الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرب و إنقاذ أفريقيا

16 يوليو 2007 00:40
الخريف المنصرم، وبعيد عودتي من نيجيريا، أشارت إليّ فتاة جامعية شقراء من وراء طاولة وضعت عليها مطويات وملصقات تحث الطلبة على ''التحرك الآن'' و''وقف الإبادة الجماعية في دارفور'' صائحة: ''انقذوا دارفور!''· تابعت طريقي على اعتبار أن الأمر يتعلق بحماس مفرط من جانب طالبة حول قضية هي موضوع حديث الكثيرين هذه الأيام؛ ولكن صيحتها الثانية أفلحت في إيقافي إذ قالت بصوت عال: ''ألا تريد أن تساعدنا على إنقاذ أفريقيا؟'' يبدو هذه الأيام أن الغرب وجَّه أنظاره صوب أفريقيا من أجل التكفير عما اقترفته يداه من أزمة إنسانية في الشرق الأوسط· فالطلبة الجامعيون المثاليون، والمشاهير من مثل ''بوب جيلدوف''، والسياسيون مثل توني بلير جعلوا جميعهم من تسليط الضوء على القارة السمراء مهمة لهم؛ إذ يسافرون إلى هناك من أجل فترات تدريبية أو في إطار مهمات لتقصي الحقائق، أو بهدف انتقاء أطفال من أجل تبنيهم على نحو يشبه كثيراً ذهابي وأصدقائي عبر قطار الأنفاق في نيويورك إلى مستودع الكلاب الضالة في المدينة من أجل تبني بعضها· هذه هي صورة الغرب الجديدة لنفسه: جيل نشط سياسياً، وسيلته من أجل إخبار الناس هي مجلاتٌ مليئة بصور المشاهير، يظهر في خلفيتها أفارقة بؤساء ومحرومون· غير أن أكثر ما يثير الانتباه هي اللغة التي تُستعمل لوصف أفريقيا التي يجري إنقاذها· فعلى سبيل المثال، يَظهر على إعلانات حملة ''لننقذ طفلا من الموت!/ أنا أفريقي!'' صور لمشاهير غربيين بيض، في الغالب، رُسمت على وجوههم عبارة ''أنا أفريقي'' بالبنط العريض، وتحتها ببنط أصغر ''ساعدونا على وقف المعاناة''· الواقع أن هذه الحملات، وكيفما كانت النوايا الحسنة التي تحركها، إنما تعزز وتقوي الصور النمطية لأفريقيا في العقل الغربي باعتبارها بؤرة سوداء للموت والأمراض· إذ غالبا ما تركز التقارير الإخبارية على القادة الفاسدين في القارة وزعماء الحرب والنزاعات ''القبلية'' وعمل الأطفال والنساء اللاتي يتعرضن للاستغلال؛ وعادة ما تُنشر هذه التوصيفات تحت عناوين من قبيل ''هل يستطيع بونو (نجم موسيقى الـ''روك'') إنقاذ أفريقيا؟'' و''هل ينقذ الزوجان براد بيت وأنجلينا جولي (ممثلان) هذه القارة؟''· صحيح أن العلاقة بين الغرب وأفريقيا لم تعد قائمة على معتقدات عنصرية صريحة، غير أن مثل هذه المقالات تُذكرنا بتقارير تعود للفترة الكولونيالية، حين كان يرسَل المبشرون إلى أفريقيا· الواقع أنه لا يوجد أفريقي، بما في ذلك كاتب هذه السطور، لا يقدِّر مساعدة العالم لأفريقيا، ولكننا نتساءل فقط ما إن كانت المساعدة حقيقية ونابعة عن إيمان واقتناع، أو أن ما يحركها هي الرغبة في تأكيد التفوق الثقافي لجهة ما· الحقيقة أنني أنزعج كثيرا كلما حضرت حفلاً خيرياً لجمع التبرعات يسرد فيه مضيفُه لائحةً من الكوارث الأفريقية قبل أن يقدم شخصاً أبيض وغنياً -في الغالب- عادة ما يستهل كلامه باستعراض الأشياء التي قام بها لفائدة الأفارقة الفقراء والجوعى· وفي كل مرة يتحدث فيها أحد الطلبة الجامعيين من ذوي النوايا الحسنة عن القرويين الذين يرقصون تعبيراً منهم عن امتنانهم له، أشعر بالمهانة· وفي كل مرة يصوِّر فيها أحد مخرجي هوليوود فيلماً عن أفريقيا بطله غربي، أشمئز لأن الأفارقة يستعملون فيه كإكسسوارات حسب المخيلة الغربية· الخطير في الأمر هو أن هذا التصوير لا يميل إلى تجاهل الدور الكبير للغرب في خلق الكثير من الأوضاع المزرية التي تعاني منها القارة فحسب، وإنما يتجاهل أيضاً العمل الرائع الذي قام به الأفارقة، ومازالوا يقومون به، لحل هذه المشاكل· لماذا تتحدث وسائل الإعلام كثيراً عن البلدان الأفريقية باعتبارها دولاً ''مُنحت الاستقلال من قبل مستعمريها''، بدلاً من اعتبارها بلداناً قاتلت وقدمت التضحيات الجسام في سبيل حريتها؟ ولماذا تلقى أنجلينا جولي وبونو الاهتمام الكبير لما قاما به من أجل أفريقيا في حين لا يأتِ أحد على ذكر نوانكو كانو (لاعب كرة القدم) أو ديكيمبي موتومبو (لاعب كرة السلة)، وكلاهما أفريقيان؟ ولماذا يحظى دبلوماسي أميركي متوسط المستوى باهتمام أكبر عن سلوكه الغريب الشبيه بسلوك رعاة البقر في السودان أكثر من بلدان الاتحاد الأفريقي العديدة التي أرسلت المواد الغذائية والقوات، وأمضت ما لا يعد ولا يحصى من الساعات في محاولة للتفاوض بشأن تسوية بين أطراف النزاع في هذه الأزمة؟ الشهر الماضي، التقت دول مجموعة الثماني الكبار الصناعية، بالإضافة إلى عدد من المشاهير، في ألمانيا من أجل مناقشة كيفية إنقاذ أفريقيا، من بين أمور أخرى· وقبل اجتماع القمة المقبل، آمل أن يدرك الناس أن أفريقيا لا ترغب في أن تُنقــــذ· مــا ترغب فيـــه أفريقيــــا هو أن يعترف العالم بأنـــه عبر شراكــات عادلـــة مـــع أعضـــاء آخرين من المجتمـــع الدولي، فــإن الأفارقــــة قادرون على تحقيــق نمـــو غير مسبوق· كاتب أميركي من أصل نيجيري ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©