السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صَبَّاحِي !

17 يوليو 2007 01:36
''صَبَّاحِي·· بعد اليوم ما في نوم''!! هذا هو الشعار الذي اتخذته مؤخرا قناة ''فنون'' الكوميدية، فوجدته شعارا موفقا يعكس بشكل ساخر حقيقة السرقة التي قامت بها فضائيات الأربع وعشرين ساعة عندما ''لطشت'' سكون الليل استكمالا لفعلة المطاعم و''السوبرماركتات'' التي تعمل على مدار الساعة لنستبدل بذلك عن ظلمة الليل بالأضواء الباهرة لحركة مدننا الساهرة التي طلقت النوم بالثلاثة عن طريق ''خلع'' لا مثيل له في التاريخ البشري برمته· مع بث تلفزيوني لا يتوقف على مدار العام أو مدار العمر، ترتد بي الذكريات إلى طفولتي في البحرين مع بدايات دخول التلفزيون بالسبعينيات، حين كان البث أرضيا يستدعي تبرع أحد أفراد العائلة لصعود السطح وتعديل وجهة الهوائي وسط صياح الآخرين في الدور السفلي: ''إيه·· لا·· ارجع اشوي·· يمين يسار·· بس خلاص تمام''!! وذلك من أجل الاستمتاع ببث الساعات المحدودة والمقسمة بشكل صارم على أفراد العائلة· كنا نعود من المدرسة وننتظر بفارغ الصبر بث فقرة الأحبة الصغار ''الرسوم المتحركة'' التي حفظناها عن ظهر قلب، ثم يحين موعد المسلسل الخليجي في السابعة لتنتقل ملكية الشاشة للسيدة الوالدة، وبعدها تحين نشرة أخبار الثامنة لتنتقل السيطرة للسيد الوالد رحمه الله، الذي كان يتوعد بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه النبس ببنت شفة خلال إذاعة النشرة التي كنا نكرهها ولا تعنينا أبداً· بعد نهاية النشرة كنا نتناول العشاء ونجبر على النوم باكرا فيما يستأثر الكبار بفيلم السهرة لينتهي البث في الحادية عشرة، وأذكر أنني كنت أتسلل من غرفتي متذرعا بالخوف من الكوابيس أو المرض فيسمح لي الوالد بالنوم جانبا مع أمر صارم بتغطية وجهي باللحاف الذي أحدثت فيه ثقبا يشبه ''البروجكتور'' لمتابعة فيلم الأمسية الساحر حتى انكشف أمري فأعادوني للانفرادي مجددا!· كان ذلك حالنا مع الساعات المحدودة للمحطات الأرضية القليلة، حتى غزتنا الأقمار الاصطناعية بقنواتها الفضائية التي تدفقت كالطوفان بعدد حبات المطر والرمل والحصى، لننسى الحد الفاصل بين الليل والنهار والأسابيع والأشهر، بعد أن أطلق العصر الحديث رصاصة الرحمة على ظلمة الليل وشاعرية القمر إلى الأبد، فصرنا نعيش نهارا دائما بلا نوم حقيقي، ''فبعد اليوم·· ما في نوم''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©