الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغز انتحار أشرف مروان وأسرار تجارة السلاح

لغز انتحار أشرف مروان وأسرار تجارة السلاح
16 يوليو 2007 00:35
السياسيون العرب لا يعرفون ثقافة الانتحار مهما بلغت الضغوط وكثرت الفضائح، وأسباب ذلك كثيرة أهمها بالطبع الوازع الديني الذي يمنع المرء من الانتحار حتى إذا كانت درجة تدينه ضعيفة، والسبب الآخر هو أن أحدا لا يخاف من الفضيحة لان الشعوب لا تحاسب أحدا مهما بلغ حجم جرمه في حقها، وكم من نجوم مجتمع خرجوا بغنائمهم وجرائمهم السافرة سالمين لم يمسسهم سوء وكتبوا مذكراتهم كأبطال صناديد ونسبوا لأنفسهم الخوارق والوطنية رغم مصائبهم· وكل الحوادث التي يروح ضحيتها نجوم مجتمع يتم تعليقها على شماعة الانتحار كذبا، وتتوه الحقيقة عمدا، واعتمادا على ذاكرة الشعوب الضعيفة التي سرعان ما تنسى· حدث هذا في مناسبات كثيرة منها مصرع المشير عبدالحكيم عامر الرجل القوي في نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد هزيمة ،1967 فقد قيل رسميا أن الرجل انتحر وحتى الآن لا أحد يعرف الحقيقة رغم التأكيد بأنه قُتل· وحوادث مصارع نجوم المجتمع المصري في لندن ابتداء من الليثي ناصف مرورا بـ''علي شفيق'' وسعاد حسني واخيرا الدكتور أشرف مروان قيدت جميعها أو معظمها انتحارا· لكن الحقيقة تبقى غائبة· وتؤكد كل المؤشرات أن تحقيقات المحكمة البريطانية التي بأت يوم الخامس عشر من الشهر الجاري ستنتهي إلى لا شيء في قضية مصرع الدكتور أشرف مروان قفزا أو القاء من شرفة منزله بالعاصمة البريطانية، وقد ظهر اتجاه المحققين البريطانيين واضحا عندما قالت شرطة ''سكوتلاند يارد'' انه لا توجد شبهة جنائية في مصرع مروان، ومعنى هذا أن الحادث يسير في طريق قيده انتحارا رغم أن العرب ليست لديهم ثقافة الانتحار خاصة هؤلاء الذين يحتلون قمة المسؤولية والسلطة· ونحن في العادة نقول في مثل هذه الأحوال: لا يهم كيف مات المرء، ولكن المهم انه مات بالفعل، ولا مبرر للبحث عن أسباب الموت، فالمهم أن هناك موتا وهناك جثة تم دفنها وانتهى الأمر الذي يبقى مجرد مادة إعلامية مليئة بالألغاز التي تساعد على زيادة توزيع الصحف دون أن يكون احد معنيا بالوصول إلى الحقيقة· وتقول السيدة منى جمال عبدالناصر أرملة الراحل أشرف مروان إن زوجها تعرض لحرب شائعات قذرة طوال حياته وكان يواجهها بصبر وجلد وبلا اكتراث ويقول لها: لا تحزني فالحقيقة ستظهر يوما ما· وتؤكد منى أن أشرف مروان لا يمكن أن ينتحر لأنه رجل قوي وملتزم بتعاليم دينه وتحدث معها هاتفيا وعبر الفيديو قبل يوم مصرعه، وقال لها انه يشعر بتحسن كبير في صحته وعليها أن تستعد لاصطحابه في رحلة العمرة في شهر سبتمبر المقبل، ثم اصطحابه في رحلة الحج بعد ذلك· وقالت منى إنها ستسافر إلى لندن للإدلاء بأقوالها في التحقيقات، وتؤكد أن دم زوجها لن يذهب هدرا، لكنها لم تحدد المقصود بهذه العبارة، وهل إن كانت تعني أن زوجها مات مقتولا؟ وكيف سيكون شكل الانتقام لدمه؟ أو ربما هي عبارة تقليدية لزوجة حزينة على فراق زوجها، فقد أكدت أنها للمرة الثالثة تشعر باليتم بعد أن فقدت أباها الزعيم جمال عبدالناصر ثم أمها السيدة تحية عبدالناصر وأخيرا زوجها الحبيب أشرف مروان· سؤال بلا جواب كل الأسئلة في حياة وموت الطفل المعجزة أشرف مروان لا تجد اجوبة، أو هي تجد اجوبة ولكنها غير شافية ولا كافية ولا حقيقية أيضا، وأكثر الأسئلة إلحاحا: لماذا صمم أشرف مروان على الرحيل من مصر عام 1981 والإقامة الدائمة في لندن؟ وإقامة أشرف الدائمة في لندن لا تستقيم مع سيناريو حياته، فالرجل ملياردير كبير يمكنه أن يعيش ملكا متوجا في مصر، ولديه شركات ومكاتب في بلده يديرها جميعا عبر الهاتف، وأسرته كلها تقيم في مصر، منى عبدالناصر زوجته وابناه جمال وأحمد مروان واحفاده، ومعنى ذلك أن اشرف مروان كانت علاقته بأسرته عابرة وهامشية، ولا يمكن أن يكون قد ضحى بالوطن والأسرة من اجل شيء هين، بالتأكيد هناك ما هو أقوى منه وجعله يتخذ قرار الرحيل قسرا· عندما رحل أشرف مروان الى لندن عام 1981 كان في السابعة والثلاثين من عمره أي انه في شرخ الشباب وكذلك زوجته منى عبدالناصر وكان ابناه طفلين، فلماذا هذا الفراق الصعب أو هذا المنفى الاختياري؟ ولماذا لم يأخذ أسرته معه إلى حيث ذهب؟ ولو توصل الباحثون والراصدون لسيرة ومشوار اشرف مروان إلى السر والى حل لغز الهجرة الطوعية إلى لندن لانفتحت كل الأبواب المغلقة· يسوق هاني مروان الشقيق الاصغر لاشرف اسبابا لرحيل شقيقه الى لندن فيقول إن اشرف شعر بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بأن دوره قد انتهى تماما، وان هناك رجالا حول الرئيس حسني مبارك يتربصون به ولا يريدونه ويدبرون له المكائد، فقد حدث انقلاب تام على التجربة الناصرية وكان أشرف في رأي هؤلاء أهم رموزها باعتباره زوج ابنة عبدالناصر· ويقول هاني مروان إن اشرف كان يعاني جينا وراثيا في الدم مثل والدته وقد أجرى منذ عام 1970 حوالي ثلاثين جراحة في القلب والرقبة وأجزاء أخرى من جسمه، وقرر في عام 1981 أن يرحل إلى لندن ليكون قريبا من المستشفى الذي يعالج فيه· كل هذه الأسباب لرحيل اشرف إلى لندن تبدو غير مقنعة أو قهرية، ثم لماذا فكر بعد احد عشر عاما من إصابته بالمرض في أن يرحل إلى لندن ليكون قريبا من المستشفى الذي يعالج به، ولماذا لم يصطحب أسرته معه وهو الرجل المريض المحتاج إلى الرعاية والدفء العائلي؟ السبب الذي يبدو مقنعا ومر عليه هاني مروان مرور الكرام هو تجارة السلاح، فقد اعترف هاني بأن شقيقه كان تاجر سلاح كبيرا وله علاقات متشعبة في العالم كله بشأن هذه التجارة، لكنه لم يقل أن العاصمة البريطانية لندن من أهم مراكز تجارة السلاح في العالم، لذلك كان لابد لأشرف مروان أن يستقر بها، وكان لابد أيضا ألا يصطحب أسرته معه نظرا لخطورة المجال الذي يعمل به، فالخلافات بين العاملين في هذا المجال ليست لها نتيجة إلا الموت· وحدث هذا مع علي شفيق مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر الذي كان من كبار تجار السلاح ولقي مصرعه ضربا بآلة حادة على رأسه في لندن لكن أحدا لم يكتشف القاتل، ففي مجال تجارة السلاح عادة نعرف القتيل وطريقة القتل لكننا لا نعرف القاتل· تاجر سلاح الخلاصة انه لا يوجد مبرر لرحيل أشرف مروان إلى لندن سوى أن يكون قريبا من مركز تجارته وان نشاطه الحقيقي كان في لندن، أما شركاته ومكاتبه في القاهرة فكانت نشاطا فرعيا لعمله الرئيسي في تجارة السلاح· ويؤكد هاني مروان علاقة شقيقه الوثيقة بالسلاح حين يقول: إن اشرف جلب أسلحة بالمليارات وبمنح لا ترد للجيش المصري قبل حرب السادس من أكتوبر ،1973 كما كان أول رئيس للهيئة العربية للتصنيع عند إنشائها عام 1974 وكان عمره وقتها ثلاثين عاما، مما يؤكد خبرته الأصيلة بمسألة السلاح وعلاقته الوطيدة بتجار وصناع الأسلحة· لم يكن اشرف مروان جاسوسا لإسرائيل ضد وطنه لكنه كان رجل النظام المخلص في عهد عبدالناصر، ورجل النظام الأقوى في عهد أنور السادات، حتى أن هاني مروان يقول إن شقيقه كان الحاكم الحقيقي والفعلي لمصر في عهد السادات، فقد ترك له الرئيس الراحل كل شؤون الدولة تقريبا، وكان ممثله الشخصي في اللقاءات مع القادة والزعماء، وقال عنه السادات ردا على خصومه: أشرف يؤدي خدمات جليلة لمصر لا تعرفون عنها شيئا، ولم ينس السادات أن أشرف كان رجل الموقف الأول في حركة 15 مايو 1971 عندما كان يعمل في مكتب سامي شرف وزير شؤون الرئاسة وقتها، فقد كشف أشرف للسادات كل تفاصيل وتحركات المجموعة التي سميت