الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المبادرة الفرنسية في مرمى المتضررين

المبادرة الفرنسية في مرمى المتضررين
19 يوليو 2007 02:48
لم يكن مستغرباً إطلاق النار على مؤتمر ''سان كلو'' الباريسي الذي جمع حول طاولة مستديرة برعاية وزير الخارجية الفرنسي ''برنار كوشنير''، ممثلي الأكثرية والمعارضة والمجتمع المدني اللبناني على مدى 48 ساعة، قبل أن يجف حبر الكلمات، والخلاصة التي أعلنها رئيس الديبلوماسية الفرنسية بكلمتين: ''كسر الجليد'' ودون لجنة متابعة· واللافت أن الشعب اللبناني تقبل الخلاصات الباهتة للقاء الباريسي، فهو ما كان منه الكثير، بعيداً عن كل الرهانات التي عوّلت أهمية خاصة على ''الأم الحنون'' في اجتراح المعجزات، وتحقيق نجاحات باهرة أخفقت دول أخرى في إنجازها، وذلك لسبب وجيه وهو أن شروط إنجاز التسوية السياسية في لبنان لم ''تختمر'' بعد في العواصم المؤثرة، والتي تملك الحصة الأكبر من أسهم الأزمة، ناهيك عن صراع ''مستتر'' بين مشروعين: فرنسي يسعى إلى العودة بقوة إلى الشرق الأوسط من خلال البوابة اللبنانية، وأميركي يتخبط في وحول العراق، ويمتلك مشروعه الخاص ''شرق أوسط كبير''· قوى الموالاة والمعارضة التي أبدت حرصها على التعاطي مع المبادرة الفرنسية بانفتاح وإيجابية، ظلت على مواقفها، وكل فريق ألقى على الآخر تبعية عدم تسهيل الحل، إذ إن قوى 14 مارس تعتبر أن سوريا لم تأذن لحلفائها بالتجاوب مع مساعي الإنقاذ حتى الآن؛ لأنها تريد ضمان مصالحها اللبنانية والإقليمية أولاً، بينما تؤكد قوى 8 مارس أن الولايات المتحدة الأميركية تمنع عبر وصايتها على الأكثرية إنضاج أي معالجة جدية للأزمة في انتظار إنضاج نتائج ''المقاسة'' الإقليمية في العراق، وتبيان ما الذي ستقدمه دمشق لمساعدة واشنطن على الخروج من المأزق العراقي· هذا الواقع دفع سياسياً لبنانياً مخضرماً - طلب عدم ذكر اسمه - إلى استخدام ''الدعابة'' في توصيف ما انتهى إليه الحوار في ''سان كلو'' حيث قال: ''قد يكون من المفيد استبدال (تسمية سان كلو) بعبارة (سان كيو) أي شكراً لفرنسا التي حاولت ولم تنجح· وعليه كان من الأجدى مراقبة ما يجري على خطوط (التوتر العالي) من دمشق إلى واشنطن مروراً بالرياض وصولاً إلى طهران؛ لأن لبنان أصبح عملياً خارج دائرة صناعة القرار''· فالاشتباك السياسي العنيف بين صنّاع القرار اللبناني، أدى إلى الحصيلة النهائية لمؤتمر ''سان كلو'' الذي نجح ''فقط'' في جمع أطراف الأزمة حول طاولة مستديرة، أثقلت بالملفات الخلافية، وكان الملف الأكثر سخونة وهو الاستحقاق الرئاسي، فإن فريق المعارضة يصر على نصاب ''الثلثين زائد واحد''، وهو ما لا يستطيع فريق الأكثرية توفيره، إلا بالتوافق المسبق على شخص الرئيس المرشح، في حين ترى قوى السلطة (فريق 14 مارس) أن النصاب هو ''النصف زائد واحد''، وهذا ما يمكن هذا الفريق انتخاب رئيس من أركانه، وهو سمى النائب السابق نسيب لحود مرشحاً لهذا الموقع الدستوري الأول في البلاد، ويتسلح في الأساس بدعم أميركي واضح وصريح لنهجه· وإذا كان مؤتمر ''سان كلو'' قد شكل اختباراً لفرنسا، وإثباتاً لحسن نيتها وتعاطيها مع ''الفسيفساء'' اللبنانية من خلال الوقوف على مسافة واحدة من قوى النزاع، فهي تواجه تحدياً آخر يتمثل في إبراز قدرتها على التمايز عن واشنطن، غير أن الصقور الفرنسيين في إدارة الرئيس الجديد ''نيكولا ساركوزي'' لا يزالون يعزفون على وتر فريق 