الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نظام التمويل الجزئي··· درس لمجموعة الـ 20!

نظام التمويل الجزئي··· درس لمجموعة الـ 20!
4 ابريل 2009 01:05
تعد قمة الـ20 التي عقدت أول أمس الخميس في العاصمة البريطانية، بمثابة غرفة صدى للاستماع إلى حكمة التمويل الجزئي، في إطار الحلول المطروحة لمواجهة الأزمة المالية الاقتصادية العالمية الحالية· وليس مستبعداً لهذه الأزمة أن تزول بأسرع ما يمكن، فيما لو استمع العشرون الكبار إلى ما يقوله الفقراء عن التمويل الجزئي· والملاحظ الآن هو اتساع قطاع التمويل الكلي، بالتزامن مع انهيار النظام المالي العالمي· ومما يثير السخرية أن الدول الفقيرة التي طالما أهمل خدمتها النظام العالمي، هي التي تبقي على عافية مؤسساتها المالية، وها هي تكافح اليوم من أجل الوقوف على قدميها رغم مليارات الدولارات المخصصة لخطط الإنقاذ الاقتصادي· لكن ربما حان الوقت لكي يتعلم عمالقة التمويل العالمي والذين يعملون من أجل إنقاذهم، بعض الدروس المهمة من أقزام العالم الصغار· لكن كيف تمكنت مؤسسات التمويل الجزئي المحدود، مثل ''بنك جرامين'' المخصص للفقراء في بنجلاديش، وغيره من المؤسسات الصغيرة الشبيهة في كل من نيكاراجوا ونيجيريا، من المحافظة على صحتها وعافيتها رغم الأزمة المالية العاصفة؟ إنها مسألة أصول في الأساس· فبينما تنشغل المؤسسات المالية الكبيرة بجعل أولويتها إنشاء المشروعات الاستثمارية الضخمة، وهي المشروعات التي أدت إلى الأصول المسمومة التي تسببت بالأزمة المالية الراهنة، يلاحظ تركيز مؤسسات التمويل الجزئي المحدود على نوع واقعي يعول عليه من الأصول: خدمة العملاء· والمعروف عن هذه المؤسسات أنها تعتمد اعتماداً كلياً على صحة الاقتصاد المحلي وبالتالي على صحة الأفراد العاملين· وعليه، فهي ليست معنية بتصميم وإنشاء الأسواق الفرعية المعقدة، والخوض في المغامرات المالية مثل صناديق المخاطرة المالية وغيرها من المشروعات الهادفة إلى تحقيق عائد ربحي سريع غير مضمون· فعلى عكس ذلك تماماً، تعتمد مؤسسات التمويل الجزئي على مدى قدرة وأمانة العملاء الفقراء في سداد ما عليهم من مديونيات صغيرة محدودة· وهذا بالضبط ما تفعله نسبة 98% من العملاء الذين تمولهم· ثم إن أكثر المؤسسات قدرة على النجاة من الأزمة المالية الحالية، هي تلك التي تعتمد على مدخرات عملائها في الحصول على ما تحتاجه من سيولة نقدية، بدلاً من إضعافها لقدرة الأسواق الرأسمالية· ولا تقتصر فائدة هذه المدخرات على حماية المؤسسات المالية ضد مخاطر نقص السيولة النقدية وانكماشها فحسب، إنما تشمل كذلك توفيرها لبيئة آمنة، يستطيع فيها الفقراء بناء شبكات أمنهم المالي· وتكتسب هذه الميزة أهمية فائقة في وقت يبدو فيه أن الفقراء هم آخر من يمكن أن تشملهم خطط الإنقاذ الاقتصادي الجارية الآن· ويلاحظ أن الكثير من مؤسسات التمويل الجزئي غير المقيدة أو المقيدة جزئياً، تسعى لأن تكون مؤسسات مالية حاضنة للودائع· وربما يبدو هذا الاتجاه غير ملائم في وقت يسود فيه الركود الاقتصاد العالمي برمته· لكن ليس في وسع المؤسسات، اليوم بالذات أكثر من أي وقت مضى، تجاهل الطلب المتصاعد على خدمات التوفير الآمنة من قبل عملائها من جهة، أو تزايد الحاجة المالية لبناء هذه الموارد داخل المؤسسات المالية نفسها، من الجهة الأخرى· بهذا نصل إلى سؤالنا الرئيسي: ما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها قادة العالم وأغنياؤه المجتمعون في قمة الـ20 هذه من صمود نظام التمويل الجزئي في وجه الأزمة؟ الدرس الأول هو العودة إلى المبادئ والأساسيات: دعم المؤسسات القادرة على الوقوف على قدميها والنمو اعتماداً على صحة عملائها، وليس على صحة الأسواق الخطيرة المتذبذبة· وهذا هو الدرس الرئيسي الذي لخصه اثنان من زملائي هما إلين سيدمان وفيليب لونجمان، بمؤسسة ''أميركان فاودنيشن''، بدعوتهما القوية إلى ضرورة عودة أميركا تارة أخرى إلى البنوك الصغيرة، وأصول الصرافة القائمة على خدمة العملاء المباشرين، بدلاً من مغامرات الصرافة المتعددة القوميات التي أدت إلى تسمم الأصول المالية العالمية، وزجت بالنظام المالي العالمي إلى أزمته الراهنة· واستند المحللان الماليان المذكوران في دعوتهما هذه، على حقيقة نجاح المؤسسات المالية والبنوك الأميركية الصغيرة في الحفاظ على عافيتها المالية لكونها لم تلوث يديها ومعاملاتها باقتحام الأسواق الفرعية العالمية التي تسببت في فوضى الأزمة الائتمانية التي ضربت أسواق العالم ومؤسساته الكبيرة· وربط المحللان ذلك الاستنتاج بمقارنة البنوك والمؤسسات المالية الأميركية الصغيرة الناجية، بذات المؤسسات المحدودة العاملة في الدول النامية الفقيرة· صحيح أن ربحية هذه المؤسسات تظل محدودة للغاية، ولا يمكن مقارنتها بأي حال بالأرباح السريعة الضخمة التي تدرها رؤوس أموال المخاطرة والعمليات المالية العابرة للقارات والمحيطات، وبيع السندات المالية لمشترين مجهولين، إلا أن ميزتها الأساسية هي عافية وسلامة معاملاتها، في مقابل المخاطر المالية الكبيرة التي تنطوي عليها معاملات المؤسسات الكبيرة المغامرة· وعليه فإنه من المنطقي العودة بالبنوك الأميركية إلى أصول الصرافة الصغيرة القائمة على خدمة العملاء المعلومين المحددين· أما الدرس الثاني المهم الذي يمكن أن تتعلمه قمة الـ20 من مؤسسات التمويل الجزئي، فيتلخص في ضمان سداد المديونيات عبر تبادل المسؤولية المشتركة بين المؤسسة المصرفية وعملائها· وفي هذا الجانب بالذات تحقق بنوك التمويل الجزئي معدلات سداد ديون باهرة، عن طريق رقابتها المستمرة على سلوك العملاء المالي جزئياً، فضلاً عن الحوافز الجماعية التي تقدمها للعملاء· وعلى نقيض هذا الأداء الجيد في مجال ضمان الديون، تعاني مؤسسات التمويل الضخمة معاناة بالغة في استرداد ديونها، بسبب تحملها للمخاطر الكبيرة التي تهدد بتقويض النظام المالي برمته والإضرار بصحته· وإن كان لقمة الـ20 أن تتعلم هذا الدرس كما ينبنغي، فإن عليها أن تنشئ نظماً رقابية فاعلة، تجنب المؤسسات المالية كارثة الوقوع في أزمة مثل التي تمر بها الآن، مع العلم أنها لم تحدث إلا بسبب أنانية وعدم مسؤولية حفنة من الأغنياء على حساب أغلبية فقراء العالم· جامي زميرمان نائب مدير مشروع الأصول العالمية المشترك مع مركز التنمية الاجتماعية بجامعة واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©