السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتفليقة يستلّ سيف الحجاج لمواجهة القاعدة

بوتفليقة يستلّ سيف الحجاج لمواجهة القاعدة
17 يوليو 2007 01:40
بعد ستة أيام فقط من خطاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي دعا فيه الجيش إلى تكثيف عملياته ضد إرهابيي ''قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي'' -الذين تأكد رفضهم اليد الممدودة إليهم بالصفح الجميل-، قام هؤلاء بعملية انتحارية يوم 11 يوليو الجاري ضد ثكنة للجيش الجزائري بمنطقة ''الأخضرية'' 75 كلم شرق الجزائر العاصمة وقتلوا وجرحوا عشرات الجنود، وبدأ بعدها الملاحظون يتساءلون عما إذا كان خطاب بوتفليقة وعملية ''القاعدة'' تعنيان نهاية قانون المصالحة الذي بقي مفتوحاً برغم انقضاء آجال تطبيقه في 31 أغسطس 2006؟ وكيف ستتصرف الدولة في هذه الحالة إذا قرر إرهابيون تسليم أنفسهم مستقبلاً؟ والأهم من ذلك، هل قررت السلطات العودة مجددا إلى ''الحل الاستئصالي'' بعد سنوات من تطبيق مسار المصالحة بشقيه ''قانون الوئام المدني'' ثم ''قانون المصالحة''؟ وما الذي سيحققه الآن هذا الحل الذي طبِّق منذ 11 يناير 1992 دون أن يقضي على الإرهاب كلية؟ إصرار على الرفض في يوم 5 يوليو الجاري انتقل الرئيس بوتفليقة إلى مقر وزارة الدفاع وقام بترقية مجموعة من الضباط السامين للجيش بمناسبة الذكرى الـ45 لاستقلال الجزائر عن فرنسا، وألقى بالمناسبة خطاباً تحدث فيه بغضب عن الإرهابيين الذين منحهم فرصاً عديدة لإلقاء السلاح بموجب قانون المصالحة وأمهلهم طويلاً بعد انقضاء آجال تطبيقه في 31 أغسطس 2006 لكن دون جدوى، ودعا الجيش إلى تصعيد مكافحة الإرهاب بلا هوادة بعد اليوم· وكان مسؤولون جزائريون عديدون قد أعلنوا عقب انتهاء آجال تطبيق قانون المصالحة في 31 أغسطس ،2006 أن الدولة لن ترفض توبة أي إرهابي وستطبق عليه تدابير قانون المصالحة، وتعفو عنه إذا سلم نفسه طواعية، ولكن الإرهابيين تمادوا في غيهم ورفضوا عرض الصلح، وأصروا على مواصلة عملياتهم الإجرامية معتقدين أن دافع الدولة لإبقاء أبواب التوبة مفتوحة أمامهم هو الضعف وقلة الحيلة أمام ضرباتهم، مما شجعهم على مواصلتها طمعاً في الوصول على الحكم بالقوة· وكانت مسألة تمديد آجال تطبيق قانون المصالحة قد أثيرت بقوة قبل أسابيع قليلة من نهايتها، ودعت أطرافٌ جزائرية عديدة إلى تمديد الآجال بغية حمل المزيد من الإرهابيين على تسليم أنفسهم وبالتالي تحسين الوضع الأمني بشكل أفضل وتخفيف حدة المواجهات وحقن الدماء، بينما دعت أطرافٌ أخرى إلى احترام الآجال والعودة إلى مكافحة الإرهاب دون هوادة بعد أن رفض عرض العفو خلال ستة أشهر كاملة من سريان القانون (1 مارس - 13 أغسطس 2006)· وقد انقضت الآجال في الموعد المحدَّد دون أن يعلن رئيس الجمهورية عن موقفه، لكن وزير الداخلية يزيد زرهوني صرح بأن ''الدولة لا يمكن أن ترفض توبة أي إرهابي وتطلب منه العودة إلى الجبال''، وأضاف أن استسلام أي عنصر إرهابي جديد معناه تقليل القدرات التدميرية للجماعات الإرهابية وإضعافها بالتدريج، كما نبَّه إلى أن هناك، استناداً إلى تصريحات تائبين، عناصرَ مسلحة تريد الاستسلام لكنهم خائفون