الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان الأزياء التراثية يعيد للملابس التقليدية الجزائرية ألقها

مهرجان الأزياء التراثية يعيد للملابس التقليدية الجزائرية ألقها
24 ديسمبر 2012
حسين محمد (الجزائر) - أبدعت 20 مصمِّمة ومصمماً جزائريا، جمعهم مهرجان متخصص بالأزياء التراثية استضافته العاصمة الجزائر في قصر «رياس البحر» في تقديم أنواع عديدة من أشهر الملابس التقليدية المحلية الرجالية والنسائية، الموروثة من العهد العثماني إلى الآن، والتي لا تزال تلقى رواجاً إلى حد الساعة، كونها تتكيف مع موجات العصرنة من خلال إضفاء لمسات إبداعية فنية راقية عليها لتحبيبها للأجيال الجديدة. تنوع وثراء المهرجان، الذي افتتحته وزيرة الثقافة خليدة تومي، يعكس ثراء الملابس التقليدية الجزائرية وتنوعها من منطقة إلى أخرى، ويشدد على ضرورة تثمينها والسعي إلى الحفاظ على أصالتها باعتبارها موروثا ثقافيا عريقا ورمزاً للهوية الوطنية الجزائرية. وحظي المهرجان بإقبال كبير خاصة من العنصر النسائي للاطلاع على آخر ما جادت به أناملُ مصممات ومصممي الأزياء من لمسات فنية إبداعية على الملابس التقليدية المعروفة والموروثة من العهد العثماني (1517- 1830)، والمطعمة بإضافات أندلسية رائعة بفعل هجرات الأندلسيين إلى المدن الساحلية الجزائرية منذ عام 1492، وهي الملابس التي عرفت بعض التراجع في العقدين الماضيين قبل أن تعود إلى الازدهار مجدداً بعد أن أصبحت تحظى بدعم السلطات، فضلاً عن أنها تخلصت من طابعها الكلاسيكي الموروث وشهدت بعض التطور على صعيد التصميم والخياطة، ما جعلها أكثر جاذبية من ذي قبل. في هذا الإطار، تقول المصممة وصاحبة ورشة لإنتاج الملابس التقليدية بالجزائر العاصمة سميرة غزايلي «وجد المصممون أنفسهم مضطرين لإدخال تعديلات ولمسات فنية جديدة لاستعادة وهج هذه الملابس العريقة بعد أن هجرتها النساءُ في العقود الأخيرة، حتى أن بعض العرائس أصبحن لا يتورعن عن ارتداء «الساري» الهندي يوم زفافهن، وهذا أمرٌ غير مقبول». وتضيف «قمتُ بإدخال لمسات عصرية كثيرة إلى الألبسة التقليدية الشهيرة في الجزائر العاصمة، ومنها «الكراكو» الذي كانت ترتديه الجزائريات منذ العهد العثماني، وتوارثه الصناعُ أباً عن جد، بهدف إعادة الجاذبية إليه بعد أن بدأت النسوة يعزفن عنه في العقود الأخيرة، وقد استعنت بأحجار نصف كريمة والبلور لإعطائه وهجاً وألقاً مع المحافظة على روح هذا اللباس العريق وأصالته». وتعتبر غزايلي أن مهمة إعادة بعث هذه الملابس العريقة مهمة ليست سهلة وتتطلب الكثير من المثابرة والجهد وحب المهنة بالدرجة الأولى. وتوضح «أنا كمصممة أعمل المستحيل لإحيائها، فهي بطاقة الهوية الوطنية وتعبِّر عن تراث ثري ومتنوع، ولكن يؤلمني أن أرى قلة اهتمام الأجيال الجديدة من الفتيات به عوض أن يفتخرن به ويرتدينه بكل اعتزاز». توريث الأجيال عرضت نزيهة مشيري، من ولاية عنابة شرق الجزائر، للجمهور تشكيلة من الملابس الشهيرة بهذه الولاية، وفي مقدمتها «الفتلة» و»القاط» المطرزة بخيوط الذهب، مطالبة الأجيال بعدم التخلي عنها والانصراف كليا إلى الملابس العصرية المستورَدة. وتضيف «قضيتُ 32 سنة كاملة من عمري في خياطة وتصميم الملابس التقليدية، والآن أحرص على تعليمها للأجيال الجديدة في مركز التأهيل المهني لعنابة، قصد ترسيخها في أذهانهم، والإسهام في الحفاظ على رموز هويتنا وأصالتنا وتوريثها للأحفاد كما ورثناها عن الأجداد». وأبرزت مشيري لباسا نسوياً قديما حاكته إحدى جداتها عام 1846 للتدليل على توارث هذه المهنة المتعبة، التي تتطلب