الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الخط العربي·· مهارات التعبير الفني وضرورات العيش المهني

الخط العربي·· مهارات التعبير الفني وضرورات العيش المهني
20 يوليو 2007 01:01
قال ابن قتيبة في ''أدب الكاتب'': عن ابن الترجمان، كان الواثق أنفذه إلى ملك الروم بهدايا، فقال: وافقتُ لهم عيداً فرأيتهم قد علَّقوا على باب بيعتهم كتباً بالعربية منشورة، فسألتُ عنها، فقيل: هذه كتبُ المأمون بخط أحمد الأحول استحسنوا صُوره وتقديره، فجعلوها هكذا''· بهذا النَّص المروي عن ابن قتيبة بدأ الباحث العراقي الدكتور شاكر لعيبي، أستاذ جماليات الصورة في جامعة قابس بتونس، كتابه الجديد ''الخط العربي·· نظرية جمالية وحرفة يدوية''، الصادر مؤخراً عن ''دائرة الثقافة والإعلام'' بالشارقة· يؤكد هذا النَّص السردي على جملة معطيات ستكون لا متناهية إذا ما أردنا أن نبقى في معاينة تأويلية دائبة عليها· فالخط العربي كان مهنة سائدة في المجتمع العربي الإسلامي، كما إنه ارتقى إلى مستوى التعبير الجمالي لأن تعليق مخطوطات عربية على جدران القلاع الرومانية يعني استحسان الرومان لجمالية الخط العربي رغم أنهم لا يفهمون معاني الحروف العربية· ما هو لافت أن الكثير من أُدبائنا القدماء احتفوا بالخط العربي حتى دخل في منظومة تعريفاتهم؛ فابن النديم يرى في الخط أنه ''رياض العلوم''، والخط ''صائغ الكلام'' لدى ابن قتيبة، و''لسان اليد'' و''سمط اليد'' 'و'مَركَب البيان'' عند التوحيدي· يحفر شاكر لعيبي في هذه الثمرات التي ضمها الموروث العربي ليستعرض تاريخ الجمالية في حقل فني أحبه المسلمون واشتغلوا فيه· فيبحث في تأصيلات أو جذور الخط الكوفي وخصائصه الجمالية مثل الانسيابية والمرونة، والوحدة والاتساق، والإيقاعية الموسيقية، والدلالية والمعنوية، فضلاً عن خصائص أخرى منها قيام الخط على التلازم بين الضرورة والحرية، وعلى لعبة الوضوح والغموض ضمن سياق المتشابه والمختلف، وعلى قواعد تشكيلية منها الزخرفة والتشخيص· وما هو لافت في دراسة كل هذه السمات هو رجوع المؤلف إلى نصوص تراثية هائلة لأدباء عرب ومسلمين افتتنوا بالخط العربي وركزوا النَّظر في هيئته وأعملوا في حروفه أصابعهم حدَّ العشق غير المتناهي بكينونته الساحرة في بهائها وجمالها· أما الخط كحرفة فينطلق شاكر لعيبي من مقولة غاية في الوضوح؛ إذ يتجذَّر الفن في الحرفة اليدوية· لذلك يغوص المؤلف في نصوص التراث العربي مرة أخرى ليستجلي نسقاً مجتمعياً كان قد فرض نفسه عندما كان تعلُّم الخط يرمي إلى اكتساب المال، بل إن أفضل الجواري المعروضات في أسواق النخاسة العربية كُنَّ يُعلمن الخط لكي ترتفع أثمانهن لدى الخلفاء وكبار القوّاد· ناهيك عن صور مجتمعية أخرى أوردها الأدباء والمؤرخون عن تشبُّث الكثير من الناس بتعلم الخط لأنه يدرُّ مالاً يعيش منه الناس· يورد لعيبي عناوين كتب كثيرة وضعها مؤلفون عرب ومسلمون قديماً عن الخط العربي كمهنة، ويورد أيضاً أدوات الخط، ومنها: الدواة، والقلم، والمقْلمة أو حاوية الأقلام، والمِقط، والمحبرة، والليقة وهي خيوط من الحرير تُغمس في المحبرة، والمرْمَلة، والمنفذ أو مخرم الورق· إلى ذلك يمضي المؤلف في استعراض كل البنية التحتية الداخلة في عملية الخط مثل عملية صقل الورق، وتحضير الأحبار، وتصنيع ماء الذهب لطلاء الورق، وتقنيات الكتابة على الجدران وغير ذلك· بين الجمالية والمهنية هناك دور للخط في الحضارة العربية الإسلامية، وهذا ما ركَّز عليه لعيبي عندما حفر في نصوص التراث العربي باحثاً عن إجابة لسؤال أرّقه كثيراً وهو متى ظهر الرّسام في التراث العربي؟ فوجد أسماءً كثيرة لأشخاص ملقبين بالرّسام فوجد الكثير منهم، ووجد الكثير من الخطاطين الرَّسامين· من جهة أخر يبحث المؤلف في منزلة الخط العربي كمهنة في المجتمع من الناحية الاقتصادية كأسعار الخطوط وأجور الخطاطين، والنساء ودورهن في الخط، ومزوري مهنة الخط· يبدو كتاب شاكر لعيبي ''الخط العربي·· نظرية جمالية وحرفة يدوية'' انعطافة في تاريخ الكتابة عن ظاهرة الخط العربي كنسق فني وجمالي ومهني لعب دوراً كبيراً في بناء الثقافة العربية الإسلامية عبر قرون عديدة خلت وما زالت·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©