهيم الخاطئة على أصحابها هذا مع أهمية التطبيقات والموجهات التي خرجت من خلالها باستنتاجات مهمة في تناولها لكل وجوه العلاقة بين الذات والآخر عبر النص المنتج بعد ان عالجت مفاهيم دور الثقافة واكتشاف الآخر عند مفهومي التمثيل والتنميط· وللتعريف بمناطق التطبيق لديها فإننا نقدم تناولاتها لموضوعة الهوية والاختلاف في الجوانب التالية: هوية العربي في الجاهلية وهل هي من اختراع الرواة وقراءة الذات العربية عبر الانساب المتوارثة والهوية الثقافية واللقاء بالآخر في شبه الجزيرة العربية وخارجها وقراءة وتحديد ملامح وعي الذات العربية في الجاهلية عبر مجموعة من الوقائع التاريخية وتناولها موقف الاسلام من الآخر· هذا بالاضافة الى تحليلاتها تمثيلات العجم والفرس· والروم والحبشة والهند والأمم الأخرى· وخلوصها الى قراءة الكيفية التي فهم بها العرب الآخر· كل ذلك كان ميداناً تطبيقياً لبحث نظري استند على مصطلح ومفاهيم الدراسات الثقافية والذي كان ميداناً صعباً خرجت منه الدكتورة فاطمة المزروعي بحصيلة قرائية جاذبة استدعت منها جهداً استثنائياً لتحقيق معادلة النظرية والتطبيق في مطابقتهما الموضوعية بنجاح مستحق·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©