من التصفية الجسدية على يد ''الأمراء'' المتشددين وأنهم يتحينون الفرص للهروب من المعاقل الجبلية وتسليم أنفسهم، وراهن زرهوني على استسلام هؤلاء تدريجياً إحداث نزيف داخل صفوف الإرهاب وإضعافه مما يسهِّل القضاء عليه نهائياً· وهو ما استحسنته الطبقة السياسية والرأي العام الوطني تمديد آجال قانون المصالحة سيما وأن نتائجه بعد ستة أشهر كاملة من التطبيق لم تكن مشجعة، حيث لم يستسلم سوى أقل من 300 إرهابي من مجموع 1100 إلى 1300 مما يدفع الحاجة إلى تمديد الآجال لعل المزيد من الإرهابيين يسلمون أنفسهم· عمليات انتحارية مُدِّدت الآجال عملياً ودعيت العناصر الإرهابية، إلى الاستفادة من هذه الفرصة الجديدة، إلا أنه بمرور الوقت، لوحظ أنها لم تُبدِ أي اكتراث بهذه الفرصة وردَّت عليها بالرفض القاطع عبر التصريحات الإعلامية لـ''أمير'' السلفية أبومصعب عبد الودود عبر موقع الجماعة على الانترنت، ثم ردَّ بعمليات إرهابية عديدة، قبل أن يعلن في أواخر يناير الماضي تحوّلَ السلفية إلى ''قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي'' كجناح لـ''القاعدة'' العالمية، وقامت بعمليات نوعية كان اخطرها والأكثر إثارة للضجيج الإعلامي ضرب مقر قصر الحكومة في 11 ابريل ،2007 ليس لكونها استهدفت مقراً للسيادة الوطنية فحسب، بل لأن ''القاعدة'' شرعت في انتهاج أسلوب العمليات الانتحارية لأول مرة منذ بداية الأزمة الأمنية في يناير ·1992 بعد العملية، انطلقت التحليلات والفرضيات والتخمينات، وحُمِّل الأمنُ المسؤولية، وقال وزير الداخلية إن ثمة ''تراجعاً في اليقظة'' استغله الإرهابيون لتنفيذ عمليتهم، وكان منتظرا أن تتعزز اليقظة بعدها، وبدأت فعلاً بعض مظاهر التسعينيات من الحذر والتفتيش الدقيق تعود من جديد، إلا أن''القاعدة'' غافلت الجميعَ مجددا وقامت صبيحة 11 يوليو بعملية نوعية أخرى قتل فيها 9 جنود وجرح 25 في ثكنة ''الأخضرية'' شرق الجزائر· دمويون والواضح أن الصِّراع قد بلغ مرحلة دموية بلجوء ''قاعدة المغرب الإسلامي'' إلى أسلوب العمليات الانتحارية لضرب أهدافها، وهي تختار في ذلك شباناً مراهقين بعد أن تملأ عقولهم الصغيرة بأفكار خاطئة عن ''الجهاد'' وضرورة مقاتلة من تسميهم ''المرتدِّين''، وبعد هذا الغسيل الدماغي ترسلهم إلى الموت· وإمعاناً في الاحتياط تقوم بتفجير السيارات والشاحنات التي يسوقها الانتحاريون عن بُعد إذا لاحظوا ترددهم أو خوفهم أو التمسوا رغبتهم بالعزوف عن تنفيذ العمليات الموكلة إليهم، وبذلك لا تترك لهم أيَّ فرصة في النجاة· ويتوقع أن تلجأ ''القاعدة'' إلى نفس الأسلوب لضرب منشآت أمنية وعمومية أخرى في أية ولاية خاصة في الجزائر العاصمة، وحتى وزير الداخلية يزيد زرهوني صرَّح بذلك عقب عملية ''الأخضرية''، ولكن اللافت للانتباه أن''القاعدة'' لا تلجأ إلى أسلوب العمليات المتواصلة لتكثيف الضغط على عناصر الأمن والجيش كما كانت تفعل ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' في التسعينيات، بل تلجأ إلى أسلوب الضربات المباغتة الخاطفة ثم الانزواء بعدها في أوكارها لأسابيع عديدة قبل أن تعاود الكرَّة مجددا في مكانٍ آخر، وهي تهدف بذلك، إلى إنهاء حالة اليقظة التي تسود