الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ناجي العلي·· فن يشكل خطراً على سكان الظلام

ناجي العلي·· فن يشكل خطراً على سكان الظلام
15 يوليو 2007 09:23
  دمشق ـ فاطمة شعبان: هل شكل حنظلة الفتى البائس المرسوم بريشة ناجي العلي خطراً داهماً على أحد، حتى يأمر المجرم بإطلاق النار على رأس الفنان الفلسطيني في شوارع مدينة لندن في مثل هذه الأيام قبل عشرين عاماً ( 22/7/1987) ؟ وهل الريشة التي شكلت السلاح الوحيد للفنان الحزين يمكن أن تشكل خطراً على أي كان؟ لن يجيب قاتل ناجي ولا من أمره على هذا السؤال، لأن قرار الاغتيال قد حسم من حيث المبدأ أن الفن يشكل خطراً على سكان الظلام، ريشة ناجي التي حاولت أن تضع كل شيء تحت الشمس، لم تعجب قاتله، واعتبرها خطراً عليه، واعتبر الرجل النحيل والهادئ الذي كأنه ناجي يستحق الطلقات التي وجهها إليه· أي كلمات تعجز عن إدانة تلك الجريمة الجبانة·ولد ناجي في قرية الشجرة في فلسطين عام ،1937 هجّر منها طفلاً عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان· عاش حياة المخيمات البائسة والمريرة، حلم بدراسة الفن، ذهب للعمل في الكويت ليوفر المال للذهاب لدراسة الفن في القاهرة أو في روما· ولكن الحياة أخذته في طريق آخر، ووقع على ما وهب حياته له، فن الكاريكاتير· لم يأت ناجي العلي من الأكاديميات الفنية، بل جاء من الشارع، وامتلك قدرة فنية نادرة على التقاط نبضه، لأنه جاء من هناك، من المخيم، من قلب الفقر ومتاعبه التي لا تنتهي·من مفارقات تجربة ناجي العلي أن الشهيد الكاتب غسان كنفاني كان أول من نشر رسماً للشهيد ناجي العلي في أوائل الستينيات نشر في مجلة الحرية، وشكل ذلك تحولاً في حياته، فنشر له رسماً عبارة عن بركان ينطلق من خيمة· وتنبأ الشهيد للشهيد بمستقبل فني· سافر إلى الكويت وعمل في مجلة الطليعة رساماً كرسام محترف· انتقل إلى جريدة السياسة الكويتية عام 1968 وبقي فيها حتى عام 1975 عندما انتقل إلى جريدة السفير اللبنانية مع انطلاقتها· غادر لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982 إلى الكويت ليعمل مع صحيفة القبس، نشر مجموعة من أقسى الرسوم النقدية، ثم هاجر إلى لندن ليعمل في القبس الدولي حتى اغتياله·أعمالهرغم محدودية الرموز في لوحته فإن أعمال ناجي العلي تتدفق بقوة للتعبير عن موضوعها· فهو يرسم شخصياته بتفاصيل كافية للتعبير عن فكرته، وكل إضافة لا حاجة لها لا يضعها في لوحته· ويأتي الغنى الأساسي للوحاته من الأفكار القوية والواضحة· كان عليه أن يكون مباشراً، لأن ميزة الكاريكاتير في مباشرته· وبحكم انحيازه كان ناجي مصراً في كل أعماله على إيصال أفكاره بأبسط الطرق والوسائل والرموز· ويقر الجميع له بمقدرته الفائقة على الإمساك بالفكرة والتعبير عنها بقوة، ما جعل شخصياته معروفة من متابعيه·· شخصيات لها تاريخ وموقف وتجادل في كل القضايا وتعكس نبض الشارع، الذي يجد نفسه في رسوماته، ففاطمة وزينب ومحمد شخصيات تقول المضحك من وسط المأساة، أو تقول المبكي، وهي فضيلة لناجي الذي لم يجعل الكاريكاتير يقتصر على الإضحاك، كما هي وظيفته الأصلية، لقد كسر ناجي هذا التقليد، ورسم ما يبكي، فقد رافق تجربة فيها الكثير من الدم الفلسطيني واللبناني والعربي· تحولت شخصياته إلى جزء من الوضع السياسي العام، حتى أن صحيفة السفير نشرت العديد من رسوماته في صفحتها الأولى، دلالة على مدى تلخيصها للوضع السياسي·الشخصياتتتكون الشخصيات الرئيسية عند ناجي من أبناء المخيمات تحديداً· وهذا ما أعطاه قدرة كبيرة على التعبير عن المواقف الشعبية وعكس حس السخرية لدى الناس العاديين· لم تكن المواقف التي عبر عنها، تعبر عن رأي الأغنياء أو الطبقة المتوسطة أو حتى المثقفين، بل كانت تعبر عن المسحوقين· هذا التعبير عن أسفل السلم الاجتماعي، أعطى معنى عميقاً لفن الكاريكاتير كما مارسه ناجي من فن للإضحاك إلى فن يعبر عن المأساة في أحلك الظروف· فهؤلاء البسطاء الذين نشاهدهم في لوحاته، ليسوا من أولئك الذين تمتلئ حياتهم بالمفارقات المضحكة نتيجة الترف· فحياتهم مجبولة بالتعب والدم، وفيها من سخرية المأساة الكثير، ولكن فيها الكثير من المأساة التي لا تصلح للسخرية، والذي يجب التعبير عنه كمأساة، وهذا ما نجح فيه ناجي، نجح برسم لوحات تجرحنا بدل أن تضحكنا، تبكينا من هول المأساة التي عاش وسطها·فكم نحتاجه حياً اليوم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©