14 مارس، ويجاهرون بدعم فريق السلطة، وهذا ما يشكل حساسية مفرطة لدى فريق المعارضة الذي يتهم ''الاليزيه'' بالانحياز إلى فريق ضد آخر، ويأخذ على وزير الدفاع الفرنسي ''ايرفيه موران'' الذي التقى نظيره اللبناني الياس المر يوم الأحد مجاهرته بتأييد الحكومة التي يترأسها فؤاد السنيورة وتعتبرها المعارضة غير شرعية، ولا يعتبرها الرئيس أميل لحود موجودة في الأساس وكل قراراتها باطلة· صحيح أن باريس لم تواجه اعتراضات عربية أو أوروبية أو أميركية علنية على مبادرتها، كما أن الصحيح أيضاً، أن هذه الدول كانت تعرف النتائج سلفاً، بحيث إن الظروف المحيطة بالأزمة اللبنانية لا تسمح بأي اختراق، لأن اللاعبين الكبار يستخدمون الساحة اللبنانية متنفساً لحروبهم الباردة· ويبدو أن باريس مصممة على الغوص في الرمال اللبنانية، من خلال قرارها بمتابعة ما بدأته في ''سان كلو'' عبر سفيرها ''برنار ايمييه'' الذي عاد على عجل إلى بيروت، ليمهد الطريق أمام موفد الوزير ''كوشنير'' وهو ''جان كلود كوسران'' الذي سيلحق به سريعا، والرجلان سيعملان على تعبيد الطرقات أمام ''كوشنير'' الذي أعلن بأنه سيعود إلى بيروت في 28 يوليو الجاري لإكمال ما بدأه في باريس، ولكن مع قيادات الصف الأول، وهو يأمل في ''حصاد وفير'' من خلال الإعلان بنفسه عن حل للازمة اللبنانية وربما يترأس حواراً ثنائياً او جماعياً بين الأقطاب للبحث عن هذا الحل· إذا الأزمة اللبنانية دخلت في الثلاجة الباريسية بانتظار الآتي، وهي جمدت مبدئياً عربياً ومحلياً على الأقل، حيث إن أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان يعتزم العودة سريعاً إلى بيروت بعد مؤتمر ''سان كلو'' عدل عن رحلته، وكذلك فإن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي وعد بإطلاق مبادرة جديدة بعد لقاء ''سان كلو'' جمد مبادرته بانتظار الوزير الفرنسي، وهناك إشارات واضحة من قبل بعض أقطاب فريق الأكثرية لعرقلة الحلول بانتظار إشارات خارجية على ما يبدو، بحيث كان لافتاً قول الرئيس اللبناني الأسبق ''أمين الجميل'' بأن قوى 14 مارس ترفض قيام أي حكومة وفاق وطني تحصل فيها المعارضة على الثلث، وقال في احتفال لـ''حزب الكتائب'' الذي يتولى فيه منصب الرئيس الأعلى: ''لا لحكومة وصفها بـ''ألوطنجية''· ليس كلام الجميل بجديد، بل يوافقه عليه بشكل كبير كل من رئيس الهيئة التنفيذية لـ''القوات اللبنانية'' سمير جعجع، ورئيس ''اللقاء الديمقراطي'' الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط وكلاهما يعتبر أن الحديث عن حكومة وفاق وطني بمثابة ''جعجعة'' ''لا تسمن ولا تغني عن جوع''، ويصران على أن الحل هو بعودة الوزراء الستة المستقيلين إلى الحكومة، ومن دون أي تعديل أو تغيير، فيما يعارضهما آخرون ويطرحون بدائل لحكومة (19+11) او (17+13)، وفي المحصلة يختلفون حتى على جنس ''الملائكة'' ويطلقون شعارات للحوار لا تلقى آذاناً صاغية من فريق المعارضة· وبما أن كل الأمور والقضايا المهمة والخطرة متداخلة ومتشابكة، فإن كل المحاولات قد لا تثمر عن تسويات أو حلول؛ لأن المشكلة أكبر من لبنان الذي ينتظر على أمل انطلاق قطار الحل في زمن كل هذه التعقيدات المفتوحة على الصراع الدولي، العربي، وعلى ساحات ساخنة وإن كانت أرض الرافدين الملتهبة أكثرها تأثيراً على لبنان فإن تبريدها قد يفيد في السعي للوصول إلى تسوية ما·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©