صفوف الأمن والمواطنين عقب كل عملية، ودفعهم إلى ''نسيانها'' بإعطائهم شعوراً كاذبا بتحسن الوضع، حتى إذا ما ركن هؤلاء إلى الدعة والطمأنينة، خرجت من جحورها لتباغتهم بعملية دموية أخرى· سيف الحجَّاج ويعتبر بعض المراقبين أن عملية ''الأخضرية'' جاءت ''رداً'' على خطاب رئيس الجمهورية الذي دعا فيه الجيش إلى تعقب فلول الإرهاب ومكافحته بكل حزم، بينما ربطها آخرون بزيارة ''ساركوزي'' للجزائر وقبلها زيارة موفدة جورج بوش للشؤون الأمنية، والواقع أن مثل هذه التحاليل قد تكون مُجانِبة للصواب إذا نظرنا إلى طبيعة العملية؛ فهي لا تتعلق بكمين لدورية أمنية أو عسكرية في مسالك وعرة، بل باقتحام ثكنة بشاحنة مفخخة مسروقة، مما يعني أن عملية رصد الثكنة والمتعاملين معها من المدنيين تستغرق وقتاً ليس باليسير، ويبيِّن أن هدف ''القاعدة'' هو البحث عن صدى إعلامي كبير بعد صدى ضرب قصر الحكومة في 11 ابريل الماضي· ولا شك أن هذا الأسلوب الجديد لـ''القاعدة'' سيجعل السلطات مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن إبقاء قانون المصالحة مفتوحا بعد عام من انقضاء آجاله لم يعد يعني شيئاً مع هذه الزمرة الدموية وأن''سيف الحجاج'' الذي هدد به بوتفليقة من قبل، آن له أن يُستلَّ من غمده لمواجهة الموقف· إلى ذلك، أعلن قائد الأمن الجزائري العقيد علي تونسي ''أن تدابير جديدة في مكافحة الإرهاب ستدخل حيِّز التنفيذ'' وبرغم رفضه الإدلاء بأية معلومات، إلا أنه يُعتقد أنه سيتم الاعتماد على محاصرة فلول الإرهاب بوحدات كبيرة من الجيش في الأماكن الجبلية والغابية التي يُرجح تحصّن ''القاعدة'' فيها، وهذا لتطويقها وتمشيطها ومطاردة أية عناصر إرهابية تكتشف بأية منطقة، ويستعمل الجيش في ذلك طائرات وآليات عسكرية ثقيلة وكاسحات ألغام لتحجيم الخسائر بين عناصره في حال اكتشاف حقول ملغمة يلجأ الإرهابيون إلى زراعتها لإعاقة تقدم الجيش نحو مخابئهم، وقد نجح الجيشُ مؤخرا في القضاء على العديد من الإرهابيين بمناطق متفرقة وسط الجزائر· ولكن العملية ليست بسيطة بالنظر إلى صعوبة تضاريس الجبال الجزائرية وكثافة غاباتها وشساعة مساحاتها، وقد تحتاج العملية إلى أشهر طويلة لتظهر ثمارها· لكن هل تعني العملية العسكرية الواسعة المرتقبة نهاية المصالحة آلياً؟ يجيب السعيد بوحجة الناطق الرسمي باسم ''جبهة التحرير الوطني'' الحزب الحاكم بالجزائر بالنفي على أساس أن المصالحة ''ليست معاهدة سلمٍ مع الإرهاب بل هي مجموعة من الإجراءات مع التائبين''؛ وبمعنى آخر فإن قانون المصالحة يبقى مفتوحاً لعناصر ''القاعدة'' الراغبة بالاستسلام وهذا لإضعافها أكثر وتشتيت شملها، أما الإرهابيون الرافضون لها فلن يتم التعامل معهم سوى بالقوة العسكرية وحدها· فرعٌ أساسي صنَّف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ''جون كرينجن'' ''قاعدة المغرب الإسلامي'' ضمن الفروع ''الأساسية'' لتنظيم ''القاعدة'' الرئيسي الذي يتزعمه أسامة بن لادن، إلى جانب فرعين رئيسيين ينشطان في الصومال والفلبين، وأضاف تقرير كرينجن أن''القاعدة'' استطاعت إنشاء فروع تتحرك بصفة ''مستقلة'' عبر العالم·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©