الكثير من الجدة والصبر، لافتة إلى أن إتمام قطعة واحدة من لباس «الفتلة» الخاص بالعروس يقتضي 9 أشهر من العمل اليدوي. وغير بعيد عن جناح ملابس عنابة، يقوم الهادي بن جلول بعرض ملابس تقليدية نسائية عريقة تنتمي إلى ولاية قسنطينة (427 كلم شرق الجزائر)، وفي مقدمتها لباس «المجبود» الذي يشبه «الفتلة» العنابية، و»الشدة» التلمسانية مع بعض الاختلافات والخصوصيات والإضافات المحلية لكل منطقة. ويؤكد بن جلول أن الرجال ناجحون أيضاً في تصميم الملابس التقليدية النسوية خلافاً للاعتقاد السائد، بل إنه يؤكد أن هذه المهنة كانت «رجالية» بحتة في السبعينيات، وكانت النساء تمنع في الغالب من ممارستها بسبب التقاليد المحافِظة، لكن الأمر اختلف في العقود الأخيرة مع الانفتاح الاجتماعي، وغزت النساءُ هذه المهنة بكثرة وأصبحن يشكلن غالبية المصممين. ويوضح «هناك لمساتٌ إبداعية كثيرة أُدخلت على صناعة الملابس النسائية التقليدية بقسنطينة في السنوات الأخيرة وخاصة «المجبود» و»القاط» قصد بعث هذه المهنة وإنعاشها، ولكني أرى أن نجاحها سيكون على يد الشبان والفتيات الذين يقبلون على تعلّمها وإنتاجها وتطويرها». من جهتها، تحاول مصممات من ولاية المدية (130 كلم جنوب غرب الجزائر) منافسة الألبسة النسوية الشهيرة في مناطق الجزائر وقسنطينة وعنابة وتلمسان، وإحياء أزياء نسوية عريقة كادت تندثر بدورها في العقود الماضية. إلى ذلك، عرضت كريمة بصري ألبسة نسوية أهمها لباس «بنت الباشاغا»، الذي تميَّز بألوانه الساطعة، مؤكدة أنه لباسٌ موروث من العهد العثماني بالجزائر (1517- 1830) مع إضافات أندلسية، وأن كل عروس بالمنطقة أصبحت تخرج به من بيت أهلها يوم زفافها، وأن الطلب عليه يتصاعد، لكن تحضير قطعة واحدة منه للعروس يتطلب مدة لا تقل عن سبعة أشهر من العمل اليدوي المتواصل. للرجال نصيب رغم كثرة عرض الملابس التقليدية النسائية، إلا أن الألبسة التقليدية الرجالية وجدت من يقوم بعرضها في قالب جذاب استقطب الزوار، إذ عرض عبد الرحيم رقان، أشهر الملابس التقليدية الرجالية بقسنطينة، ومنها «القندورة» و»البرنس»، التي تُرتدى إما للزينة أو للاحتماء من البرد. وعلى عكس باقي العارضين، أكد رقان أن هذه المهنة غير مُربحة والإقبال عليها قليل من طرف الأجيال الجديدة، ما دفعه إلى القيام بنشاطات تجارية أخرى، وأبدى تخوّفه من أن تسير في طريق الزوال إن لم تدعِّمها الجهات الرسمية. من جانبه، عرض خالد كركوب من ولاية المدية، جملة من الملابس الرجالية التقليدية الشهيرة بالمنطقة، وبخاصة «القشابية» والبرنس»، وهما لباسان يرتديهما سكان ولايات عديدة للاحتماء من برد الشتاء بدل المعطف العصري، ويُغزلان من الصوف والوبر و»الكشمير» المستورد. يوضح «يفضل شبان المدية وولايات أخرى مجاورة اقتناء قشابية الصوف والوبر على حساب المعاطف، بعد أن أثبتت فعاليتها في الحماية من البرد، أما البرنس فهو في تراجع ويُمنح كهدية فقط». ويبدي كركوب تفاؤله بازدهار هذه الصناعة التقليدية في الولايات الداخلية للجزائر بالنظر إلى «عودة» الشباب إلى ارتدائها بعد سنوات طويلة من الاتجاه إلى المعاطف العصرية.ويضيف «إنتاج القشابية عاد إلى الازدهار ولا خوف عليها الآن، خصوصاً وأن الشبان أصبحوا حريصين على تعلم إنتاجها، وقد علّمتُ أحد أبنائي الأربعة كيفية صنعها فأصبح يتقنها أكثر مني،أما أبنائي الثلاثة الآخرون فرفضوا تعلّمها فلم أحاول ذلك معهم لاقتناعي بأن من لا يحب أية مهنة يستحيل أن يتقنها،ومن العبث وإهدار الوقت أن تحاول ذلك معه».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©