وقتها بمراكز القوى، مما أدى إلى القضاء عليها وتمكين السادات من الحكم، وحل أشرف مروان محل سامي شرف كسكرتير الرئيس للمعلومات ثم صار رجل السادات الأول، الأمر الذي أثار عليه الأحقاد والضغائن والغمز واللمز والشائعات من جانب المحيطين بالسادات· يقول الدكتور محمود جامع الصديق الأقرب للرئيس السادات أن صداقة أشرف وقربه من السادات أدت إلى توتر علاقته ببيت جمال عبدالناصر خاصة مع هدى وخالد ابني الرئيس الراحل اللذين اعتبرا تعاون اشرف مع السادات ضد رجال عبدالناصر في الحكم خيانة، وظلت هذه العلاقة سيئة إلى آخر لحظة· ويقول أمين هويدي رئيس جهاز المخابرات المصرية بعد حرب ،1967 إن اشرف مروان عمل معه في الجهاز فور تخرجه في كلية العلوم وعمله كان كضابط كيميائي بالقوات المسلحة، وكان أشرف شابا متواضعا وذكيا لكن هويدي رفض أن يرأس مروان مركز الأبحاث بجهاز المخابرات لحداثة سنه وقلة خبرته، ولم يغضب عبدالناصر لرفض هويدي وترك له القرار في هذا الشأن· ويقول أمين هويدي إن اتهام اشرف بالعمالة صدر من إسرائيل ولم يوجهه أي مصري له، وهذا الأمر يتطلب تحقيقا وردا صارما، فلا يمكن أن يكون رجل بحجم أشرف مروان وتغلغله في المواقع الحساسة ببلده جاسوسا لإسرائيل، هذا بالتأكيد اتهام باطل ومحاولة إسرائيلية لتشويه رموز مصر· حكاية الانتحار الحكايات لا تنتهي من أجل الوصول إلى الهدف، وهو أن أشرف مروان قد انتحر، ومنها أن أربعة من أقرب الناس إليه شاهدوا عملية انتحاره لحظة بلحظة وهم عصام شوقي العضو المنتدب لمصنع الكيماويات الذي يمتلك أشرف مروان تسعين في المائة من أسهمه في لندن، وعصام هذا زوج ابنة فوزي عبدالحافظ سكرتير الرئيس السادات، وزوجته عملت سكرتيرة لاشرف مروان وقيل انه طردها وزوجها من العمل قبيل موته· والشاهد الثاني هو ''مايك بارك هورست'' سكرتير مروان البريطاني الجنسية، والثالث والرابع شخصان مجريان يعملان لدى أشرف مروان وكان الأربعة ينتظرون أشرف في قاعة اجتماعات معهد المديرين المواجه لشقة مروان وقد استدعاه عصام شوقي عبر الهاتف ليحضر الاجتماع ولما تأخر خرج الأربعة إلى شرفة معهد المديرين ورأوا اشرف يدخل ويخرج بشكل عصبي من شرفة شقته ثم ألقى بنفسه أمام أعينهم وأسرع عصام شوقي ليجده مازال على قيد الحياة لكنه لفظ أنفاسه قبل وصول سيارة الاسعاف· الروايات مثيرة ومؤثرة وتشبه أفلام المغامرات، فهناك تداخل واضح فيها بين الحقيقة والخيال، وقد ينتهي الأمر إلى أن كل شخصيات الرواية حقيقية ولكن وقائعها مزيفة وخيالية· يقال إن الشهود الأربعة سيدلون بأقوالهم أمام المحكمة البريطانية والمتابع الحائر الذي لا يعرف أين الحقيقة، لا يملك إلا أن ينتظر رغم أن كل الطرق في قصة أشرف مروان تؤدي إلى الانتحار، وربما هذه هي النتيجة تريح الجميع من الصداع!! تواريخ هناك تواريخ مغلوطة وردت في حكاية أشرف مروان لابد من تصحيحها، فالرجل من مواليد الخامس عشر من مارس 1944 أي أنه توفى وقد جاوز الثالثة والستين من عمره وليس الواحدة والستين كما قيل· وتزوج أشرف مروان منى عبدالناصر عام 1966 وليس عام 1968 وكان يبلغ وقتها اثنين وعشرين عاما، كما تولى اشرف منصب سكرتير الرئيس السادات للمعلومات عام 1970 وكان عمره ستة وعشرين عاما لذلك حصل على لقب الطفل المعجزة· أسرة يقول هاني مروان شقيق اشرف إن أسرتهم تكونت من ستة أفراد هم الأب أبوالوفا مروان والأم التي لم يذكر اسمها وأربعة أخوة وكان اشرف هو الأخ الأكبر، ولم يذكر هاني الأخ الرابع واكتفى بذكر اشرف وهاني وعزة، ويقول إن مصاهرة اشرف للرئيس عبدالناصر لم تحقق للأسرة أي ميزة، فقد بقي الوالد عميدا بالقوات المسلحة، ولم يحصل على رتبة اللواء إلا بعد زواج اشرف بسبع سنوات·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©